عمرو عادلي يكتب في الاقتصاد المصري .. "أساطير اقتصادية: دمج القطاع غير الرسمي"

اقتصاد
نشر
7 دقائق قراءة
عمرو عادلي يكتب في الاقتصاد المصري .. "أساطير اقتصادية: دمج القطاع غير الرسمي"
Credit: Peter Macdiarmid/Getty Images

هذا المقال بقلم عمرو عادلي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

درج المسؤولون في مصر في السنوات الأخيرة على الحديث عن دمج القطاع غير الرسمي، ويكون هذا عادة إما في إطار الحديث عن التسجيل القانوني للأنشطة الاقتصادية والمنشآت التي تعمل بلا ترخيص، وإما عن توسيع القاعدة الضريبية بضم الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، ويعرف القطاع غير الرسمي بأنه إجمالي قيمة الأنشطة الاقتصادية التي تجرى بمعزل عن التسجيل القانوني لدى الدولة، أي أن القطاع غير الرسمي هو مجمل الأنشطة الاقتصادية التي تغيب عن نظر الدولة ولا تظهر في سجلاتها ولا تخضع من ثم لا لتنظيمها ولا لرقابتها ولا لتحصيل الضرائب، وقد قيم الاقتصادي البارز فريدريك شنايدر نصيب مثل هذه الأنشطة غير المسجلة أو غير الرسمية في إجمالي الناتج المحلى المصري في دراسة له صدرت في 2007 بما يتراوح بين  40 في المائة إلى 60 في المائة، وهو ما يعنى أن الأنشطة غير الرسمية هي صاحبة النصيب الأكبر من توليد الدخل في مصر.

تفتح هذه الحقائق الإحصائية شهية بعض المسئولين للحديث عن ضرورة تحصيل الضرائب على هذه الأنشطة، كما تفتح باب النقد من جانب أولئك الذين يرون الدولة في مصر ضعيفة ومترهلة وغير قادرة على ضبط أو تنظيم الجزء الأكبر من الاقتصاد الوطني، ويتبادر للأذهان على الفور عند الحديث عن القطاع غير الرسمي الباعة المتجولين في الطرق والميادين وأصحاب الفرشات على الأرصفة والمنادين والتباعين في الميكروباصات، وعربات الأكل الشعبي من فول وفلافل وكبده ومكرونة وغيرها من الأنشطة متناهية الصغر، والتي يعمل بها مئات الآلاف بل والملايين من فقراء المدينة ناهيك عن أنشطة ذات طابع اقتصادي تجرى داخل المنازل ولا حصر لها كتربية الدواجن والحيوانات، كما يتبادر للذهن مصانع «بير السلم» والمطابخ غير المرخص لها في المنازل، والتي تنتج سلعا وموادا تطرح في السوق وتحقق عائدا أو ربحا، فهل هذا هو القطاع غير الرسمي الذي يشكل 40 في المائة إلى 60 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي في مصر؟

والإجابة القاطعة هي لا إذ أن القطاع غير الرسمي المحتسب في دراسة شنايدر وغيرها من الدراسات الإحصائية والاقتصادية لا يعنى فحسب المنشآت أو الأنشطة غير المسجلة أو غير المرخص بها أو متناهية الصغر والتي تجرى على هامش العلاقات الأسرية أو علاقات الجيرة كطبخ الطعام أو تقشير الخضراوات والبطاطس إنما يقصد بها إجمالي القيم الاقتصادية لعمليات تجرى بدون أن تسجلها الدولة رغم وجوب هذا قانونا، حتى ولو كانت هذه العمليات الاقتصادية تصدر عن منشآت مسجلة ولها سجلات صناعية وتجارية وتنعم بالتراخيص المطلوبة وتحتفظ ببطاقات ضريبية فعلى سبيل المثال التهرب الضريبي جزء من الاقتصاد غير الرسمي وهنا يجب أن نتخلى عن لفظة القطاع غير الرسمي لأنه ليس قطاعا منفصلا عن القطاع الرسمي بل هو نمط معين من الممارسات الاقتصادية لأن التهرب الضريبي يستند إلى إخفاء عمليات اقتصادية وقيم من شركات عن سجلات الدولة.

