عن علاء

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة
تقرير محمد عبد الحميد
عن علاء
Credit: FILIPPO MONTEFORTE/AFP/Getty Images

كتب العديد من أصدقائنا مؤخراً عن تجاربهم الشخصية مع علاء، متى كان أول لقاء وماذا كان أول انطباع  لهم عنه. أردت أن أحذو حذوهم وأكتب عن علاء وعن لقاءاتي به. جلست أفكر، هل أذكر ما تعلمت منه أم ما تناقشنا فيه، أم أذكر موقفي من الظلم الذي حدث له ومازال يحدث له ولأسرته. قررت أن أحكي عن أشياء  أخرى ..!

عرفتُ شعر علاء قبل أن أعرفه. عرفتُ ثوريته قبل أن أقابله. عرفتُ مدونته قبل مقالاته. أهم شيء عرفته عن علاء هو أكثر شيء أستعجِبُه. !

تحدثت مع علاء قبل أن أراه. كنت حينها لا أعرف الثورة ولا أعرف شيئاً عن التي يسمونها السياسة. كلُّ ما كنت أعرفه حينها أن الشعب قد أفاق من "موتته" وقرر الوقوف أمام الطغيان وأعلن جليَّاً أن الثورة قد دقّت الأبواب وأخذت أول خطواتها في هذا البيت الكبير. ذات يوم؛ كان يتحدث عن إعادة هيكلة الدولة في إحدى تغريداته، سألته سؤالا للاستيضاح وما ظننتُ أن يرد علي، ولكنه فعل. !

لطالما أردت أن أزور فلسطين. حينما ذهب علاء إلى غزة طلبت منه أن يأتي لي بكوفية فلسطينية. أردت أن أملك جزءا من فلسطين وآخذه معي أينما ذهبت. لم أتوقع أن يتذكر، لو كنت مكانه لما تذكرت.. بل لو كنت مكانه لما تذكرت أن هناك ما يجب أن يُتذكَّر. !

كانت ليلة امتحاني. قرأت أن هناك ما يسمى بـ ”التويت ندوة”. أردت أن أرى أصحاب تلك الآراء التي أُتابعها. اكتشفت يومها ان علاء كانت له يدٌ كبيرة في تنظيمها. خطر في ذهني وأنا في طريق العودة أن هذه بداية ما يطلق عليه “مصر ما بعد الثورة” وأن أصحاب الآراء هؤلاء هم، وفقط هم من يستطيعون ان يصلوا لهذا الحلم. !

قابلته عندما عاد إلى القاهرة، في مسرح روابط. بدأ يحكي لنا عن تجربته هناك. لطالما اعتقدت أن في الثورة رومانسية، ولطالما أكد علاء تلك النظرية لي -- محمد. تحدث عن غزة وتمنيت ألا يتوقف. حكى لنا عن الجدار وعن حدائق الزيتون وعن الحصار. كانت من أوائل المرات التي أحمل فيها خالد. أعطاني الكوفية، شكرته وعدت من حيث أتيت حاملا في يدي واحدةً من أغلى مقتنياتي. !

ماسبيرو. رأيته يومها وأنا أهم بالرحيل، آتياً من اتجاه التحرير. شاهدته أنا وآلاف البشر يحكي عن المشاهد المؤلمة التي رآها في مشرحة المستشفى القبطي. حكى لنا عن الشهداء وعن نضالهم بعد موتهم للحصول على لقب شهيد وأنَّ معهم، ذلك أفضل جداً.

 استدعي إلى النيابة التي لا يعترف بها ورفض التحقيق.

ذهبت أقف أمام س ٢٨ لأقول لا للمحاكمات العسكرية وأرفض التحقيق مع علاء. أردت أن أسلم عليه قبل أن يدخل لكن الاستدعاء القادم من الداخل كان أسرع. رأيته حين ابتسم من داخل الزنزانة وألهم الأبنودي، كانت ابتسامة شخص لا يبالي بالحديد الذي يغلل يديه عن اعتناق أحبابه، ابتسامة منتصر. !

ابنُ الثورة.. خالد علاء أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح. علمتُ أنه خرج للحياة. رأينا صورةً لعمته تحتضنه وهي في عالمٍ ليس بإمكاننا تخيله. نسيت الحزن ونسيت أخاها ونسيت كل شيء. ذلك الطفل، خرج ومعه بصيص أمل لأبيه وأمه بأن هناك ما هو أفضل. وقعت عيناه عليه أول مرة بعد ساعات من ولادته، في السجن. احتفل بمرور أول سنين عمره مرة أخرى في سجن آخر. أبوه في سجن نظام جديد وبنفس التهم المطاطة. !

يجلس هو الآن في زنزانة، بعيداً عن ابنه وزوجته وعائلته. لا يستطيع الكتابة ولا حتى البرمجة، تاركاً كل شيء خلفه وهذا ما أستعجبه. قليلون من يستطيعون أن يقرروا ان تتوقف حياتهم تماماً لقضية أو مبدأ -- محمد . هو مسموع مهما أرادت الأنظمة له أن يصمت. هو جريء مهما أرادت الحكومات له أن يخاف. لا أتحدث عن شخصية خيالية ولا أريد أن أبدو مبالغاً لكنّي لا أطيق بقاءه هكذا في تلك الزنزانة. !

اعذروني إن كانت أفكاري مبعثرة، لكني ظننت ان الكتابة عن علاء أمرٌ سهل، لكن الواقع لم يكن كذلك. من الصعب أن تصف ما يمثله علاء أو غيره ممن يجاورونه الزنازين في بعض الكلمات -- محمد وبعض المواقف. قامت الثورة على سواعد هؤلاء وماهم بمغيرين لمبادئهم خلف صقيع أو ظلام زنزانة. الغباء هو تكرير الفعل أكثر من مرة منتظراً نتائجاً مختلفة، فلتتعظ الأنظمة.

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه، محمد عبد الحميد، ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN