التجربة الصومالية: هل تصبح مصر سبباً لعدم الاستقرار في المنطقة؟

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة
تقرير مايكل نبيل
التجربة الصومالية: هل تصبح مصر سبباً لعدم الاستقرار في المنطقة؟
قوات الأمن المصرية تقف خارج أكاديمية الشرطة أثناء جلسة جديدة لمحاكمة الرئيس المعزول محمد مرسيCredit: MAHMUD KHALED/AFP/Getty Images

القاهرة، مصر (CNN) -- بعد استقلال الصومال عام 1960، كان العديد من الصوماليين يحلمون بالديمقراطية. آنذاك، انتشرت العديد من التنظيمات الديمقراطية، ومرت الدولة بتداول سلمي للسلطة أكثر من مرة. إلا أن أحلام الصوماليين بالديمقراطية انتهت مع انقلاب الجيش في 1969، والذي أسس لحكم عسكري دموي أستمر لمدة 21 عام.

الاتحاد السوفياتي والدول الناطقة بالعربية اختاروا أن يدعموا الدكتاتورية الجديدة، واختار العالم أن يتعامى على جرائم تلك الدكتاتورية. في عام 1991، من خلال ثورة مسلحة تمكن الصوماليون من خلع الدكتاتور العسكري محمد سياد بري. ولكن، كما يحدث في معظم الأنظمة الجديدة، اختلف الصوماليون على شكل الدولة  -- مايكل نبيل الجديدة، ومن هنا بدأت حرب أهلية طاحنة لاتزال دائرة حتى اليوم، وإن كانت قد خفت حدتها.

الصومال اليوم يتصدر قائمة الدول الفاشلة، قتل فيها نصف مليون شخص في الحرب الأهلية، وتشرد منها مليون لاجئ يعيشون في الدول المجاورة، بالإضافة إلى مليون ونصف شخص مشرد داخليا. الحكومة الصومالية لا تسيطر على معظم الأراضي الصومالية، بل أحيانا بعض أجزاء من العاصمة مقديشو تخرج عن سيطرتها. فشل السلطات الصومالية في إدارة البلاد سمح للقراصنة الصوماليين بممارسة جرائمهم في البحر، وللقاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية في إنشاء معسكراتها في البر. الصراع العسكري الدائم والمجاعات واللاجئون والإرهاب، كلها قضايا جعلت الديمقراطية في مؤخرة أولويات السلطات الصومالية والمجتمع الدولي.

الحركات الديمقراطية في الصومال كانت هي الضحية الكبرى لكل ما حدث في الصومال منذ انقلاب 1969. لكن الصوماليين لم يدفعوا وحدهم ثمن عدم الاستقرار في وطنهم، بل معظم دول القرن الأفريقي -- مايكل نبيل وحتى الدول الكبرى.

بعد إسقاط الدكتاتور محمد حسني مبارك في مصر، اختلف المحللون إن كانت مصر ستسير وفقا للتجربة التركية حيث يسيطر الجيش على الأمور العسكرية ويحمي علمانية الدولة بينما يسمح بحكومة منتخبة ديمقراطية، أم التجربة الإيرانية حيث نجح الإسلاميون في السيطرة تماما على الجيش وإخضاعه، أم التجربة الباكستانية حيث تقاسم الجيش والإسلاميون السلطة، ولكن على أرضية ثيوقراطية وليست علمانية كتركيا.

في الحقيقة، أن مصر لا تسير في طريق تركيا أو إيران أو حتى باكستان. حتى يونيو الماضي، كانت المؤشرات تقول إن مصر تسير طبق النموذج الباكستاني في تقاسم للسلطة بين الجيش والإسلاميين على أساس ديني، إلا أن انقلاب 3 يوليو، نقل مصر من النموذج الباكستاني للنموذج الصومالي. ففي مصر، الديموغرافيا والبطالة تجعل الاحتجاجات الشعبية مأزقا لا مفر منه،  تدهور الاقتصاد جعل الكعكة صغيرة جدا بحيث لا تسمح بالقسمة بين العسكر والإسلاميين، وتفكك الدولة المصرية جعل الصراع الداخلي بين أجهزة المخابرات المصرية المختلفة أشبه بالحرب الأهلية.

وكما حدث في الصومال، يتم سحق الحركة الديمقراطية المصرية بين مطرقة الجيش وسندان الإسلاميين -- مايكل نبيل . فالدكتاتورية العسكرية قمعت الديمقراطيين لأكثر من ستين عاما، في الوقت الذي تبنت فيه أفكار الإسلاميين جاعلة الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع، وسمحت خلالها بمزايا نسبية للإسلاميين. وبعد وصول الإسلاميين للسلطة، استمر الإخوان المسلمون في سحق الحركة الديمقراطية المصرية وسجن ونفي أفرادها. وبعد انقلاب يوليو 2013، عاد الجيش ليصادر الحريات الفردية والعامة تحت ادعاءات محاربة الإرهاب. وبعكس الإسلاميين، لا يتمتع الديمقراطيون في مصر بدعم أي دولة أجنبية. فادعاءات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بدعم التحول الديمقراطي في مصر لا تزيد عن كونها "بروباجاندا" سياسية في الوقت الذي تقوم فيه تلك الدول بتمويل وتسليح الدكتاتورية المصرية.

لقد أصبح واضحا أن الأمور في مصر لن تسير للأحسن. القمع الغير المبرر الذي يستخدمه الجيش المصري ضد الإخوان المسلمين، وخصوصا الأطفال منهم، جلب لهم المزيد من التعاطف. الضغط الدولي على مصر دفع الدولة للبحث عن داعم بين دول الخليج وروسيا والصين. الوضع الاقتصادي المتردي قد يقود لمجاعات وفوضى. الأقليات المسيحية والشيعية قد تتعرض أيضا لمذابح وللتهجير. ومن غير المستبعد أن يلجأ الجيش المصري لإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل، كوسيلة لاستخدام الأيديولوجية القومية في القمع الداخلي، ولإيجاد مبرر لتجنيد ملايين الشباب الذين يشاركون في التظاهرات بشكل دوري، ولابتزاز العالم من جديد للحصول على ثمن جديد لتوقيع اتفاقية سلام جديدة مع إسرائيل. الاقتصاد وعدم الاستقرار السياسي، مع ضعف سيطرة الدولة على الحدود، سيدفع بمئات الألوف وربما الملايين من اللاجئين لشواطئ أوروبا. حينها التدخل العسكري الأجنبي في مصر لن يكون مستبعدا.

في بداية القرن الماضي، كانت ألمانيا مصدرا لعدم الاستقرار في أوروبا، وتسببت في حربين عالميتين ومذابح راح ضحيتها أكثر من 100 مليون شخص. لم تستقر أوروبا إلا في عام 1949 بصدور الدستور الألماني موقعا من الدول الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية. هذه القوى ذاتها اختارت ألا تبني في الصومال ديمقراطية مثل ألمانيا، تاركة اياها مصدرا لعدم الاستقرار في القرن الأفريقي. ويبدو أن هذه القوة ستكرر نفس الخطأ تاركة سوريا مصدرا لعدم الاستقرار في منطقة شرق المتوسط.

للأسف، مصر لن تستقر إلا أذا اتفقت نفس القوى مضافا إليها القوى الإقليمية كالسعودية وإسرائيل على خريطة طريق لإحياء الديمقراطية -- مايكل نبيل . هذا وإلا ستدفع تلك الدول ثمنا كثمن عدم استقرار ألمانيا والصومال.

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.