رأي.. الحكومة المصرية وحماس: هل من جديد؟

الشرق الأوسط
نشر
10 دقائق قراءة
رأي.. الحكومة المصرية وحماس: هل من جديد؟
رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، خلال لقاء بينهما في القاهرة عام 2011.Credit: /AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومدير شركاء التنمية، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

هناك الكثير من الأسباب الموضوعية التي تدفع كلا من الحكومة المصرية والحركات الإسلامية في غزة ليس إلى التواصل فحسب، ولكن لفتح صفحة جديدة في العلاقات بينها، وقد تكون الحرب البرية الثالثة التي تشنها إسرائيل على غزة، هي الدليل على ضرورة فتح هذه الصفحة في العلاقة بين الطرفين، والتي نأمل ألا تتأخر كثيرا.

فمن الجانب المصري أسباب فتح هذه الصفحة الجديدة عديدة. في مقدمتها اعتبارات إنسانية محضة، فلا يمكن للشعب المصري أن يتجاهل المأساة الإنسانية التي يعاني منها قرابة مليون وثمانمائة ألف من البشر، يعيشون فى القطاع في ظل حصار بري وبحري وجوي يمنع عنهم التواصل بشكل طبيعي مع العالم بما فيه الدول العربية المجاورة، ويحرمهم من كثير من ضرورات الحياة، ويضيق عليهم فى الحصول على الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء. وهو أمر انتفض ضده كثيرون خارج الوطن العربي، ولا يمكن للأشقاء العرب بمن فيهم المصريين أن يديروا له ظهر الحائط.

وثاني هذه الإعتبارات هو حقائق الجغرافيا. فغزة هي على الحدود الشمالية الشرقية لمصر، وما يجري فيها وحولها، أيا كان من يحكمها، يؤثر على مصر وعلى أمنها القومي. يشعر الفلسطينيون في غزة بالحاجة للهرب من نيران آلة الحرب الإسرائيلية، التي تعاود قذفهم باستهانة بالغة كل بضع سنين، فلا يجدون أمامهم مكانا آمنا أقرب من مصر، ولوح ساسة إسرائيليون بأن سيناء هي الوطن الثاني للفلسطينيين، وهو ما رفضته كل القيادات الفلسطينية المسؤولة، وربما غامرت فصائل فلسطينية أو مصريون متعاطفون معها بشن عمليات عسكرية على إسرائيل من سيناء، وربما تلقت بعض التنظيمات المسلحة في سيناء عونا من تنظيمات مسلحة وربما من فصائل فلسطينية في غزة، وهناك أخيرا تلك القصص المتداولة، والتي لم يصدر فيها حكم نهائي من القضاء المصري بتورط حماس في تهريب سجناء سياسيين أثناء ثورة يناير ومن علاقات حميمة بحكم الإنتماء إلى تيار فكري واحد بينها وجماعة الإخوان المسلمين، والتي يسعى النظام الحاكم في مصر إلى إجتثاثها من الوجود.

وثالث هذه الإعتبارات هو أنه حتى ولو كان من الصحيح أن الحكومة المصرية تود لو انشقت الأرض وابتلعت حركة حماس، فإن احتمالات اختفاء حركة حماس من المسرح السياسى الفلسطيني ومن حكم غزة هو احتمال بعيد التحقيق، لا عن طريق الإنتخابات التي ترفض الحركة فى واقع الأمر إجراءها، حتى ولو تهيأت لها ظروف مناسبة لعلمها بأن شعبيتها قد تدهورت كثيرا طوال فترة حكمها التي قاربت ثمانية أعوام لأنها لم تحرز خلال هذه الفترة تقدما ملموسا لسكان غزة لا من ناحية أوضاعهم المعيشية ولا من ناحية التقدم على حل قضيتهم الوطنية، التي لا تطرح لها الحركة برنامجا قابلا للتحقيق، برفضها التفاوض مع إسرائيل، وعدم امتلاكها من القدرة العسكرية ما يجبر إسرائيل على قبول شروطها للحل مثل فكرة هدنة المائة عام مع الرفض المبدئي لوجود إسرائيل، وعدم التخلي  نهائيا عن خيار الكفاح المسلح. ولكن الأهم من ذلك أن حماس لن تختفي من المسرح السياسي الفلسطيني، ولا من حكم غزة، لأن إسرائيل في واقع الأمر لا تريد ذلك. إسرائيل تحتاج حماس بمواقفها الرافضة للتفاوض مع إسرائيل أو الإعتراف بها أو الصلح معها، لكي تواصل تصوير صراعها مع الفلسطينيين على أنه حرب ضد الإرهاب، ولكي تواصل تعميق شقة الخلاف بين الفلسطينيين، ولكي تجد حجة لرفضها الدخول في مفاوضات جدية مع السلطة الفلسطينية. إسرائيل مستريحة تماما لوجود طرفين فلسطينيين متناحرين، ولا يملك أي منهما أدوات ضغط فعالة على إسرائيل لا بالكفاح المسلح ولا بالمقاومة الشعبية السلمية.

وهكذا تجد الحكومة المصرية أمامها ولسنوات طويلة قادمة، حركة إسلامية تحكم قطاع غزة بكل مشاكله على حدودها الشمالية الشرقية، ولا تملك أن تتجاهل هذا الوضع.

