الصحافة في السعودية.. جيل جديد بمستقبل مجهول

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة
تقرير بيان الجهني
الصحافة في السعودية.. جيل جديد بمستقبل مجهول
Credit: FAYEZ NURELDINE/AFP/Getty Images

الرياض، المملكة العربية السعودية (CNN) -- أخبرني أرقام المبيعات لصحيفتك أخبرك كم تبقى لك من عمر في السوق الإعلامية.

هذا هو الأمر حاليا بكل بساطة، وهذا ما يناقشه الكاتب برنار بوليه في كتابه الذي اعتمد فيه على رصد وقراءة لحال الإعلام الفرنسي، ولكنه بشكل عام يمثل الطريق العام الذي تمضي فيه الصحف في العالم. وما يشابه أفكاره طُرح بشكل إنشائي وجدلي في الكثير من المواقف والمناسبات وأوراق الصحف والدراسات وحتى المناقشات الأكاديمية، ومن المتابعة تجد وجهات نظر متباينة ومختلفة ويصعب عليك التأكد من موقفك. وأحد أكثر الأفكار جدلًا تلك التي أثارها بوليه حول احتمالية اختفاء فن التحقيق الصحفي! أعتقد بأنها وجهة نظر مجازفة وتسبب القلق لمعشر الصحفيين، خاصة من يملك ذلك الشغف لأن يحكي الحكاية دائما.

في هامش قراءتي لهذا الكتاب تستمر صور الصحف السعودية بالظهور في ذهني وعلامات الاستفهام لا تنتهي ... أين نحن من هذا كله؟ بوليه يخبرني أن فن التحقيق سينتهي ! وأوشك أن أتدارك جملته وأخبره بأنه لم يكتمل نموه بعد في السعودية فكيف يختفي -- بيان الجهني ! خلال السنوات الثلاث التي درستها في تخصص الصحافة، كنت أفتش عمن يعطيني المفتاح الأول أو يوجهني للخطوة الأولى لهذا الفن، وكيف يمكن أن يكون شكله وأدواته وأساليبه. ومع ضعف المراجع العربية عموما، تبقى أنت وحدك صاحب المعركة والقضية. ضعف المخرجات من جامعاتنا هو المهدد الأساسي لمستقبل الصحافة، فالشغف والرغبة في التعلم موجودة .. ولكن أين المعلمين؟ وقبل هذا كله ما هي الصحافة الآن لدينا ؟ من هي ؟ وكيف سوف يكون مستقبلها؟

للأسف لم أجد أي دراسة منشورة توثق الوضع في الميدان الصحفي السعودي، ولكن الوضع قد يتحدث عن حاله. في السعودية نفتقد للنوعية أكثر من الكم، فمدرسة الصحافة في السعودية قد مالت لفترة طويلة للإنشاء والتحدث بخجل -- بيان الجهني ، وبالنسبة للقارئ فهو واع تماماً لتوجه الصحف التي يقرأها لخدمة جهة حكومية أو خاصة وأصبح يظهر بشكل فاضح في صحفنا. بالطبع لا أحد ينادي بالمثالية، ولكن "السوق" الصحفية في السعودية تفتقر بشكل كبير لنوعية ما يطرح، بحاجة لمدارس صحفية جديدة. إنها بحاجة لجيل يقدم الفكرة والمهارة ولا يتكبر على الخبرة المتروكة له في أروقة المؤسسات التي توشك على الانهيار. يقول بوليه " فقراء الصحف يتجهون نحو المقابر بينما تتخرج من الجامعات الفئة التي لا تقرأ الصحف" وهذه حقيقة.

منذ عام 2008 وحتى هذا الشهر الذي أكتب فيه المقال، ظهرت عدة صحف سعودية منها صحيفتين ورقية وأخرى إلكترونية، لا يعتبر تحدي التوزيع أو الطباعة هو الأولوية مع وجود مستثمرين كبار جدا في الميدان، ولكن التحدي الأعظم هو الاستمرارية، والقدرة على الخروج من عباءة الصحافة التقليدية لساحة الصحافة المتجددة، والتي يفتح في كل يوم باب خلفه العديد من الأسرار والأدوات. ونلاحظ مع ظهور هاتين الصحيفتين الميل بشكل عام للاعتقاد بتوقف المطبوع منها في وقت قريب خلال السنتين المقبلتين، ولكن هذا السؤال قد يغَيب بشكل كبير عن الطرح المهني أو حتى في الندوات الإعلامية. ونجد دائما الأجوبة العامة والأدلة العاطفية ولكن لم نجد وضوحا في التوجه، فمن أين نأتي بالإجابة ؟ ليس لدينا منهج علمي واضح ولا قراءات منشورة حول الصحافة.. فمن يتعامل مع الصحافة كمهنة يوشك أن يفقد ذاته في النمطية، وينسى السؤال الأهم.

كل هذه الحيرة أعلاه لا تجد مخرجاً مريحاً أو حتى قاسياً، فالشغف للممارسة الصحفية في ميدان مضطرب، وغير واضح المعالم، يربك خريجي الصحافة الجدد، خاصة وأن كل ما قمنا به هو داخل جدران الفصل الدراسي باستثناء تدريب واحد واجهتنا فيه المؤسسات الصحفية بقليل من الاهتمام مع جزء من التشكيك. أرجو أن تُنقذ هذه الطاقات الصحفية المهدرة، خاصة وأن الأسئلة أعلاه عن المستقبل تم تجاهلها بشكل كبير -- بيان الجهني، وإن لم يكن هناك حل، ستجد أمامك مؤسسة تملك خبرة بلا مهارة أو مهارة بلا خبرة ويضيع حق المجتمع بأن تكون له وجهات رسمية تساهم معه في جهاده الإعلامي للبحث عن الحقوق والمستقبل الذي يواجهه.

في الصفحات الأخيرة يقول بوليه.

الاستمرار في الوهم هو شكل آخر لعدم الرغبة في تصديق ما نعلم، فكل شيء يؤكد على أن نموذج الصحافة العالمية الكُبرى الذي ظهر منذ قرنين، قد مات.

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.