CNN CNN

جواد العناني يكتب لـCNN بالعربية: مصر إلى أين؟

الاثنين، 08 تموز/يوليو 2013، آخر تحديث 15:32 (GMT+0400)

بقلم الدكتور جواد العناني- رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأردن

إذا كانت الثورات، والثورات على الثورات، تنبع في جذورها من أسباب اقتصادية واجتماعية، فإن ما جرى في مصر بين 30 يونيو/حزيران وحتى الثالث من يوليو/تموز 2013 يصبح مفهوماً إلى حد كبير، فقد فشلت إدارة الرئيس المصري السابق د. محمد مرسي في تقديم أي أمل للشعب المصري بأن وضعه هذا سيرى النور في نهاية النفق.

فقد تراجعت كل المؤشرات الاقتصادية الأساسية من رصيد العملات الأجنبية والتي باتت لا تكفي للاستيراد مدة شهر واحد، إذا استثنينا منها ودائع دول الخليج بعدما قاربت قبل عامين حوالي 40 مليار دولار. وكذلك رأينا البطالة تتفاقم، ودخل السياحة يتراجع، والسوق المالي تكاد تهوي. وبات المواطن المصري لا يأمن على قوت غده، هذا إن تمكن من الحصول على الأساسيات والضرورات بكرامة.

وكذلك فقد كثير من المواطنين شعورهم بالأمن من كثرة حوادث السطو والجريمة الاقتصادية. وتساءل الناس - حتى بعض الذين صوتوا لمرسي - عما ستؤول إليه الأمور لو امتدت لعام آخر.

وقد يجد المحللون والمؤرخون أن هذا الانكفاء الاقتصادي لم يكن من صنع القيادة، بل من تآمر القوى الرأسمالية في مصر على نظام يقوده الإخوان المسلمون، لأنهم رأوا في النظام تهديداً لمصالحهم. ومن الطريف مثلاً أن أسعار الأسهم في البورصة المصرية شهدت تحسناً كبيراً بعد التصريح الأول للقوات المسلحة والذي أمهلت فيه الرئيس المصري السابق مدة 48 ساعة ليصل إلى حل توافقي ينهي الاعتصامات والمظاهرات.

وكذلك، فإن بعض دول الخليج كانت غاضبة من القيادة المصرية، خاصة دولة الإمارات العربية المتحدة، التي اتهمت حركة الإخوان المسلمين في مصر بالتآمر لقلب نظام الحكم في دولة الإمارات، وأصدرت محاكمها أحكاماً ضد عدد كبير من مواطنيها لتورطهم في هذه القضية.

وكذلك، فإن السياحة إلى مصر قد تراجعت. وتأثرت قطاعات مصرية رائدة مثل صناعة السينما والتلفزة إلى حد ما. وللإنصاف فإن الإدارة السابقة لم تأخذ قرارات ضد الإنتاج السينمائي التلفزيوني، ولكنها استخدمت لغة أثارت المخاوف الدفينة لدى المنتجين والعاملين فيه.

وقد رأينا أن أحزاب المعارضة في مصر لم تعط القيادة الإسلامية فرصة للفعل، بل نجحت في حصارها طوال العام الذي حكمت فيه ضمن دائرة ردود الفعل. ومما زاد الطين بلّة هو نقص قدرات الرئيس المصري السابق د. مرسي في الخطابة، ومحاورة الجمهور، علماً أن الرؤساء الثلاثة الذين سبقوه تمتعوا بدرجات متفاوتة بهذه القدرة التواصلية.

وينطبق نفس النقاش على نقاط كثيرة، ومن أهمها شرعية النظام الجديد برئاسة رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور، وشرعية تدخل الجيش لإسقاط نظام منتخب. وستبقى هذه النقاط وغيرها موضع جدل طويل بين مؤيدي النظام السابق وخصومهم.

ومن هنا ستثار أسئلة كبيرة حول مستقبل ما سوف يجري في مصر في الأيام والأشهر القادمة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: هل تستطيع جماعة الإخوان المسلمين أن تبقي الشارع المصري في حالة استنفار حتى يحين موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة؟؟ وهل ستحصل تلك الانتخابات خلال فترة أشهر قليلة أم أن إعادة صياغة الدستور، والقبول به، وإعادة النظر في القوانين ذات العلاقة بالانتخابات ستتطلب نقاشاً معمقاً أكثر؟ أم أن رأي الإخوان المسلمين لن يؤخذ بعين الاعتبار إن استمروا في حالة الاحتجاج في شوارع المدن وساحاتها؟؟

وهل ستستطيع القيادة المؤقتة الحالية أن تحدث الفارق المطلوب في الوضع الاقتصادي بحيث تعيد السياح والاستثمار والمساعدات والقروض لمصر حتى يكون المواطنون أقل عذاباً في تأمين قوتهم وحاجاتهم؟؟ ومن هي الجهات التي سوف تتحمل تلك الفاتورة؟؟

أما إذا نظرنا إلى أن ما جرى في مصر كان نتيجة لعمل خارجي منظم، فإن تفسير الأمور واستطلاع المستقبل سيأخذان مساراً مختلفاً، فنحن نتذكر أن كلاً من مصر وقطر وتركيا اعتبرت محوراً واحداً إذا جاز التعبير في هذا السياق. وقد دلت كثير من الشواهد حتى شهر مضى أو أكثر على ذلك. فالثلاثة كان لهم رأي واحد حيال أحداث سوريا، ونسّفوا مواقفهم حيال كثير من القضايا الإقليمية مثل القضية الفلسطينية، والعلاقة مع إيران، غيرها. وقيل إن هنالك بالمقابل محور آخر يضم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والمملكة الأردنية الهاشمية.

