رأي.. الموازنة الجديدة لمصر وتخفيض العجز

اقتصاد
نشر
7 دقائق قراءة
تقرير حسين شكري
رأي.. الموازنة الجديدة لمصر وتخفيض العجز
مصريون في محطة للوقود في القاهرة بعدما رفعت الحكومة أسعار الوقود بشكل كبيرCredit: MAHMOUD KHALED/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم حسين شكري، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

أقر الرئيس المصري الموازنة الجديدة للعام المالي 2014/2015 بعد أن عدلتها الحكومة بناء على طلبه لتشمل تخفيضا إضافيا للعجز ليصبح 10% من إجمالي الناتج القومي بدلا من 14% ويعتبر هذا التوجه خطوة في الاتجاه السليم ليعود الاقتصاد المصري إلى الاستقرار.

ستعمل الحكومة بموازنة يبلغ حجم الانفاق بها 790 مليار جنيه مقارنة 737 مليار جنيه في الموازنة المنتهية للعام المالي 2013/2014.

إن حجم الانفاق المقدم في الموازنة يعتبر في حد ذاته انكماشيا حيث انه أقل قليلا من حجم الانفاق في الموازنة السابقة أخذا في الإعتبار الزيادة في الأسعار ومعدلات التضخم بين العامين.

***

تميزت الموازنة الجديدة بتحرك الحكومة المصرية لأول مرة للسيطرة على حجم الدعم الذى أخذ في التزايد سنة بعد أخرى حتى بلغ  180 مليار جنيه يوجه منه 130 مليار جنيه لدعم المنتجات البترولية. وأصبح الدعم يلتهم حوالي ربع الموازنة ويتسبب في وجود عجز كبير كان سيصل الى 350 مليار جنيه وديون داخلية قاربت أن تكون بحجم الناتج القومي الإجمالي ولذا وجب السيطرة عليه، فقامت الحكومة بتخفيض دعم المنتجات البترولية الوارد في الموازنة الجديدة بحوالي 40 مليار جنيه واتخذت القرارات التنفيذية لتحقيقه بزيادة أسعار البنزين والسولار والكهرباء والغاز ومن المهم أن نتذكر أن دعم المنتجات البترولية كان قد ارتفع من 40 مليار جنيه إلى 130 مليار جنيه بين عامي 2007 و2013.

شهدت الموازنة أيضا بعض الإصلاحات الهيكلية ففرضت ضرائب جديدة بمقدار 5% على الأفراد والشركات الذين يزيد دخلهم على مليون جنيه سنويا لتصبح الضريبة المفروضة على هذه الشريحة 30% بعدما كانت ٢٠% في سنة ٢٠١٢.

كما تم استحداث لأول مرة ضريبة بمعدل 10% على الأرباح الرأسمالية المحققة في البورصة، وكذلك على توزيعات الأرباح النقدية التي تجريها الشركات.

وتحقق هذه الخطوة الاصلاحية أيضا نوعا من العدالة في توزيع الأعباء فى المجتمع فيتحمل القادرون ماليا العبء الأكبر وإن كان الجميع يتحمل -- حسين شكري  

ماذا يعنى كل ذلك وكيف يمكن قراءته؟

***

إن خفض الانفاق العام وزيادة الضرائب هى إجراءات انكماشية، تم اتخاذها في آن واحد وفي فترة يعاني فيها الإقتصاد من الكساد والتضخم،  وهى وإن كانت قرارات جريئة وشجاعة وضرورية كان يجب أن تتخذ منذ سنوات طويلة ولكن تم اهمالها -- حسين شكري.  وهذه السياسة الإنكماشية سيكون لها آثار سلبية غير مقصودة لا يجب إغفالها بل ينبغي الإستعداد لمعالجة آثارها حتى نمضى معا إلى بر الأمان.

أولها زيادة أسعار الوقود التي ستؤدي بالضرورة إلى زيادة أسعار السلع والخدمات في المجتمع نتيجة ارتفاع التكلفة وهذا أمر لا مفر منه وسيؤدي إلى ارتفاع جديد فى معدل التضخم الذى يبلغ الآن 10% وهو معدل يعتبر مرتفعا.

