ابنة ادوارد سعيد لـCNN: فلسطين كلمة تبكيني ولو كان والدي حيا لكان سعيدا بالربيع العربي

الشرق الأوسط
نشر
9 دقائق قراءة
تقرير دارين العمري
ابنة ادوارد سعيد لـCNN: فلسطين كلمة تبكيني ولو كان والدي حيا لكان سعيدا بالربيع العربي
Credit: Najla Said

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- "أنا أتيت من هناك، ولي ذكريات. ولدت كما تولد الناس. لي والدة وبيت كثير النوافذ. لي إخوة. أصدقاء. وسجن بنافذة باردة." هذا ما قاله الشاعر الفلسطيني محمود درويش في قصيدته "أنا من هناك" عن "فلسطين."

أما نجلاء سعيد ابنة المفكر الفلسطيني حامل الجنسية الأمريكية إدوارد سعيد، وهو أحد أبرز الشخصيات المؤثرة في النقد الحضاري والأدبي ومؤلف كتاب "الاستشراق"، فقالت إن مسرحيتها اسمها "فلسطين".

وقفت سعيد التي تعرف عن نفسها بأنها امرأة فلسطينية لبنانية أمريكية مسيحية بدأت حياتها في مدينة مانهاتن الأمريكية كبروتستانية بيضاء عمدت في الكنيسة وتعلمت في مدرسة خاصة ترتادها بنات الأرستقراطية الأمريكية، على المسرح ضمن فعاليات "مهرجان فلسطين الثقافي" في دبي.

اتشحت بالسواد، كأنها ترثي بلداً وأباً وعالماً يدير أذنه الصماء إلى ما يحصل هناك من حيث أتى والدها أصلاً. ترفع صوتها عالياً وهي تصف ذلك المكان "المخيف والمروع"، والتي ذهبت إليه رغما عنها في سن الـ18 عاماً. تستعيد نظرتها إلى "الأسلاك الشائكة وإحساسها بشعور التوتر والرعب والغضب الذي ينتاب الأشخاص الآخرين في كل زاوية من المكان."

وقالت سعيد لموقع CNN بالعربية واصفة والدها إن "بعض الأشخاص كانوا يصفونه بأب ما بعد الدراسات الاستعمارية، فيما يصفه آخرون، بأنه مؤلف كتاب الاستشراق، والبعض الآخر بأنه رمز حرية الإرادة الفلسطينية، وبطل حقوق الإنسان، والمساواة والعدالة الاجتماعية،" مضيفة "لو كان والدي حياً الآن، لكان سعيداً بالثورات العربية--نجلاء إدوارد سعيد ."

بكلمات بسيطة بالإنجليزية تخبر عن زيارتها لتلك البقعة من الأرض، إلى غزة تحديداً في فصل الصيف من العام 1992: "توجد خضرة هنا، ولكن ألاحظ شجيرات فقط. يوجد مياه هنا، ولكن ألاحظ صحراء فقط. وفي كل مكان يوجد بلدة عربية صغيرة تبدو أنها محاطة بألواح خرسانية من الأرض غير قابلة للنقل، والتي علمت لاحقاً أنها تسمى مستوطنات."

وتتذكر المرأة على المسرح التي وقفت بكل عنفوان لتخبر قصتها عن "فلسطين" عندما كانت تغني في مرحلة الطفولة أغاني الميلاد التي تعلمتها في المدرسة عن الملك الذي ولد في اسرائيل. تصمت لثوان قليلة ثم تعبر عن الغضب الذي كان ينتاب شقيقها لدى سماعها إذ كان ينهيها قائلا: "عليك أن تقولي أن الملك ولد في فلسطين المحتلة."

تعود من جديد لوصف ما رأته في "فلسطين": "لا أستطيع أن أصدق أن هناك مكاناً في العالم حيث يحاصر الأشخاص مثل الحيوانات.. في قفص.. في حديقة الحيوان الأقذر على وجه الأرض."

تستذكر سعيد طفولتها في الولايات المتحدة الأمريكية قائلة "حتى 11 سبتمبر 2001، كان يعتقد الكثير من الأشخاص أني يهودية. وقد يبدو الأمر غريباً أن يصدر عن امرأة فلسطينية لبنانية أمريكية مسيحية، ولكن بالمعنى العام والنمطي والثقافي للكلمة، كبرت كيهودية في مدينة نيويورك--نجلاء إدوارد سعيد ."

وتكمل سعيد "والدي هو ادوارد سعيد، الأمريكي الفلسطيني الأكثر شهرة،" لافتة إلى أن والدها  لم يشبه غيره من الناس والذين ما أن يحصلوا على جواز السفر الأمريكي، يتهربون من الإعتراف بأنهم من العرق الأكثر بغضاً في العالم، وقد يصف هؤلاء أنفسهم بالشرق أوسطيين، أو يختبئ بعضهم خلف وصف أكثر ودي لنسخة "عربي،" ولكن بالتأكيد لا يعترف هؤلاء أنهم من "فلسطين."

