CNN CNN

لبنان: خطف كاهن عمّد مسلمة يفتح ملف الأمن والحريات

الأربعاء، 23 أيار/مايو 2012، آخر تحديث 12:00 (GMT+0400)

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أثارت قضية خطف كاهن مسيحي بمنطقة حساسة على الصعيد الطائفي حالة من القلق في لبنان، معيدة إلى الأذهان قضايا أساسية، على رأسها هشاشة الوضع الأمني الداخلي وانتشار السلاح غير الشرعي، وظهور ضعف دور الدولة بعدما تدخل حزب الله للإفراج عن الكاهن.

وتم استهداف الكاهن بعد الحديث عن تعميده لفتاة شيعية من المنطقة، في حين كانت الأجهزة الرسمية تكتفي بـ"الاستنكار" والإعراب عن "قلقها."

وقال سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، القوى المسيحية الأبرز ضمن تحالف "14 آذار" المعارض، إن عملية الخطف "مستنكرة بشكل كامل، ولا يفترض أن تنتهي على طريقة الأمن بالتراضي لأن الأمن بالتراضي يعني تنازل الدولة عن صلاحياتها لصالح منظمات محلية ما يدمر الدولة ويخالف ميثاق العيش المشترك."

وحذر جعجع، في تصريح لـCNN بالعربية، من خطر هكذا حوادث، قائلاً إنها "قد تهدد السلم الأهلي كون المخطوف هو كاهن."

ودعا جعجع، الذي كان قد اتصل بالرئيس اللبناني، ميشال سليمان، لبحث القضية معه، الدولة إلى "القيام بواجباتها عبر توقيف المتهمين بالخطف وسوقهم إلى العدالة."

وبدأت القصة يوم الاثنين الماضي، إذ أشارت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية أن مجهولين يستقلون سيارتي دفع رباعي أقدموا على اعتراض سيارة الأب وليد غايوس، المعروف باسم إلياس مارون غاريوس، راعي كنيسة "سيدة المعونات" في بعلبك، شرق لبنان، وقاموا باختطافه إلى جهة مجهولة، وتركوا سيارته في المكان.

ونقلت الوكالة عن مندوبها أن المعلومات تفيد بأن سبب الاختطاف "يعود إلى قيام الأب غاريوس بتعميد فتاة مسلمة بعد خروجها من منزل ذويها."

ودفعت الحادثة راعي أبرشية بعلبك للطائفة المارونية، المطران سمعان عطا الله، لإصدار بيان أكد فيه اختطاف غاريوس، ولكنه أشار إلى عدم معرفته بمكان وجود الفتاة.

وبحسب المطران عطا الله، فإن الفتاة "تعرضت في السابق حسب ما كانت تعلنه للتعذيب الجسدي والنفسي من قبل والدها بسبب التزامها بالدين المسيحي قبل ثلاث سنوات، علما أنها راشدة وتبلغ من العمر 24 سنة."

وأضاف: "بلغني خبر غير مؤكد، أنه في الأيام الأخيرة حاول والدها فرض الزواج عليها من ضمن عمليات الضغط، إلا أنها واجهت الأمر بالهرب إلى جهة مجهولة."

والغريب أن بيان عطا الله لفت إلى وجود حوادث أمنية أخرى سابقة، بينها إطلاق النار على منزل لكاهن مسيحي آخر من مسقط رأس الفتاة، وهي بلدة "نبحا،" تبعه هجوم  مماثل على كنيسة في البلدة.

وباعتبار أن المنطقة تقطنها غالبية شيعية موالية للأحزاب الشيعية التقليدية، وعلى رأسها حزب الله، فقد سارع الحزب للتدخل واحتواء الموقف، بعد تسرب شائعات ترجح بأنه القوة الوحيدة التي يمكن لأفرادها التحرك بهذا الشكل، لتنقل الوكالة اللبنانية الرسمية أنه "بعد متابعات وجهود حثيثة شاركت فيها القوى الأمنية وحزب الله،" تم تحديد مكان "احتجاز الأب غاريوس، الذي أطلق سراحه."

وبحسب خبر الوكالة، فإن المحطة الأولى لغاريوس بعد "تحريره" لم تكن إلا في مكتب محمد يزبك الوكيل الشرعي العام في لبنان للمرشد الإيراني، علي خامنئي، والذي استنكر عملية الاختطاف واعتبر أنها تستهدف "حزب الله" قبل أن تكون موجهة إلى الأب غاريوس.

أما موقع قناة المنار التابعة لحزب الله، فقد أورد الخبر قائلا إن المساعي التي بذلها يزبك بالتعاون مع الأجهزة الأمنية "نجحت في إطلاق سراح غاريوس،" مضيفا أن يزبك "دان حادثةَ الاختطاف داعياً إلى الحكمة والتروي لمعالجة القضية،" كما نقلت عن الأب المحرر "نفيه تقارير لبعض وسائل الإعلام عن وقوف حزب الله وراء هذه الحادثة."

غير أن نجاة غاريوس من الاختطاف لم تنجح بإغلاق الملف المثير للجدل، في وقت يتم فيه الدعوة لمناقشة سلاح حزب الله وطريقة ممارسته لنفوذه في الكثير من المناطق، إلى جانب الشعور بالقبضة الأمنية المتراخية مع تزايد الحوادث المماثلة.

وطرح الملف على طاولة مجلس الوزراء، الذي وصف الحادث بأنه "مؤسف،" بينما كان للرئيس اللبناني، ميشال سليمان، موقف بارز اعتبر فيه أن ما جرى "حادثة خطرة، وتدخل في حلها بعض الأطراف لإنقاذ الوحدة الوطنية من الأذى،" طالباً من القضاء القيام بواجبه في أسرع وقت. معتبراً أن مثل هذا العمل "غير مقبول على الإطلاق لكونه يعيد صورة بشعة من أبشع صور الحرب ونموذجا لا يؤدي إلا إلى استفزاز المشاعر واستنفار ردود الفعل."

كما صدرت بيانات استنكار من عدة قوى دينية وسياسية، وقال "اللقاء الأرثوذكسي" إن خطف غاريوس "يؤدي إلى استفزاز المشاعر وتجيش النعرات الطائفية، أما المركز الكاثوليكي للإعلام فقال إن الأب المختطف "تعرض للإهانة والضرب، ورأى أن هذه العملية المشينة "تتعدى شخص الكاهن، لتطال كرامة الإكليروس من جهة، وتسيء من جهة أخرى لأسس روح العيش المشترك التي نريده نموذجا في تلك المنطقة وفي كل لبنان."

ودعا المركز جميع الأطراف إلى "احترام حرية المعتقد والدين وكرامة الإنسان،" مناشدا المسؤولين الأمنيين "متابعة البحث عن الفاعلين،" بينا حض الرئيس السابق، أمين الجميل، السلطة إلى أن "تقرن بيانات الشجب بتحريك القوى الأمنية للقبض على الفاعلين، لما لهذا العمل من تداعيات خطيرة على السلم الأهلي في منطقة عالية الدقة والحساسية".

على الجانب الآخر، كان لرئيس "التيار الوطني الحر،" ميشال عون، الحليف الأبرز لحزب الله في الوسط المسيحي، موقف مغاير نوعاً ما، إذ لدى سؤاله عن "خطف غاريوس وتسليمه لحزب الله" أجاب بالقول: "ليس تسليمه لحزب الله. لقد اختطف الأب غاريوس، ونحن نشكر حزب الله لأنه جند كل أعضائه وأصدقائه للبحث عنه، فوجدوه."

وأضاف: "الموضوع فردي، ولا يتعلق بقضية طائفية أو مذهبية أو سياسية حتى، بل يتعلق بفتاة اختفت، إذ لجأت إلى الأنطج (منشأة دينية) حيث يتواجد الأب غاريوس. هذا هو حجم الحادثة الحقيقي. أنتم تعرفون تقاليد أهل البقاع، وأنا عشت بينهم لمدة خمسة أعوام، وهم يتحمسون لهذا النوع من الأمور، وقد تقع الأخطاء في بعض الأحيان. هذا كل ما في الأمر."

كما عقد اجتماع في مكتب المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في دار الإفتاء الجعفري (الشيعي،) تحدث بعده قبلان مديناً عملية الاختطاف وقال:"نرفض رفضا قاطعا تحويله إلى مادة للاستغلال الطائفي والمذهبي من أي جهة كان."

من جانبها، قالت مصادر أمنية لبنانية طلبت من CNN بالعربية عدم ذكر اسمها بسبب حساسية الملف، إن الحادث ما زال مدار تحقيق، مضيفة أنه "لم يتضح حتى الآن ما إذا كان والد الفتاة، وهو رجل دين، قد شارك مباشرة بعملية الخطف، خاصة وأن المعلومات تشير إلى وجود رجل دين ضمن المجموعة التي قامت بخطف الكاهن."

يشار إلى أن حوادث الخطف تكررت مؤخراً لأسباب مختلفة في لبنان، ولم تقتصر على اللبنانيين فحسب، بل وصلت إلى بعض العرب والأجانب، ولكن حادثة الأب غاريوس فتحت الملف الأمني إلى جانب ملف حرية المعتقد في بلد يكفل دستوره ذلك بوضوح.