المشروعات القومية وتكلفة الفرصة البديلة في مصر

اقتصاد
نشر
7 دقائق قراءة
تقرير عمر الشنيطي
المشروعات القومية وتكلفة الفرصة البديلة في مصر
السد العالي، مصرCredit: AFP/Getty Images

كاتب هذا المقال، عمر الشنيطي، المدير التنفيذي لمجموعة مالتيبلز للاستثمار، والمقال يعبر عن رأيه ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

(CNN)-- شهدت الأسابيع الأخيرة الإعلان عن موجة من المشروعات القومية العملاقة يأتي على رأسها:

  1- قناة السويس الجديدة وما تشمله من توسيع وتعميق للمجرى الحالي وكذلك حفر تفريعة جديدة موازية وعدة أنفاق تحت القناة. 2- تطوير إقليم قناة السويس وجعله مركزا لوجستيا وصناعيا. 3- المثلث الذهبي للتصنيع ويستهدف الاستفادة من الثروات المعدنية في صحراء مصر الشرقية. 4- إحياء مشروع توشكى المتعثر والذي تم إطلاقه في 1997. 5- إستصلاح 4 مليون فدان زراعي في سيناء والصعيد لتنمية هذه المناطق وزيادة الحصيلة الزراعية. 6- مدينة العلمين الجديدة والتي تهدف لإحداث تنمية متكاملة في منطقة الساحل الشمالى الغربى. 7- بناء شبكة طرق تبلغ حوالي ٣ آلاف كيلو متر تربط المحافظات المختلفة وتسعي لتطوير حركة النقل والتجارة.

وتوضح المشروعات القومية عزم الدولة على قيادة التنمية وتحريك عجلة الاقتصاد، لكنها تأتي بتكلفة مالية كبيرة مع حجم المشروعات المطروحة. وعلى الرغم من أهمية النظر للتكفلة المالية إلا أنه من المهم أيضا النظر لما يعرف بتكلفة الفرصة البديلة لهذه المشروعات. فصانع القرار دائما ما تكون لديه خيارات متعددة مثل إطلاق مشروع قومي جديد، أو استكمال مشروع سابق، أو تسديد متأخرات على الحكومة، أو تطوير قطاع خدمي أو ما خلافه، فاختيار مشروع بعينه يعني التضحية بمشروع آخر. ولذلك فمن الضروري الأخذ في الإعتبار تكلفة الفرصة البديلة للنظر لهذه المشروعات بشكل استراتيجي ومتكامل. وفي هذا الصدد يمكن التركيز على عدة جوانب رئيسية:

أولا: طبيعة المشروعات القومية:

المشروعات القومية كالتي تم إطلاقها طويلة المدى بطبيعة الحال وعادة ما تتم على عدة مراحل حتى تكتمل ويأتي العائد منها متأخرا حيث تحتاج الحكومة لتطوير المناطق الجديدة والاستثمار في البنية التحتية لعدة سنوات، إن لم تكن عقود، حتى تصل لمرحلة تتيح للقطاع الخاص الاستثمار والتطوير. وبطبيعة الحال تحتاج هذه المشروعات لمصادر للطاقة، سواء كهرباء أو غاز، لتلبية إحتياجات المصانع والمجمعات السكنية الجديدة، ولا يخفى على أحد العجز الذي توجهه مصر في الطاقة مقارنة بمستويات الإستهلاك الحالية.

ثانيا: التجارب السابقة والدراسات الغائبة:

مصر ليست حديثة عهد بالمشروعات القومية وتجاربها في هذا الصدد شديدة التباين، فمنها ما نجح كالسد العالي ومنها ما دون ذلك كتوشكى، والذي لم يحقق المستهدف منه بإستصلاح ٦٠٠ ألف فدان على الرغم من مرور ١٧ عاما على تدشين المشروع، مما يوضح أن الواقع في بعض هذه المشروعات قد يكون مغايرا للدراسات المبدئية. ومع حجم المعلومات الضئيل الذي يتم تداوله والذي يشير إلى عدم وجود دراسات كافية عن هذه المشروعات، فإن مخاطرة هذه المشروعات شديدة الإرتفاع وعائدها المتوقع تحوطه علامات إستفهام كبيرة.

ثالثا: التمويل والقطاع المصرفي:

تتسم المشروعات القومية الكبرى بميزانية تطويرها الضخمة مما يجعل من الصعب تمويلها حاليا من داخل موزانة الحكومة، التي تعاني عجزا متصاعدا منذ الثورة، مما يدفع لتمويلها خارج الموازنة كما هو الحال في طرح شهادات استثمار قناة السويس الجديدة، والتي تسعي لجمع 60 مليار جنيه. وعلى الرغم من أن هذا الرقم يمثل حوالي 3% من إجمالي أصول القطاع المصرفي، إلا أنه بعد الأخذ في الإعتبار ما تم توظيفه بالفعل في السندات الحكومية وتمويل العملاء، فإن الشهادات المطروحة تمثل حوالي 14% من صافي الأصول غير المستغلة، مما يشير إلى الحجم النسبي الكبير لهذا المشروع والذي يأتي كطليعة لموجة من المشروعات سيؤدي تمويلها من خلال البنوك المحلية إلى أزمة سيولة حقيقية في القطاع المصرفي على المدى المتوسط، خاصة مع حاجة القطاع للاستمرار في تمويل عجز الموازنة. ولذلك فإن مثل هذه المشروعات تضغط بشدة على القطاع المصرفي وتحد من قدرته على تمويل القطاع الخاص الذي يعاني من مزاحمة الدولة له بأشكال متعددة.

رابعا: المشاكل الآنية الطارئة:

تعاني مصر مشاكل هيكلية متصاعدة يأتي على رأسها مشكلة الطاقة والتي تمثل ضغطا حقيقيا على المصانع التي تعاني من إنقطاع الطاقة بشكل دوري. وقد تتراوح خسائر المصنع الواحد للصناعات الثقيلة من نصف مليون إلى مليون جنيه في الساعة الواحدة لإنقطاع الكهرباء، في حالة الإعلام المبكر. ولعل من أسباب هذه المشكلة هو نقص الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء والذي نتج عن عدم التوسع في الإنتاج نتيجة تراكم مديونية شركات البترول الأجنبية لدى الهيئة العامة للبترول لما يتخطى 6 مليار دولار. ولعله كان من الأولى العمل على تسوية هذه المديونية بأقصى سرعة لإستعادة ثقة هذه الشركات وحثها على التوسع في الإستكشاف والإنتاج بشكل يقلل من عجز الوقود الحالي. وينطبق نفس الكلام على العمل على تسوية مشاكل المستثمرين الحاليين سواء المحليين أو الأجانب قبل إطلاق مشروعات جديدة لجذب استثمارات جديدة.

الخلاصة أن موجة المشروعات القومية العملاقة التي تم إلاعلان عنها مؤخرا لها تكفلة غير مباشرة وهي تكلفة الفرصة البديلة الناتجة عن توجيه الموارد الاقتصادية المحدودة للمشروعات الجديدة، طويلة الأجل والمشكوك في عائدها، على حساب التضحية بحل الكثير من المشاكل الآنية الطارئة التي تمثل عائقا حقيقيا للأنشطة الاقتصادية القائمة، مما يجعل من الضرورى إنتهاج توجه تدريجي في دراسة وإطلاق هذه المشروعات بشكل يتناسب مع موارد الاقتصاد وأولوياته.

يذكر أن هذا المقال، يعبر عن رأي كاتبه عمر الشنيطي، المدير التنفيذي لمجموعة مالتيبلز للاستثمار، ولا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.