رأي.. لماذا تربعت هارفارد على قمة النجاح الأكاديمي؟

منوعات
نشر
7 دقائق قراءة
رأي.. لماذا تربعت هارفارد على قمة النجاح الأكاديمي؟
Credit: Christopher Furlong/Getty Images

هذا المقال بقلم محمد المنشاوي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN 

عندما يقوم طلاب الثانوية الأمريكيين بالمفاضلة بين 4140 جامعة لإكمال دراساتهم تكون جامعة هارفارد Harvard University  هي الاختيار الأول. ولا يقتصر الأمر على أمريكا، فالكثير من الطلاب حول العالم يفضلون التقدم لهارفارد، وفي الغالب يصابون بخيبة الأمل حينما يصلهم الرد! حيث أنها لم تقبل سوى 5.9% من المتقدمين لها العام الماضي.  وحينما يثار التساؤل حول سبب تقدم هذا العدد الكبير من الطلاب للجامعة  خاصة مع تكلفهم عناء دفع تكاليف استمارات تبلغ 75 دولارًا فإن الإجابة تكون معروفة لأنها أفضل جامعة على مستوى العالم، واحتمال القبول والدراسة بهذه الجامعة يستحق هذه المخاطرة.

بداية يثار تساؤل هام حول كيفية وصول هارفارد إلى قمة الهرم الأكاديمي العالمي. وإذا ما استعرضنا تاريخ تأسيسها سوف نجد دلالات هامة حول محددات نجاحها كمؤسسة، فلقد تم تأسيس هارفارد في عام 1636 بقرار من المجلس التشريعي لمستعمرة ماساشوستس. وبذلك يمكن اعتبارها أقدم مؤسسة للتعليم العالي في أمريكا. وفي عام 1639 قام جون هارفارد، رجل الدين البروتستانتي، بالتبرع بنصف تركته و400 كتاب من مكتبته الخاصة لصالحها. وعلى الرغم من أن الجامعة والمقررات الدراسية بها لا تتبع انتماء دينيا بعينه، فإنها قد تشبعت بالفلسفة البروتستانتية. لكن مع تولي جون ليفيرت لرئاسة الجامعة كأول علماني من خارج طائفة رجال الدين البروتستانت في 1708، بدأت هارفارد في فقدان طابعها البروتستانتي، وتم وضع اللبنات الأولى في تحويل هذه الجامعة لتتبوأ مكانتها الراهنة على قمة العالم الأكاديمي الحديث. في حين قام رئيس آخر للجامعة وهو تشارلز إليوت بإدخال إصلاحات من قبيل المقررات الاختيارية، ومحدودية عدد الطلاب في قاعات الدراسة، وامتحان الدخول للجامعة، واضعا بذلك أسس النظام الأمريكي الحالي للتعليم العالي.

لم تكن إجراءات الإصلاح الأكاديمية وحدها السبب الرئيس في ازدهار جامعة هارفارد، حيث يضاف إلى ذلك تلقيها لتمويل كبير من جانب الحكومة الأمريكية على مدار قرنين من عمرها. ولكن في عام 1824 تم إصدار قانون يحرم تقديم أي تمويل حكومي للجامعات الخاصة. من هنا خلقت هارفارد وقفا ماليا لها بلغت قيمته العام الماضي 36.4 مليار دولار، حقق لها دخلا قيمته 4.2 مليار دولار في 2014.

