رأي.. بشار جرار يكتب لـ CNN عن دلالات قرار واشنطن بإلغاء "عدم شرعية" الاستيطان الإسرائيلي

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة
صورة أرشيفية لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو
Credit: Drew Angerer/Getty Images

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس وجهة نظر شبكة CNN.

أحار في إصرار البعض على الاستغراب أو الاستهجان وحتى الإدانة للقرارات التي اتخذتها إدارة ترامب حتى الآن بخصوص سلام الشرق الأوسط. القرار الكبير كان القدس وقد مر دون أن "تسقط السماء" كما قالوا حينها. في المقابل أحار أكثر فيمن يراهن على هذه الحالة من انعدام الفعل كردة فعل على القرار الأمريكي سواء رسميا أم شعبيا. المسألة في نظري في غاية الخطورة إن أسيء فهم كنهها.

بداية لا بد من الصدق والدقة في طرح الأمور فما نحن فيه – شرق أوسطيا – على الأقل هو نتاج تراكم الكذب والتضليل والخداع في التعامل مع القضايا المصيرية بما فيها المعيشية للإنسان في منطقتنا. الصراع في حقيقته ديني حضاري ومن ثم اقتصادي سياسي بحيث تم الاصطفاف وفقا لمصالح الدول على امتداد زهاء قرن من هذا الصراع المؤلم المزمن لكنه حتما ليس قدرا لا متناهي.

بيان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو حرصه على تأكيد جملة من المنطلقات والالتزامات: سياسة الإدارات الأمريكية المتعاقبة ومن كلا الحزبين، تميزت بعلامات فارقة من أبرزها سياسات الرؤساء السابقين الديمقراطي كارتر والجمهوري ريغان والديمقراطي أوباما. ريغان لم ير في المستوطنات "بحد ذاتها" أمرا غير شرعي لكنه اعتبر قرار الاستمرار ببنائها "خطرا يقوض فرص السلام". تطور الأمر في إدارة بوش الأب فاعتبرها "عقبة أمام السلام".

هكذا حتى قام سلف بومبيو، جون كيري في الأشهر الأخيرة من ولاية أوباما باعتبار المستوطنات "غير شرعية ومخالفة للقانون الدولي".

سياسيا وعلى الصعيد الداخلي الأميركي، حرص بومبيو على "إبطال" قرار كيري بمعنى التراجع عن اعتبار المستوطنات غير شرعية.

المنطلق الثاني تمثل في تأكيد حقيقة معروفة دوليا، وهي أن القضاء أو القانون الدولي لم يكن يوما الحل الناجع لحل النزاعات السياسية. فما حرر فرنسا من النازية هو المقاومة الشعبية الفرنسية الموحدة والإنزال الأمريكي في نورماندي وليس القانون الدولي الذي لا شك بأنه يدين النازية والاحتلال. كذلك الحال بالنسبة للسجال الدائر في ساحات نزاعات  دولية مزمنة ككشمير وناغورنه كاراباخ وشطري قبرص والكوريتين.

المنطلق الثالث وهو الأهم في تقديري، أن القرار الأمريكي لا يعني بأي حال مصادرة لحق الفلسطينيين والإسرائيليين في التفاوض على الأراضي "المتنازع عليها" ومنها الضفة الغربية. قد يقول قائل هذه أراضي تابعة للسيادة الأردنية وجزء لا يتجزأ من المملكة الأردنية الهاشمية. إن صدقوا بهذا الطرح "كائنا من كانوا" فليتقدم صانع قرار فلسطيني وطني بهذا الهجوم "الدفاعي الوقائي" ويعلن عن استفتاء بتنظيم دولي يقول فيه أهلنا في الضفة الغربية كلمتهم دون ضغط سلطوي أو فصائلي. وإن أرادوا صادقين التعامل مع "هدايا ترامب" لنتانياهو لدعمه في معاركه الانتخابية فليتفضلوا بتنظيم استفتاء ينهي انقسام الفلسطينيين بين داخل وخارج (شتات ومخيمات)، أو على الأقل بين الداخل الفلسطيني بين ضفة وغزة وبين غزة حماس وغزة الجهاد في ضوء "العقلانية وضبط النفس" في المواجهة الأخيرة والذي كانت تعيبه حماس على غيرها. باختصار ما دامت المصلحة الإنسانية والوطنية الحقيقية غائبة في طوفان الشعارات والأجندات "المشبوهة" وإن خفيت، فإن أفلام العنتريات ستبقى محروقة في تآكل مستمر للأرض وضياع متكرر للفرص.

قد لا يروق أسلوب إدارة ترامب للبعض لكنه بالتأكيد الأكثر صدقا في الطرح بصرف النظر عما يمكن أن تقبله أو ترفضه كمفاوض. لكن صفقة القرن التي خاض في "عرضها" الجميع دون أن يستوعب طول نفسها كثيرون، صفقة فيها كثير من التوابل ويتم إنضاجها على نار هادئة يتم رفع أوارها من وقت لآخر حسبما يرى الطهاة وهم لحسن الحظ لا يتبعون وصفات معروفة علها تحقق الاختراق المطلوب.

ما لم يحسن صناع القرار الفلسطيني والإسرائيلي في المقام الأول التعامل مع الطرح الجاد لترامب في حل النزاع، فإن عليهم وعلى آخرين يكتفون للأسف بدور المتفرج أن يستعدوا لاستقبال مزيد من "الهدايا" والتي قد تشمل الإفراج عن المواطن الأمريكي جوناثان بولارد المسجون بتهمة التعامل الاستخباري مع إسرائيل وتغيير الوضع القائم في القدس فيما يخص الحق بفتح دور العبادات كافة أمام الناس كافة!

على الصادقين الغيورين على قيم السلام والحق والخير أن ينهضوا بخطابهم الإعلامي والسياسي فيصارحوا الناس في حقيقة ما يجري ولا يراهنوا على جدوى سياسات التجهيل والتضليل والتحشيد الزائفة.