من يستطيع أن يتنفس في القاهرة؟

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة
تقرير عمرو سلامة
من يستطيع أن يتنفس في القاهرة؟
Credit: MAHMUD KHALED/AFP/Getty Images

القاهرة مصر (CNN) -- في بلد التسعين مليون أقلية، تشعر كل أقلية بالاضطهاد من الأخرى. "الإقصاء" و "التمييز" و "الاستقطاب" مصطلحات أصبحت مبهجة لما أصبح عليه حال المجتمع المصري الآن، تستطيع من أول ثلاث كلمات في أي حوار مع أي شخص أن ترى تحيزه الواضح لوجهة نظره. وأصبحت كل وجهات النظر في أقصى مراحل تطرفها، حتى من تبنى وجهة نظر تلقب بـ “أنا ما ليش دعوة” أصبح ملتزما بها بتطرف.

تحليل الواقع لا يحتاج أحد أكثر ذكاء من طفل في الحضانة، المجتمع على صفيح ساخن حقيقي، الكل يشعر بنوع من أنواع الاضطهاد والخطر والتحفز، حتى السلطة نفسها، تحارب الكثير، وليس أمامها أي خط للعودة، يجب أن تصل لنقطة تثبيت الأكتاف وإلا إنهار المجتمع كله -- عمر سلامة

لكن أين بصيص الأمل؟ وهل هناك مخرج نستطيع أن نرسمه؟ أم فقط ننتظر معجزة وتدخل إلهي أو حظ سعيد يجعل الجميع يعيشون بسعادة على أرض وطن واحد؟

كان يا مكان، كان هناك حلم عند أقلية الأقلية، وهو حلم التعايش، كان هذا الحلم هو أكثر الأحلام محاربة من كل الأطراف منذ اندلاع ثورة يناير، فالسلطة معها السلاح، لماذا ستتعايش مع أصحاب المشاريع الشاذة والغريبة من وجهة نظرها؟ الإسلاميون يستحوذون على صناديق الاقتراع، لأسباب منها الشريف ومنها غير الشريف، فلماذا يتعايشون مع من يريد العيش بطريقة حياة تتناقض مع عقيدتهم؟ الجبهة الثورية تعطي نفسها كل الحق في ادعاء أنها صاحبة الثورة، فلماذا تتعايش مع من باع ثورتهم؟ حتى أنقاض الحزب القديم، لماذا يتعايشون مع الفشلة؟ فالبلد بعد الثورة أصبحت خراب، بالمقارنة مع نعيم ما كان قبلها من وجهة نظرهم.

لذا دخل الجميع لحلبة مصارعة، حلبة فيها رابح واحد والآخرين كلهم خاسرون -- عمر سلامة ، لكن وقتما يخرج الخاسرون منها ما يلبثوا إلا أن يبدأوا بهدم الحلقة لتوقيع الرابح وكسره كما كسروا منه.

إنها الحلقة المفرغة، التي جعلت المستقبل مظلما، وجعلت أي سلطة مهددة، وجعلت المواطن "عايز يخلص"، يحلم باستقرار حتى لو كان استقرار الفساد والظلم والقهر، حتى لو وصل لما كان يشبه مصر قبل ثورة يناير التي ثار عليها.

لن أكون ساذجا إن لخصت المشكلة في مشكلة التواصل، ففي الحقيقة الثورة نفسها لها عدة تعاريف متناقضة، فعندما تدخل أذن ذلك لا تترجم داخل إدراكه كما تدخل أذن الآخر.

الثورة للسلطة القديمة والحالية هي حركة تخريبية، رموزها مطعون في وطنيتهم، الثورة بالنسبة لمن لم يتضرر من النظام السابق هي تضارب مصالح، حركة مريبة لا يفهمها، تهدف لإسقاط أكثر المؤسسات وطنية، وهي مؤسسة الجيش، هم يترجمون مطالبها بإسقاطها وإسقاط الدولة، فكيف سيتبنونها.

الثورة للإسلاميين هدية إلهية لتطبيق مشروع عقائدي، طائفي، تمييزي، خصوصا عندما وجدوا الناس تختارهم بالصناديق وسط أطراف مجهولة غير قادرة على أي تحرك سياسي، يعلمون أنهم لم يبدأوها، لكنهم مؤمنون أنهم كانوا أكثر أطرافها تأثيرا.

الثورة لبعض الثوار عقيدة وليست وسيلة لدولة نتمناها، هي في حد ذاتها دين، هي انتماء فكري، إلى أن تحولت لثقافة موت، فأصبح حق الشهداء أهم من تحقيق ما استشهدوا لأجله، فهم لم يستشهدوا لنأتي بحقهم، هم استشهدوا لنبني دولة العدل، وحقهم سيأتي فقط بعد قيامها، ولا وسيلة حقيقية للعقاب قبل ذلك.

الثورة لرأس المال هي "خراب بيوت" ترجمتها فقط في غياب النظام، ومطالب "الغوغاء" في أموال الأغنياء، مما يعني ضرائب أكثر، واختلال منظومة تعود على الربح عن طريقها، فهو لا يعلم طرق أخرى.

الحقيقة أن الثورة هي فقط من وجهة نظري، وسيلة لدولة الحق والعدل والقانون والحرية والرخاء الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والأهم التعايش -- عمر سلامة . لذا، فأنا أول المستعدين لعدم ذكر اسمها مرة أخرى، فقط إن تحققت هذه الدولة المرجوة، مهما كان من سيؤسس لهذه الدولة، حتى لو كان ألد أعداء الثورة أو شخص لم يدعمها دوما.

قال لي صحفي أمريكي مرة، “إن كنتم محظوظين لن تعيشوا في حرب أهلية بعد الثورة، وإن كنتم أكثر حظا، ستعيشونها” لأن بعد الثورات، الكل يظن أنه قادر على سحق الآخر، التعايش حلم لا يهم أحد، والحقيقة إنك إن لم تستطع الوصول للتعايش ستصل حتما لديكتاتورية أخرى.

أصحاب حلم التعايش هم أكثر الناس اكتئابا في مصر، لا يستطيعون أن يجدوا ذرة هواء من الأمل ليتنفسوها، تماما كمن لا يتنفس بسبب خوفه من السلطة، أو خوفه من أعدائها.

لكن التعايش سيأتي عاجلا أم آجلا، في حياتنا أو بعد مماتنا، فقط نأمل أن نتخذ الطريق إليه، بدلا من أن نصمم أن نسير عكس الاتجاه -- عمر سلامة .

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.