ويصح هذا التقسيم، ولكن ليس في كل شيء. فالأردن مثلاً أبعد في موقفه تجاه الحل التوافقي في سوريا من موقف السعودية وقطر وتركيا علماً أنهم لا يتشاركون في نفس المحور. وكذلك فإن السعودية وقطر والأردن أقرب إلى الموقف المشترك حيال الحل للقضية الفلسطينية من مواقف مصر وتركيا. ولكن إذا أخذت الأمور على مستوى العلاقات الثنائية، فقد بدا من الواضح أن العلاقات بين تركيا ومصر وقطر كانت متناغمة والإجراءات على الأرض فيما بينها تؤيد ذلك. فمصر مثلاً قطعت علاقاتها مع سوريا، وتلقت مساعدات واضحة من قطر، ونسقت معها في مواقف ضد دول أخرى حتى في منطقة الخليج نفسها.

إذن، لا بد من أن نبدأ في فهم ما جرى. فقد قامت مظاهرات عنيفة في تركيا من قبل الأحزاب العلمانية أملاً في زحزحة طيب أردوغان وحزبه الإسلامي عن الحكم. ولكن تركيا ليست مثل مصر. فقد نجح حزب "العدالة والتنمية" في تعزيز بنية الاقتصاد التركي ، وشكّل لنفسه قواعد واضحة، وأنقص دور الجيش في الحياة السياسية، ومضى على حكمه أكثر من عشر سنوات، ولذلك لم تكن أمام الرئيس مرسي الفرصة المتاحة أمام أردوغان، فبقي الثاني ونحّي الأول. ولكن المحاولات لتغيير الوضع في تركيا قد تتجدد في المستقبل القريب.

وأما ما جرى في قطر فهو بالقطع تغيير في الخطّ السياسي القطري، خاصة بعد إقصاء رئيس الوزراء السابق بشكل واضح ومعلن ومقصود عن كل ما كان يتمتع به من سلطات سياسية واقتصادية.

فهل نحن أمام وضع جديد في المنطقة؟ وهل من المعقول أن تتوالى هذه الأحداث وغيرها بهذه السرعة دون أن يظهر في الأفق تحول جديد في مسار المنطقة، وحل مشاكلها؟ هل هنالك احتمالات للوصول الى حل سلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصة وأن حركة حماس لا بد وأن تشعر بالقلق حيال ما جرى من تحول في مصر، وبعد إغلاق معبر رفح بين غزة ومصر وبعد إغلاق الانفاق؟؟

إذا نظرنا إلى الرابحين والخاسرين حتى هذه اللحظات مما جرى، فإن من الواضح أن دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والمملكة الاردنية الهاشمية هم الرابحون. وقطر سوف تربح رغم إنجازات الأمير السابق حمد بن خليفة آل ثاني.

وإذا كان ما جرى في مصر من تحول سيخلق مصر جديدة متآلفة، فهذا هو الحل الأمثل. ولك على مصر أن تعيد النظر في لغة التفاخر على باقي العرب. فمصر دولة مهمة واستراتيجية، وقادرة على أن تكون في مركز القيادة في المنطقة. ولكن هذا لا يأتي باللغة الشوفيينية غير الدقيقة التي تستخدم في بعض وسائل الإعلام المصري. فمصر التي قدمت خدمات كبيرة للعرب في عهد عبدالناصر قد دخلت بعدها في حالة تبادل متكافئة مع الدول العربية.

وبالرغم من فوز أربعة مصريين بجائزة نوبل، إلا أن هذا لا يجعل مصر الآن فريدة في الثقافة والحضارة والفن من بين الدول العربية. فالوطن العربي له الكثير الذي يفخر به. وإذا بقي هذا هو الموقف السائد في التعامل مع باقي أقطار الوطن العربي، فإن أحداً لن يقبل بذلك، بل على العكس، إن مصر ستكسب كثيراً لو مدت يد الصداقة لكل العرب، ولعبت دور المصلح والحكم العدل بينهم، وتفاهمت مع العواصم العربية على بناء مؤسسات ومواقف ومراكز عربية متقدمة في العالم.

على مصر أولاً أن تتفاهم مع نفسها ليكون لديها القدرة والطاقة على الاستفادة والإفادة من حب العرب لها. والعلاقة التبادلية القائمة على الاحترام المتبادل هي خير مسار تأخذه مصر في الأشهر القادمة.

ملاحظة: وجهة النظر الواردة تعكس رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي CNN بالعربية.



ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.

الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.