وينضم للتهرب الضريبي العمالة غير الرسمية في الاقتصاد المصري، والتي تشمل كل العاملين بغير عقود رسمية ولا تأمينات، ويشكلون ما يقرب من 60 في المائة من إجمالي العاملين في مصر على أقل تقدير، وهؤلاء العاملون قد يكونون موظفين لدى شركات مسجلة كما هو الحال في قطاع البناء والتشييد والذى تمثل العمالة غير الرسمية ٩٠٪ من الإجمالي ولكن عمل هؤلاء والأجور التي يتلقونها لا يتم تسجيلها كما أن اشتراكاتهم واشتراكات أرباب عملهم لا تدفع للتأمينات ما يضم هؤلاء للاقتصاد غير الرسمي حتى ولو كانوا يعملون لدى شركات مسجلة قانونيا لدى الدولة. وكذا الحال مع كافة التعاملات التي قد تقوم بها كيانات اقتصادية مسجلة قانونا ولكن بلا عقود رسمية يتمخض عنها قيم اقتصادية لا يتم تسجيلها لدى الدولة بأي حال من الأحوال كالحال مع المحال التجارية التي تبيع جزءا من بضاعتها من خلال باعة متجولين أو أصحاب فرشات غير مسجلين أو التي تبيع بضائعها بدون فواتير بغية التهرب الضريبي.

إذن فإن القطاع غير الرسمي ليس قطاعا بالمعنى الذى يوحى بأنه موجود بمعزل عن ما يمكن اعتباره القطاع الرسمي بل إن العلاقة بينهما أكثر سيولة وأشد تداخلا بكثير على نحو لا يجعل كلمة قطاع غير رسمي ذات معنى واضح، ولذا يفضل استخدام «الاقتصاد غير الرسمي» في المقابل للدلالة على الأنشطة والمعاملات والقيم الاقتصادية التي تغيب عن التسجيل طبقا للقانون، ومن هنا فإن اختزال دمج ما يسمى بالقطاع غير الرسمي في عملية تسجيل المنشآت والأنشطة غير الرسمية هو أمر غير سليم، ويقصر المنظور على أنشطة اقتصادية هي في حقيقتها منخفضة الإنتاجية (كحال الباعة المتجولين على سبيل المثال) وغالبا ما تكون أنشطة محدودة القيمة يمارسها فقراء المدينة والريف بغرض كسب قوت اليوم بما لا يجعلها مادة للتحصيل الضريبي حقا.

إن علاج مشكلة الاقتصاد غير الرسمي يتطلب الذهاب إلى ما وراء تبسيط إجراءات التسجيل وإصدار التراخيص إلى حصر جوانب السياسات المختلفة التي تشهد حضورا كثيفا للاقتصاد غير الرسمي خاصة مجال الضرائب (التهرب الضريبي) ومجال العمل (العمالة غير المسجلة وغير المنتظمة). وه. مسائل قد لا تكون مترابطة تحت مظلة واحدة ولكنها في المجمل ضرورية لأي نهوض اقتصادي مستقبلي فلا سبيل للحديث عن الاستثمار في مهارات العاملين وتعليمهم وتدريبهم مع غلبة علاقات غير مسجلة عادة ما تكون قصيرة الأجل وخالية من أي درجة من الأمان الوظيفي، وهو ما يخلق دائرة مفرغة من العمالة غير الماهرة ضعيفة الإنتاجية التي تنخرط في أعمال لا تتطلب إلا مهارات قليلة في ظل غياب الأمان الوظيفي والأجر المنخفض، وكذا الحال مع التهرب الضريبي، وإخضاع القاعدة الأعرض من القطاع الخاص المسجل والرسمي للتحصيل الضريبي.