ريم سعد تسأل: من يحتاج لشرطة الآداب؟

منوعات
نشر
4 دقائق قراءة
ريم سعد تسأل: من يحتاج لشرطة الآداب؟
رجال مصريون يحاكمون بتهمة المشاركة في فيديو لحفل زفاف لمثليي الجنسCredit: -/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم ريم سعد، باحثة مصرية، وهو ضمن مقالات ينشرها موقعها CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

لم يكن هجوم الشرطة على الحمام الشعبي العام بالفجالة والقبض على رواده بدعوى كونه "وكرا للشذوذ والجنس الجماعي" حدثا فريدا وإن كان قد حظي باهتمام كبير نتيجة لملابسات المداهمة. أثار هذا الحدث بالذات ضجة واستنكار شديدين بسبب التورط السافر للإعلام في صياغة الحدث وليس فقط صياغة الخبر واختفاء الخط الفاصل بين الصحفي الباحث عن الحقيقة وبين مرشد الشرطة. انتفض الإعلاميون والصحفيون وغضبوا عن حق لامتهان مهنتهم التي هي أصلا في محنة فكان التفاخر باختفاء الخط الفاصل بين الباحث والمباحث هو القشة التي قصمت ظهر البعير ونالت منى عراقي مقدمة برنامج "المستخبي" على قناة القاهرة والناس النصيب الأكبر من الهجوم المستحق تماما.

***

فلننتهز فرصة الضجة التي سببتها الجريمة الإعلامية من أجل تسليط الضوء على الموضوع الأساس وهو تغول سلطات شرطة الآداب وانتهاكها المستمر والمتزايد لحرمات المواطنين وخصوصياتهم وحقوقهم الشخصية مُنَصِبة نفسها المرجع الأعلى لتحديد ما هو لائق وطبيعي بصرف النظر عن أي اعتبارات قانونية أو دستورية تتعلق بالحرية الشخصية للمواطنين وحرمة الحياة الخاصة. فكأن شرطة الآداب هي الذراع الأمني لهوس الأخلاق الحميدة الذي تعتمده أجهزة الدولة كوسيلة حكم وتحكم ويباركه قطاع كبير من المجتمع. تتمدد صلاحيات هذا القطاع  لتشمل تقريبا كل نواحي الحياة الاجتماعية من مداهمة حمام شعبي عام وتفسير ما يحدث بداخله على أنه شذوذ وحفلات جنس جماعي إلى "ضبط" وتكدير شاب وفتاة يتمشيان على الكورنيش.

وفي الوقت الذي تملأ فيه أخبار إنجازات شرطة الآداب صفحات الحوادث وأحيانا الصفحات الأولى لبعض الإصدارات الفضائحية، تعيش البلاد وضعا أمنيا غاية في الصعوبة من سرقة سيارات يدفع أصحابها صاغرين فدية لاستعادتها كما تنصحهم الشرطة أو خطف أطفال يعود قليلهم إلى أهله لو دفعوا الفدية أو سرقة بالإكراه في عز الظهر في قلب العاصمة إلى الكوراث المرورية الناتجة عن الانعدام التام للرقابة على المرور والطرق ولا أثر لأي مجهود شرطي للتعامل مع تلك المصائب الأمنية الحقيقية وغيرها. وسط كل ذلك يبدو وكأن شرطة الآداب هي وحدها التي تعمل بهمة ونشاط وترصد لها كافة الموارد المطلوبة.

***

ما الذي يريده المواطن من الشرطة غير حفظ الأمن؟ وهل يشعر أي مواطن أنه أكثر أمنا بسبب وجود شرطة الآداب؟ من حقنا أن نسأل وأن نحصل على إجابة حول ميزانية ذلك القطاع وكم الموارد التي يتم توجيهها إلى أنشطتها وأن نتساءل عن الكيفية التي تدير بها وزارة الداخلية مواردها. نريد أن نعرف حجم المصروفات والأفراد والوقت والموارد الأخرى التي يتم توجيهها لمداهمة حمام شعبي أو شقة سكنية بقصد ضبط "عاطل وربة منزل" أو شاب وفتاة يقفان معا على الكوبري أو على كورنيش النيل. بالمقابل ما هي الموارد التي توجه نحو استعادة الأطفال المخطوفين وحراسة الأحياء السكنية وتدعيم شرطة النجدة وغيرها مما يحتاجه المواطنون بشدة وما يتعلق بأمنهم بشكل مباشر وعاجل؟

شرطة الآداب تستنزف الموارد ولا تساهم في حفظ الأمن والمستفيد الوحيد منها على ما يبدو هي الصحافة الصفراء. لماذا لا يتم إلغاؤها وتحويل مواردها إلى قطاعات أخرى تتعامل مع الاحتياجات الأمنية الأكثر إلحاحا؟ السؤال الأهم ربما هو من أين أتى حراس الفضيلة بكل تلك السطوة وكيف يمكن حماية حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة أذرع للحكم تتحكم في أدق خصوصياتهم وتعتبر نفسها فوق المساءلة.