الأمر الثاني هو أن الاجراءات الجديدة ستقلل من الدخول المتاح للاستهلاك والاستثمار الذي بدوره سيخفض معدل النمو في حجم الناتج القومي الذى يصل الآن إلى حوالي 2% وهو معدل نمو منخفض للغاية.

أما الأمر الثالث الذى لا يجب أن نغفل عنه هو البطالة الإضافية التي ستظهر نتيجة ضعف النشاط الاقتصادي الذي لن يكفي لاستيعاب الزيادة السنوية في القوي العاملة، علما أن معدلات البطالة الحالية مرتفعة في حدود 12% قبل البدء في تنفيذ الاجراءات الجديدة.

***

على الحكومة أن تراقب وترصد هذه الآثار السلبية التى ستوجد نتيجة تنفيذ هذا البرنامج الإصلاحي وتتخذ من الاجراءات التي تحد منها حتى لا تستفحل آثارها الاجتماعية -- حسين شكري.  وأول هذه الاجراءات هو مراقبة الأسعار والأسواق لإيقاف الممارسات الخاطئة سريعا، كما أنصح أن يكون هناك قدر من المرونة فى تعديل الموازنة لإدخال برامج انفاق جديدة إذا لزم الأمر للتقليل من معدل البطالة والأهم من كل ذلك هو بذل الجهود لتذليل العقبات الإدارية والروتينية لتخلق بيئة حاضنة لاستقبال الاستثمارات التي ستتولد من مؤتمر الدول المانحة المخطط إقامته آخر العام، فليس هناك وسيلة أفضل لمعادلة السياسات التقشفية اللازمة من استقطاب استثمارات مباشرة من الخارج لعمل مشروعات جديدة تخلق فرص عمل وتدعم النشاط الاقتصادي.

***

من المهم أن نذكر أن هذه الروشتة الاصلاحية يجب أن تتضمن في جزئها الثاني جهود حثيثة لتوسيع القاعدة الضريبية لتشمل القطاع غير الرسمي في الاقتصاد، ويمكننا في هذا الشأن الاستعانة بخبرات المتخصصين من الخارج وتجارب الدول التي سبقتنا ونجحت فى تحقيقه كما أنصح بالتوسع في فرض الرسوم بديلا عن الضرائب المباشرة بدلا من الاستمرار في زيادة الضرائب والأعباء على الشريحة الحالية للممولين حيث أن هناك حدود لما يمكن تحميله لهذه الشريحة حتى لا تنقلب الأمور.

 فتجربة فرنسا في عهد الرئيس الاشتراكي أولاند واضحة وكاشفة للجميع، فعندما قامت الحكومة الفرنسية بفرض ضرائب إضافية على مجتمع الأعمال الفرنسي هاجر قطاع كبير منه إلى دول أوروبية مجاورة وأصبح الاقتصاد الفرنسي يعاني من معدلات بطالة مرتفعة وضعف النمو الاقتصادي مقارنة بدول أوروبية أخرى مثل بريطانيا وألمانيا. ومن المدهش أن الحكومة الفرنسية تحاول الآن تصحيح سياساتها لتخفيض الضرائب وتقليل هيمنة الدولة على النشاط الاقتصادي وتشجيع القطاع الخاص.

كما يجب أيضا العمل على إصلاح الجهاز الإداري للدولة واحتوائه حتى لا تنفلت فاتورة الأجور والمرتبات التي تلتهم ربعا آخر من الموازنة.

***

على الحكومة أن ترسل رسالة واضحة لمجتمع الأعمال أنها مازالت تدعم الملكية الفردية وتشجع الاستثمار الخاص -- حسين شكري وروح المبادرة وأن دورها الأساسي هو العمل كمنظم ومراقب للنشاط الاقتصادي وليس مهيمنا عليه، فالقطاع الخاص يوفر حوالى 70% من الوظائف فى مصر.

إن العلاج في أحيان كثيرة يتطلب أن يتجرع المريض الدواء المر حتى يشفى والقرارات الجديدة هي الدواء المر لمصر، فلنتحمله جميعا حتى تسترد مصرنا قوتها وعافيتها.