الاقتصاد في الإسلام: العرض والطلب والأسعار وملاحظات عبقرية لابن تيمية والكاساني والمقفع والجاحظ

اقتصاد
نشر
5 دقائق قراءة
الاقتصاد في الإسلام: العرض والطلب والأسعار وملاحظات عبقرية لابن تيمية والكاساني والمقفع والجاحظ
Credit: afp/getty images

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تناول الإسلام القضية الاقتصادية والمسائل التجارية على ألسنة العلماء من القدم، وذلك بطبيعة المجتمع الذي شهد بعثة النبي محمد، والذي كان ينشط في التجارة على نطاق واسع، ولذلك ظهرت ملاحظات حول قضية العرض والطلب وأسعار البضائع تضاهي من حيث تطورها النظرات الغربية الحديثة المرتبطة بنظريات السوق الرأسمالية.

وويستند من يقول بتحريم التسعير إلى تفسير الحديث المنقول عن النبي محمد، والذي يشير فيه إلى أنه رفض التسعير مضيفا أن الله "هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال" بينما يستند القائلون بتحليل التسعير إلى أن النبي لم ينه عن ذلك صراحة.

وكان ابن تيمية من بين الذين تطرقوا إلى قضية فرض الأسعار على البضائع، فقال في فتاويه: " هناك من الفقهاء مَن أوجب التسعير عندما تدعو الضرورة إليه، ومنهم ابن تيمية وابن القيم، فيقول ابن تيمية: "وأما التسعير فمنه ما هو ظلم محرم، ومنه ما هو عدل جائز، فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حقٍّ على البيع بثمنٍ لا يرضونه أو منعهم مما أباح الله لهم فهو حرام، وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ الزيادة على عوض المثل فهو جائز بل واجب."

ويحدد ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أطر تحرك الأسعار بحيث لا يقع الظلم والغلاء على المستهلك، وفي الوقت نفسه لا يؤدي إلى كساد المنتج والخسارة، ويحددان ضرورة أن يكون السعر "عدلاً لا وكس فيه ولا شطط."

ما يقرره ابن تيمية يعكس بشكل واضح النظرة في عصره إلى طبيعة الأسعار، فقد كان هناك اعتقاد على نطاق واسع بأن جشع التجار يدفعهم إلى التلاعب بالسعر ورفعه، ولكنه يشير في أقواله إلى وجود عوامل أخرى تتعلق بالعرض والطلب تؤثر على الأسعار، وبالتالي يمكن عند سعر معين حصول زيادة في الطلب وتراجع في العرض، في حين قد تنعكس الأية عند مستويات سعرية أخرى.

واللافت في نظرة ابن تيمية إلى الأسعار أنه يفصل بين الظاهرتين المتعلقتين بالعرض والطلب، إذ يؤكد إمكانية حصولهما بشكل مترابط أو بشكل منفصل، وذلك وفقا لما يوضحه في كتابه "الحسبة في الإسلام."

أما الإمام علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني، المتوفى قرابة عام 1191 ميلادية، وهو أحد أشهر علماء المذهب الحنفي وصاحب كتاب "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع"، والذي يلاحظ فيه أن "قيمة السلعة تتغير في كل مرة يتبدل فيها سعرها بسبب تزايد أو تراجع عدد الناس الذين يرغبون فيها بحسب تبدل السعر."

وينقل الدكتور عبدالعظيم إصلاحي، أستاذ قسم الباحثون معهد الاقتصاد الإسلامي جامعة الملك عبدالعزيز بالسعودية في كتابه الصادر بالإنجليزية حول "إسهام العلماء المسلمين في مجال الفكر والتحليل الاقتصاديين" عن الكاساني قوله إن ذلك يحصل "سواء كانت السلعة متوفرة في الأسواق بكميات قليلة أو كبيرة."

كما يلفت الأديب ابن المقفع، صاحب الكتاب الشهير "كليلة ودمنة" إلى معطيات إضافية تتعلق بتوفر السلع وأسعارها، وذلك في كتاب له بعنوان "رسالة في الصحابة" الذي كتبه للخليفة العباسي أبوجعفر المنصور، والذي يشير فيه إلى تأثير الظروف المناخية على المنتجات الزراعية وبالتالي على الكميات المعروضة منها بالأسواق وأسعارها والضرائب التي تجنيها الدولة منها.

ومن بين الأدباء الذين لاحظوا تلك الظواهر الاقتصادية أيضا الجاحظ، في كتابه "التبصر بالتجارة" إذ يقول: إن كل شيء يرخص إذا ازدادت كميته إلا العلم فإن قيمته تزداد كلما زادت كميته. أما الفقهاء، فمنهم القاضي عبدالجبار، وكذلك الإمام الجويني، الذي يشير أيضا إلى أن تحديد الأسعار مسألة تتجاوز قدرة الإنسان لأنها تتأثر بالعرض والطلب، مشيرا إلى أن البائع والزبون في السوق الحرة لا يمكنها التأثير في الأسعار، بل يتلقونها فقط.