لكن لماذا استطاعت هارفارد أن تعتلي قمه هرم الاكاديمية العالمية وتحافظ عليه؟ أربعة أسباب يمكن أن تكون مدخلا مناسبا لفهم ظاهرة نجاح هذه المؤسسة الفريدة. أولا تعتاد هارفارد على قبول أكثر الطلاب تأهيلا على مستوى العالم، كما أن القائمين على إدارة  الجامعة يقدرون قيمة التنوع، من هنا فهي تضم طلابا من شتى بقاع الأرض. وتضم الجامعة أكثر من 50 جماعة إثنية وثقافية، وعددا أخرا من اتحادات الطلاب والمنظمات الخدمية وجماعات النشر والنقاش. كما تحرص هارفارد على وجود طلاب من خلفيات اقتصادية واجتماعية وطبقية مختلفة، لذا توفر منحا مالية متعددة للطلاب الفقراء المميزين من داخل أمريكا وخارجها. وتم تخصيص 160 مليون دولار العام الماضي كمنح لا ترد للمميزين من الطلاب داخل وخارج أمريكا ممن لا يقدرون على دفع تكاليف الدراسة. وكان متوسط ما حصل عليه الطالب من مساعدات مالية في مرحلة البكالوريوس ما يقرب من 46 ألف دولار. ويتمثل العامل الثاني في تميز هيئة التدريس بها، وتضم هارفارد حوالي 2400 أستاذ جامعي منهم 47 ممن حصلوا على جوائز نوبل في مختلف المجالات، إضافة لـ 48 فائزا بجوائز بوليتزر الصحفية الرفيعة. نعم يصاب بعض الاساتذة بالتعالي في بعض الأحيان، إلا أن أدارة الجامعة تدفع وتضغط على أساتذتها لإدراك أن الطالب له الأولية. أما العامل الثالث لنجاح هارفارد فهو الموارد الأكاديمية والمالية التي توفرها لطلابها والتي لا يمكن مقارنتها بموارد أي مؤسسة أخرى تعليمية على مستوى العالم. فنظام المكتبة الجامعية بها على سبيل المثال يعد الأضخم بعد مكتبة الكونجرس الأمريكي والمكتبة البريطانية والمكتبة الوطنية الفرنسية،  يتكون من 80 مكتبة فرعية تضم حوالي 18.9 مليون إصدار علمي، إضافة إلى ملايين أخرى من الكتب النادرة والمخطوطات والوثائق المتاحة لمساعدة الطلاب في أبحاثهم، ولتحقيق تقدم أكاديمي مضطرد.

يمثل العامل الرابع في تفوق جامعة هارفارد في فرص التوظيف واسعة النطاق التي يحظى بها خريجوها. وتخرج من هارفارد 32 طالب أصبحوا فيما بعد رؤساء أو ملوكا في دولهم. ومن رؤساء أمريكا الكبار هناك فرانكلين روزفلت وجون كيندي وباراك أوباما. وفي مجال المال والاعمال بيل جيتس مؤسس ميكروسوفت، ومارك زوكربيرج مؤسس فيس بوك. ورؤساء عدد من الدول منها كولومبيا وليبيريا والمكسيك وشيلي وبوليفيا وولي عهد اليابان وسكرتير عام الأمم المتحدة. وتخرج كذلك أعداد كبيرة من المفكرين المرموقين والساسة والممثلين والموسيقيين، ولذا يظل السبب الأول للإقبال على الالتحاق بهارفارد هو ضمان الانضمام لنادي الخريجين المميزين الذي يضم حاليا 323 ألف خريج منهم 271 ألف داخل أمريكا و52 ألف حول العالم منتشرون في 201 دولة.

تمكنت جامعة هارفارد على مدار أربعة قرون من الارتقاء بأدائها الأكاديمي لتصبح من أعظم المؤسسات التعليمية والبحثية على مستوى العالم، بالنظر إلى اكتسابها لمكانة مرموقة وهو ما يرتبط بنجاح القائمين على إدارتها في تحقيق التوافق بين مختلف عوامل النجاح من اجتذاب الطلبة المتميزين وأعضاء هيئة التدريس المرموقين وتطوير الموارد الأكاديمية والمالية غير المتواجدة في أي مؤسسة جامعية أخرى في مختلف أنحاء العالم، ولذا لا يجد الطلاب بيئة أكاديمية مثالية كهذه تراعي التنوع الفكري والثقافي والمشاركة الطلابية سوى في جامعة هارفارد. ويحسب لإدارة الجامعة حفاظها على تفوقها خلال القرون الأربعة الماضية، ولا يبدو أن هناك مصادر تهديد محتملة لهذه المكانة رغم التميز الكبير للعديد من الجامعات داخل وخارج أمريكا.