عدنان يوسف يكتب لـCNN: صندوق النقد والصيرفة الإسلامية.. اعتراف متأخر بدور تاريخي

اقتصاد
نشر
6 دقائق قراءة
تقرير عدنان أحمد يوسف

هذا المقال بقلم عدنان أحمد يوسف، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا، والآراء الواردة أدناه تعكس وجهة نظره ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

المنامة، البحرين (CNN) -- شهادة دولية أخرى تحظى بها الصيرفة الإسلامية على تعاظم أهميتها ودورها في التنمية المستدامة، ونعني بها قرار المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي الذي أعلنه الأسبوع الماضي بشمول الصيرفة الإسلامية ضمن إطاره الرقابي لما بات لهذه الصناعة من أهمية في الاستقرار المالي في الدول التي تمارس فيها. كما إننا نعتبر هذا القرار امتدادا لاعتماد قمة مجموعة العشرين التمويل الإسلامي في تحقيق التنمية المستدامة على مستوى العالم.

وصحيح أن الصيرفة الإسلامية لا تزال تمثل نسبة ضئيلة من الأصول المالية العالمية، إلا أنها موجودة في أكثر من 60 بلدا بأصول ناهزت 1.5 تريليون دولار وأصبحت ذات أهمية نظامية في 14 منها (15% وأكثر من الأصول المصرفية). لذلك ونظرا للتنامي السريع للصيرفة الإسلامية من حيث الحجم والطابع المعقد، فإنها باتت تساهم مساهمة رئيسية في الشمول المالي والتنمية المستدامة، ومن ثم بات لزاما على السلطات الرقابية والبنوك المركزية أن تهتم بصورة أكبر بدراسة وتصميم دور الصيرفة الإسلامية في الاستقرار المالي.

وابتداء يمكن الإشارة إلى إن التفاتة صندوق النقد الدولي إلى الصيرفة الإسلامية ودورها في الاستقرار المالي جاءت متأخرة نوعا ما. فمنذ تفجر الأزمة المالية العالمية عام 2008، كتبنا عدة مقالات أشرنا فيها إلى ظاهرة صمود الصيرفة الإسلامية بوجه الأزمة في مقابل انهيار العشرات من البنوك التقليدية وذلك نظرا للاختلاف الكبير في منهجية وأساسيات عملهما، كذلك طبيعة الأنشطة والممارسات التي يزاولانها. وهذه الظاهرة تقود مباشرة للاستنتاج بقدرة الصيرفة الإسلامية على حماية الاستقرار المالي العالمي بصورة تفوق قدرة البنوك التقليدية، التي وعلى العكس، زاولت أنشطة وتاجرت في منتجات أثبتت أنها تمثل أكبر خطر على الاستقرار المالي.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى جاءت التفاتة الصندوق متأخرة لأن المؤسسات المالية المعنية بالصيرفة الإسلامية مثل الأيوفي ومجلس الخدمات المالية الإسلامية والمجلس العام للبنوك الإسلامية والبنك الإسلامي للتنمية وبالتعاون مع البنوك المركزية العربية والإسلامية عملت ومنذ سنوات طويلة على ترشيد وتعزيز دور الصيرفة الإسلامية في الاستقرار المالي في الدول التي تمارس فيها، وشهدنا تطوير الكثير من الأدوات المالية الإسلامية التي باتت جزءاً من أدوات الاستقرار المالي التي تمارسها البنوك المركزية من خلال نوافذ السيولة الإسلامية مع البنوك المحلية في هذه الدول. كما التزمت البنوك المركزية بتطبيق كافة الأدوات الاحترازية التي أوصت بها لجنة "بازل" فيما يخص الاستقرار المالي على البنوك الإسلامية مثل نسبة كفاية رأس المال، ومخصصات القروض، ونسبة الديون إلى رأس المال، ومتطلب الاحتياطي، والحد الأقصى للتمويل، ونسبة الدين إلى الدخل، ونسبة القروض إلى الودائع، ومتطلبات السيولة، إضافة إلى حجم الانكشاف على العميل الواحد وغيرها من الأدوات. وتوضح البيانات إن البنوك الإسلامية متفوقة في الالتزام بهذه الأدوات بالمقارنة مع نظيراتها التقليدية.

إن الاستقرار المالي بمفهومه العام يشمل كافة مكونات النظام المالي من مؤسسات مالية (مصارف وشركات تأمين وصناديق استثمار ..إلخ) وأسواق مالية، علاوة على البنية التحتية والسياسات والتشريعات وغيرها.  وبقدر تعلق الأمر بعلاقة البنوك الإسلامية بهذه المكونات يمكننا أن نلاحظ أولا إن الصيرفة الإسلامية أكثر استقرارا لأنها تستند على مجموعة من الضوابط مثل مشاركة المدخرين (المستثمرين) والمساهمين (المالكين) في المخاطرة لتجنب الأزمات ومنع المتاجرة في المشتقات المالية وارتباط التدفقات النقدية بالتدفقات السلعية والخدمية الناتجة عن اقتصاد حقيقي بما يحقق زيادات متوازنة للعرض والطلب، كذلك منع بيع ما لا يملك وتحريم أية عقود تقوم على الربا والغرر مما يحقق تخفيض تجنب الأسواق للمجازفات والمضاربات العبثية.

وثانيا المنتجات المالية الإسلامية تجمع بين المصداقية الشرعية والكفاءة الاقتصادية بحيث تكون قادرة على تلبية احتياجات اقتصادية حقيقية لأفراد ومؤسسات المجتمع وليس المضاربات الوهمية التي تخلق عدم الاستقرار. وتشمل المنتجات المصرفية الإسلامية التمويل التشاركي ويشمل صيغا منها المشاركة والمضاربة، والتمويل التجاري ويشمل صيغا منها المرابحة والسلم، والتمويل التأجيري ويشمل صيغا منها الاستصناع والإجارة وغيرها من الصيغ.

وثالثا تخضع عمليات التمويل والاستثمار في المؤسسات المالية الإسلامية لمجموعة من الضوابط التي من شأنها أن تجعلها أكثر كفاءة وفعالية من حيث صلتها بالاستقرار المالي مثل إطار السلامة الشرعية وأن تكون مسئولة اجتماعيا، إلى جانب سلامتها من الناحية المالية والاقتصادية.

على أية حال نحن نعلم أن البحث في طبيعة وهياكل منتجات التمويلية والاستثمارية الإسلامية وعلاقة هذه الطبيعة والهياكل بالتأثير سلبا أو إيجابا على الاستقرار المالي هو موضوع شائك وليس مكانه في هذه المقالة، وهو بالفعل بحاجة للمزيد من البحث والتحليل والتأطير للوصول إلى تصميم سياسات وإطر تنظيمية ومنتجات تحقق دور أكبر للصيرفة الإسلامية في الاستقرار المالي. ولا شك أن دور صندوق النقد الدولي سوف يكون فاعلاً ومكملاً للأدوار التي تقوم بها المؤسسات المالية الإسلامية المتخصصة والبنوك المركزية.