كيف يمكن للدين أن يعقّد التدخل الأمريكي في العراق؟

الشرق الأوسط
نشر
8 دقائق قراءة
كيف يمكن للدين أن يعقّد التدخل الأمريكي في العراق؟
Credit: getty images

بقلم: فهد ناظر

(كاتب المقال هو فهد ناظر وهو محلل شؤون الإرهاب في JTG Inc وهي شركة مختصة بالتحليل وجمع المعلومات في فيينا وفرجينيا لديها حرفاء من القطاعين الحكومي والخاص ومن ضمن شبكة الحرفاء مؤسسات دفاع في الولايات المتحدة وخارجها. كما سبق لناظر العمل محللا سياسيا في السفارة السعودية في واشنطن. وله كتابات في كل من نينيورك تايمز وآل مونيتور وcnn وفورين بوليسي ويال غلويال أونلاين. وما يرد في مقالته يعبّر حصرا عن رأيه ولا يعكس وجهة نظر CNN.)

يمكن لقرار إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالتدخل العسكري في العراق لمنع عملية "إبادة جماعية" محتملة ضد أقلية دينية هناك، أن يضيف مزيدا من الضغوط المحتملة على علاقات واشنطن بالسنّة الذي يشكلون الغالبية العظمى من المسلمين في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بأسره.

وقررت الولايات المتحدة التدخل بهدف حماية الأقلية الأيزيدية ووقف عمليات الطرد الجماعي للمسيحيين من مدنهم من قبل جماعة منشقة عن تنظيم القاعدة، أي تنظيم "داعش" الذي حوّل اسمه إلى "الدولة الإسلامية." وعبّرت غالبية الدول العربية وذات الأغلبية المسلمة عن قلقها إزاء صعود ووحشية هذا التنظيم في العراق وأعلنته منظمة إرهابية.

غير أنّه من المرجح أن يدعم وضع التدخل الأمريكي في إطار يتضمن مصطلحات وشروطا "إنسانية" ودينية، روايات عديدة على علاقة بالأمر تدعي أن واشنطن تضع سياستها الخارجية بناء على التزام غير مكتوب إزاء بعض الجماعات الدينية والطوائف-لاسيما المسيحيين والشيعة- ومعاد لآخرين هو المسلمون بصفة عامة والسنة بصفة خاصة.

وتحول أكثر تلك الروايات استهلاكا بشكل غريب إلى نظريات مؤامرة تضعف موقف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأبعد وأعمق من ذلك أنها تزيد من صب الزيت على نار الطائفية التي أطلقتها الحرب في سوريا ثم انتشرت عبر العالم الإسلامي. ولعله من المهم الإشارة إلى إنّ تنظيم "داعش" ومجموعات مسلحة أخرى تبنت مثل هذه الروايات لدعم جهود تجنيد المقاتلين وضمنهم إلى صفوفها. وباختصار فإنّها تقلل من شأن المصالح الأمريكية وأمنها القومي.

وجذور فكرة أن الولايات المتحدة تخوض حربا ضد الإسلام تعود للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. ذلك أن أجيالا كاملة من العرب-مسلمين وغيرهم- تشترك سياسيا في اعتبار أمريكا الراعي الرئيس لإسرائيل التي يرونها دولة "صهيونية" وحشية قهرت الفلسطينيين و"سرقت" أراضيهم. لكن الحرب على أفغانستان عام 2001 ثمّ غزو العراق عام 2003، هما اللذان أطرا بكيفية أكثر وضوحا في أذهان الكثيرين رواية أنّ الولايات المتحدة تخوض حربا ضد المسلمين في أي مكان.

ومع طول أمد الحرب في العراق ووصول حكومة يقودها الشيعة إلى السلطة، تم تهجير الأقلية السنية التي لطالما سيطرت على السياسات العراقية، حتى أنّ بعض التيارات السنية وكذلك جماعات مقاتلة، بدأت في الحديث عن تحالف "صليبي صفوي صهيوني" (في إشارة إلى الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل) بصدد التآمر على السنّة. ونجح فرع تنظيم القاعدة في العراق في تجنيد مقاتلين ضد الولايات المتحدة وحكومة نوري المالكي بتصويره على أنه عميل لإيران، الدولة الشيعية الثيوقراطية الملتزمة بقهر السنّة--فهد ناظر .

