عمر الشنيطي يكتب.. "صناديق الاستثمار: هل تمثل خطرا على القطاع الصحي في مصر؟"

اقتصاد
نشر
7 دقائق قراءة
عمر الشنيطي يكتب.. "صناديق الاستثمار: هل تمثل خطرا على القطاع الصحي في مصر؟"
Credit: MARWAN NAAMANI/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم عمر الشنيطي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

حدث مؤخرا جدل كبير بسبب توسع صناديق الاستثمار المباشر في الاستحواذ على عدة مستشفيات ومعامل كبيرة. وانقسم الناس بين مؤيد يرى ضرورة تشجيع هذا التوجه ويعتبره علامة على جاذبية مصر كوجهة استثمارية، وبين معارض يرى في ذلك تكوينا لكيانات احتكارية يمثل خطرا على القطاع الصحي. ونظرا لأهمية القطاع، قد يكون من المفيد النظر للأمر بموضوعية وبدون التعرض لأسماء صناديق أو مستشفيات بعينها منعا للترويج أو التشهير.

في البداية، ما هي صناديق الاستثمار المباشر؟

هي صناديق استثمار تقوم بجمع الأموال من مؤسسات مالية وعائلات ثرية وتستخدم هذه الأموال للاستحواذ على الشركات الخاصة بهدف تطويرها وتحسين أدائها المالي ثم إعادة بيعها بعد فترة لمستثمرين آخرين بقيمة أعلى من قيمة الاستحواذ. ويعمل مدير الصندوق على تعظيم قيمة الشركات المستثمر فيها عبر وسائل مختلفة كتغيير الإدارة وخفض النفقات والتوسع الجغرافي وإدماج الشركة مع شركات مثيلة لزيادة الحصة السوقية وزيادة الأرباح. وهذا الشكل الاستثماري موجود في العالم منذ عقود وقد شهد نموا ملحوظا مع بداية الألفية في منطقة الشرق الأوسط بما فيها مصر، لكن اهتمام الصناديق بالسوق المصري قد تراجع بعد الثورة نتيجة الاضطرابات السياسية ثم ما لبث أن عاد مرة أخرى في العام الماضي.

لكن لماذا تهتم الصناديق بالقطاع الصحي؟

في ظل الوضع المتعثر للاقتصاد المصري، تركز صناديق الاستثمار على القطاعات الدفاعية، قليلة التأثر بالركود الاقتصادي والتي يأتي على رأسها القطاع الصحي حيث شهدت الفترة الأخيرة عدة استحواذات في هذا القطاع من صناديق استثمار، بعضها محلية ولكن الاستحواذات الكبيرة كانت لصناديق غير مصرية. رغبة الصناديق في الاستثمار في القطاع يواكبها رغبة أصحاب المستشفيات في البيع أو الشراكة، حيث أن أغلب المستشفيات مملوكة لأطباء قد يرغبون مع تقدم أعمارهم في البيع وجني الأرباح ومن يرغب التوسع منهم يقابل تحدي التمويل والذى يحتاج لرؤوس أموال كبيرة.

يبدو ذلك جيدا، فما وجه الإعتراض عليه؟

أبدى بعض من يعملون بالقطاع الصحي تخوفهم من وجود احتكار إذا استمرت صناديق الاستثمار في الاستحواذ على مقدمي الخدمات الكبار من مستشفيات ومعامل. وما يزيد الموضوع حساسية أن من يتصدر هذا التوجه هي صناديق استثمار غير مصرية. لكن القطاع الصحي في مصر به ما يزيد عن ٩٠٠ مستشفى خاص وما يزيد عن 700 مستشفى عام وجامعي، بينما عدد الاستحواذات السنوية في القطاع لا تتعدي ١٠ استحواذات وهو ما يوحي بصعوبة وجود احتكار في ذلك القطاع.