تخبر سعيد الكثير عن والدها، الشق الذي قد لا يعرفه الكثير منا، قائلة: "كان دائما فخوراً بأنه فلسطيني وعربي،" وموضحة أن ذكريات طفولته عن فلسطين ومصر ولبنان، حيث أمضى غالبية وقته، تمحورت حول أماكن مثالية عاش فيها العرب المسلمين والمسيحيين واليهود العرب، في بوتقة انصهار تشبه إلى حد كبير مدينة نيويورك حيث ترعرع.

وتكمل سعيد: "قضيت جزءاً كبيراً من طفولتي أحاول تجنب حقيقة أني عربية."

تعود إلى العالم 1992، عندما ذهبت إلى فلسطين، حيث لم يذهب والدها منذ 40 عاماً. كانت قد بلغت الثامنة عشر من عمرها، وتشعر بالاكتئاب، إذ تم تشخيص والدها مؤخراً بسرطان الدم، فضلاً عن توقفها عن تناول الطعام، بسبب شعورها بالإختلاف عن زملائها في المدرسة، بسبب "هويتها وانتمائها الفلسطيني."

ترفع سعيد رأسها عالياً، وتحرك يديها كما يفعل الحكواتي لتتواصل مع جمهورها قائلة: "والدي ولد في القدس الغربية، في أحد الأحياء التي ما زالت تحافظ على رقيها. وفي ذلك الوقت لم يكن هناك شرق وغرب، ولكن، الآن يوجد، لذا نحن من الجزء الذي يسمى الآن من الناحية الفنية، إسرائيل."

تضيف: "سرنا في الشوارع الضيقة للمدينة القديمة من القدس. زرنا البلدات العربية في الخليل وبيت لحم ونابلس والناصرة. كان يوجد جنود إسرائيليين في كل مكان،" شارحة أنها لم تجد الراحة والألفة إلا في وجوه الأطفال الفلسطينيين في الشوارع "هؤلاء مثلي، صامتون. وليس لديهم أي سيطرة على المحيط الذي يعيشون به. هؤلاء ولدوا في هذا التاريخ. ومثلي أنا، ليس لديهم ذكريات أخرى عن فلسطين غير هذه الصورة."

تبطئ قليلا من كلامها، يظهر شيئاً من الإنكسار في عبارتها التالية: "هؤلاء الأطفال سيكون عليهم التعامل لبقية حياتهم مع عواقب التاريخ، والتي لن يفهمها هؤلاء أبداً، مثلي تماماً."

ولكن شيئاً ما من التفاؤل يعود إلى صوتها وهي تحاول تقليد أسلوب والدها متوجهاً إليها بقوله: "ناج (نجلاء)، كما تعلمين، جيلي أفسد كل شيء، نحن مرتبطون جدا بأحداث 48 و67. وجدنا هناك، وشاركنا، ولن يتغير أي شيئ حالياً، قبل أن نموت جميعنا، أي جيلي وجيل عرفات وشارون. ويجب أن يقوم جيلك أنت بإصلاح الأمر.. حقاً."

تتذكر سعيد كيف اصطحبها والدها لزيارة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في قصر الملك حسين، شارحة: "ونحن ندخل إلى القصر، شعرت على الفور أني أخطو من جديد إلى واقع التقشف في فلسطين. يقبلني عرفات بحرارة على كل خد، وأنا أمسح يدي على وجهي من الاشمئزاز.. لا أعرف لماذا لم أحبه أبداً--نجلاء إدوارد سعيد ."

تفشي سعيد السر الذي تسبب بقطع والدها لعلاقته مع الإعلام الأمريكي، عندما التقط مصوراً فوتوغرافياً صورة له وهو يرمي الحجارة على أرض قاحلة في مقابل نقطة تفتيش اسرائيلية مهجورة، في جنوب لبنان، وهي المنطقة التي زارتها العائلة بعد عودتها من زيارتها لفسطين. وتشرج سعيد: "كان والدي وشقيقي يتنافسان فيما بينهما لرمي الحجارة، إلى أبعد نقطة،" ولم يتعد الأمر ذلك.

ولكن الصورة التي بيعت إلى وكالة الصحافة الفرنسية في ذلك الوقت نشرت، تحت عنوان "إدوراد سعيد يرمي الحجارة تضامنا مع شعب جنوب لبنان."

وتشرح سعيد كيف أن صحيفة "نيويورك بوست" نشرت الصورة مع قصة عن قيام والدها بنشاطات إرهابية، قائلة: "أعود بذاكرتي إلى هذا الحدث باعتباره بداية نهاية روح والدي، بين رد الفعل الأمريكي، وبدء الانتفاضة الثانية في فلسطين، وأحداث 11 سبتمبر، كان والدي قد توقف عن التكلم نهائياً إلى وسائل الإعلام الأمريكية."

استسلم والدها في النهاية، بعد صراع طويل مع المرض المزمن، و12 عاماً من العلاجات التجريبية الكيميائية والإشعاعية. ولكن ، يبدو أن سعيد لم تستسلم بعد، ما زال لديها الكثير لتقوله في مسرحيتها التي تعرض في الولايات المتحدة الأمريكية.

بكلمات قليلة، تقرر النزول عن خشبة المسرح قائلة: "رغم أني لم أعد يوماً إلى فلسطين، إلا أن فلسطين دائماً تعود إلي.. وأنا أفكر أن هذه الكلمات قوية جداً، لأن فلسطين، تلك الكلمة، تجعلني أريد البكاء دائماً."