لكن الحرب الأهلية في سوريا، أين قمع النظام العلوي الأقلي بقيادة بشار الأسد، الغالبية السنية بصفة وحشية وقتل منها أكثر من 100 ألف شخص وهجّر الملايين، هي التي سمحت لتنظيم القاعدة ببناء رواية وجدت صداها لدى المقاتلين من مختلف أنحاء العالم وجعل من سوريا الوجهة المفضلة لديهم. وفي هذه الأرضية الخصبة ترعرع تنظيم داعش.

وخلال دقائق من بيان الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي شرح فيه السببين الرئيسين لقراره التدخل في العراق –الآخر هو حماية الموظفين الأمريكيين ومنشآت بلاده هناك-ضجت مواقع التواصل الاجتماعي والدردشة والنقاش في العالم العربي بتعليقات تراوحت بين خيبة الأمل والفزع وحتى الغضب. فقد تحدث البعض عن "غزو" أمريكي آخر في أفق العراق. أما النبرة الأعلى فكانت تلك التي شككت في ما اعتبرته معايير مزدوجة غير عادلة تستخدمها واشنطن من خلال قرارها التحرك بشأن العراق ورفض وقف المذبحة في سوريا.

وفي أذهان الكثيرين فإنّ التحرك العسكري الأمريكي لحماية الأيزيديين العراقيين والمسيحيين، يكشف "عطف" الولايات المتحدة على المسيحيين، وتساءل بعضهم قائلا "ومعاناة السوريين، أين هي من الاهتمام؟" كما أن توقيت قرار أوباما، شكّل لوحده عاملا مساهما أكثر في تعقيد المهمة، حيث تزامن مع جولة أحدث من العنف بين الحكومة الإسرائيلية وجماعة حماس الإسلامية في غزة.

فقد سيطرت تلك الأحداث على وسائل الإعلام منذ الثامن من يوليو/تموز، مع انتشار صور جثث أطفال فلسطينيين على شاشات التلفزيون الإخبارية على مدار الساعة وتم تبادلها آلاف المرات على صفحات فيسبوك وتويتر وسط شعور مشترك غاضب إزاء "صمت" العالم. ولمزيد شرح موقفه، قال أوباما "لن نسمح بإنشاء شكل من الخلافة عبر سوريا والعراق."

وفي الوقت الذي لم يلق فيه تصريح زعيم "داعش" أبوبكر البغدادي بأنه تمت إعادة إعلان "الخلافة" وأنه يتعين على جميع المسلمين تقديم "البيعة له" آذانا صاغية في العالم الإسلامي، يبدو أن استخدام أوباما غير المقصود لعبارة "الخلافة" تذكّر البعض بالمشورة السيئة التي تلقاها الرئيس السابق جورج بوش باستخدام عبارة "الصليبية" إبان هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 لوصف "حربه على الإرهاب."

وفي الوقت الذي يرى فيه الكثيرون في الغرب استخدام هذه العبارات "مؤسفا ولكنه غير مضرّ" إلا أنّها، في الشرق الأوسط وأجزاء واسعة من العالم الإسلامي، تنعش لأجيال نظريات المؤامرات التي لا أساس لها. وأولئك الذي لهم معرفة بالروايات السائدة في باكستان يفهمون أنه عندما يتعلق الأمر بالمسؤولين الأمريكيين فإنه مجال للهفوات وزلات اللسان.

ومن جهته، أطلق تنظيم "داعش" وأنصار له عدة أوسام على تويتر، في غضون دقائق من بيان أوباما، انتقدت الإدارة الأمريكية وذكّرت "المسلمين" بأنّ الغارات ليست سوى الحلقة الأحدث في مسلسل طويل من جرائم الولايات المتحدة ضد المسلمين. ولتجنب مثل هذه النظريات والروايات الهدامة، يتعين على الولايات المتحدة أن تكون حذرة في تأطير ووصف عملية تدخلها المستمرة. ولتجنب تنفير أكثر من مليار مسلم سني-وجعل بعضهم فريسة سهلة لتنظيم داعش وغيره من الجماعات المسلحة-يتوجب على واشنطن تجنب استخدام عبارات دينية وعدم التشديد على ديانة كل من الضحية والمعتدي--فهد ناظر .