أما من ناحية حماس، فهي مضطرة أيضا للتعامل مع الحكومة المصرية إن آجلا أو عاجلا، فمخرج سكان غزة عندما تضيق بهم المعابر إلى إسرائيل هو معبر رفح المصري، وهو في ظل الحصار ضرورى للسفر لبعض البلاد العربية وفي الحقيقة لكل دول العالم، ويمكن أن يكون ممرا آمنا لسلع وخدمات ضرورية للقطاع، وفضلا على ذلك فما زال للفلسطينيين عموما رصيد كبير من التعاطف من جانب الشعب المصري، حتى وإن كان قد اهتز لدى بعض المصريين بسبب ما توارد من قصص عن  دور لحماس إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين، وأخيرا فإن الحكومة المصرية، حتى في ظل العلاقات المتوترة مع حماس، لم تتخل عن موقفها المبدئي في مناصرة الشعب الفلسطيني وتبني قضيته، والدفاع عن حقه في إنهاء الاحتلال وإقامة دولته في ظل حدود  1967، كما أن الحكومة المصرية هي الحكومة الوحيدة في الشرق الأوسط، التي يمكن أن يقبلها أطراف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لأنها قادرة على التواصل بينهم، وهو التواصل الذي أثبت نجاحه لصالح كل هذه الأطراف، وبموافقتها في مناسبات كثيرة في الماضي القريب.

ومع ذلك فإن هذه الإعتبارات الموضوعية لم تدفع حماس والحكومة المصرية حتى كتابة هذه السطور، إلى فتح الصفحة الجديدة المرجوة بينهما، فما الذي حال دون ذلك؟، وأدى إلى رفض حماس والجهاد الإسلامي المبادرة المصرية بوقف الصراع المسلح وقبول هدنة مع إسرائيل؟

هناك أسباب معلنة وأسباب أخرى مضمرة، ولكن ليس من الصعب التكهن بها، المتحدثون باسم حماس والجهاد الإسلامي يقولون إنهم لم يسمعوا عن هذه الخطة إلا من الإعلام، وأن الحكومة المصرية لم تتناقش معهم في شروطها. لم يرد أي متحدث رسمي مصري على مثل هذا الإدعاء، وفيما يبدو فإن إتصالا قد تم مع نائب رئيس حركة حماس الدكتور موسى أبو مرزوق، ولكنه لم يكن بقصد التفاوض على شروط الهدنة، ولكن فقط لإبلاغ الحركة بمضمونها، وهو أمرما كان له أن يغيب عن قيادة الدبلوماسية المصرية، التي لعلها تدرك أن أهم شروط نجاح أي وسيط هو أن يعامل أطراف الصراع على قدم المساواة، فلا يتصل ويتفاوض مع فريق، ولا يفعل نفس الأمر مع الطرف الآخر. وهو ما تم مباشرة مع الوفد الأمني الإسرائيلي، ولم يتم بنفس الطريقة مع ممثلي حماس والجهاد الإسلامي. ولكن ليس من المرجح أن يكون ذلك هو السبب الأساسي لرفض المبادرة المصرية من جانب هذين التنظيمين. هناك رصيد هائل من عدم الثقة بين الطرفين. الحكومة المصرية ما تزال ترى في حماس بحسب إعلامها وإدعائها وبعض قضاتها، تنظيما إرهابيا ضالعا فى انتهاكات للسيادة المصرية أثناء ثورة يناير/كانون ثاني، ومتواطئا مع جماعة الإخوان المسلمين الموصوفة بدورها بأنها منظمة إرهابية. ولذلك تفضل الحكومة المصرية أن يكون اتصالها مباشرا مع فريقها هي من الفلسطينيين، خصوم حماس في السلطة الفلسطينية. وفي ظل هذه الاتهامات لا يرى بعض قادة حماس في مصر وسيطا مقبولا ويفضلون عليها تركيا أو قطر. كما قد تكون هناك حسابات أخرى لدى قادة هذين الفصيلين في غزة، منها أن استمرار قصف المدن الإسرائيلية بالصواريخ التي لم تسبب أضرارا كبيرة حتى الآن لإسرائيل، قد يدفع إسرائيل لتقديم تنازلات أهم لهما بالفتح الكامل للمعابر، وإنهاء الحصار تحت اعتقاد هؤلاء القادة بأن الأثر النفسي للصواريخ المنطلقة من غزة يفوق أثرها المادي.

هل يكون للأسباب الموضوعية ثقلها فتدفع الأطراف الفلسطينية المؤثرة في غزة والحكومة المصرية إلى فتح صفحة جديدة فى العلاقات بينهما لصالحها جميعا. لو خلصت النية يمكن أن يحدث ذلك، ولكن التمهيد له ضروري من جانب كل هذه الأطراف. الحكومة المصرية مطالبة بأن تتعامل مع أطراف النزاع الحالي على قدم المساواة كوسيط، بالتفاوض المباشر والإتفاق على الشروط قبل إعلانها للإعلام، كما أن خطابها الرسمي يجب أن يظهر تضامنا مع شعب تحت الاحتلال، ويتخلى عن لغة لا تميزه عن خطاب الخارجية الأمريكية، كما أن كلا من حماس والجهاد الإسلامي مطالبان بأن  ينفضا عنهما كل شكوك بالتورط فيما يهدد الأمن المصري، وأن يدركا أن تغليب المصلحة الوطنية الفلسطينية يسبق وقوفهما في نفس الصف مع من يشاركهما رؤيتهما الإيديولوجية، دون أن يكون له دور فعال في خدمة القضية الفلسطينية.