لكن هل فعلا لا توجد مخاطر احتكارية؟

بداية الاحتكار يتطلب وجود مقدم للخدمة يسيطر على حصة كبيرة في السوق تمكنه من التحكم في الأسعار مما يزيد من ربحيته على حساب المستفيدين منها. وهذه الحصة السوقية الاحتكارية تختلف من سوق لآخر؛ فالسيطرة على  20-30 في المائة من قبل شركة واحدة في سوق به مئات من مقدمي الخدمة قد يعطي هذه الشركة قوة نسبية في السوق. في مثل هذه الحالة، لا نستطيع أن نسمي ذلك احتكارا لأن العميل لديه بدائل أخرى. لكن يتيح هذا الوضع لمثل هذه الشركة القيام بممارسات احتكارية كالتحكم في الأسعار، خاصة إذا كانت هناك صعوبات للتحول لمقدم خدمة آخر.

في حالة القطاع الصحي المصري، إجمالي عدد استحواذات صناديق الاستثمار قد لا تتخطي 5 في المائة من إجمالي عدد المستشفيات الخاصة وهو ما يوحي بعدم وجود احتكار ولا حتى مساحة لممارسات احتكارية. لكن إذا أخذنا في الإعتبار تركز هذه الاستحواذات في منطقة جغرافية معينة كالقاهرة الكبرى وعلى المستشفيات التي تستهدف شريحة معينة كأصحاب الدخل المتوسط وفوق المتوسط، فإن هذه الاستحواذات تمثل نسبة ليست بالقليلة من هذه الشريحة المستهدفة. ومع قدرة هذه الصناديق على الاستحواذ على معامل ومراكز أشعة وشركات تأمين صحي وشركات للأدوية في نفس الوقت، فإن صناديق الاستثمار المباشر قد تستطيع الحصول على قوة سوقية تتيح لها القيام بممارسات احتكارية على حساب المرضى وكذلك الأطباء. وإذا اخذنا في الإعتبار أيضا أن الجزء الأكبر من تلك الاستحواذات سيتركز في يد عدد قليل من الصناديق، خاصة غير المصرية منها لقوتها المالية، فإن القلق من وجود ممارسات احتكارية في المستقبل هو قلق منطقي حتى وإن سلمنا بأن الاستحواذات السابقة والحالية لا تمثل خطرا كبيرا.

إذا ما هو الحل؟

الإدعاء بأن هذه الصناديق مضرة للقطاع الصحي غير صحيح؛ لأنها تساعد على تطوير القطاع بضخ الأموال ورفع كفاءة الإدارة وتوسيع نطاق الخدمات الطبية المقدمة. وإذا أردنا جذب استثمار أجنبي، فلا بد أن ندرك أن القطاع الصحي سيكون على رأس مستهدفات المستثمر الأجنبي. ولذلك فإعاقة مثل هذه الاستحواذات ليس أمرا مفيدا. لكن من ناحية أخرى، فإن إنكار وجود مخاطر احتكارية على القطاع نتيجة تزايد استحواذات الصناديق أشبه بدفن رؤوسنا في التراب. الحل يكمن في إيجاد آلية للتنظيم والرقابة على مثل هذه الاستحواذات بشكل واضح ومتوازن. وقد يكون تأسيس لجنة للرقابة على مثل هذه الصفقات، تضم ممثلين من وزارات الاستثمار والصحة والتجارة ونقابة الأطباء وجهاز حماية المستهلك، خطوة استباقية جيدة تستطيع وضع معاير واضحة للتنظيم والرقابة على الاستحواذات.

الخلاصة أن استحواذات صناديق الاستثمار الحالية قد لا تؤدي لوجود احتكار في القطاع الصحي، ولكن قد تنتج كيانات كبيرة بحصص سوقية كافية للقيام مستقبلا بممارسات احتكارية كالتحكم في الأسعار مما يستلزم النظر للموضوع بجدية. لذلك لا يجب أن نغلق الباب أمام استثمارات الصناديق في القطاع الصحي لكن يجب أن لا نفتح الباب على مصراعيه بدون رقابة. ووجود آلية للتنظيم والرقابة على الاستحواذات لا يعني بالضرورة العودة لنموذج الاتحاد السوفيتي، بل إن مثل هذه الآليات معمول بها في دولا رأسمالية كأمريكا لتنظيم الاستحواذات والاندماجات في القطاع الصحي تجنبا للممارسات الاحتكارية. لذلك فالأحرى بنا أن نبادر بتنظيم هذا القطاع لتشجيع المستثمرين فيه وفي نفس الوقت حماية المستفيدين منه.