رأي: فانتازيا "القوى المعتدلة" بالشرق الأوسط.. داعش والعراق وسوريا نموذجا

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة
رأي: فانتازيا "القوى المعتدلة" بالشرق الأوسط.. داعش والعراق وسوريا نموذجا
سيدتان من عناصر حزب العمال الكردستانيCredit: afp/getty images

مقال كتبه الإعلامي ومقدم البرامج على شبكة CNN، فريد زكريا، ونشر بصحيفة واشنطن بوست. المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه ولا يعكس بالضرورة رأي CNN.

(CNN) -- في مقابلة لها مع جيفري غولدبرغ من مجلة أتلانتا، عبرت (وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة) هيلاري كلينتون بشكل ضمني عما أصبح سياسة تقليدية جديدة لواشنطن، وهي أن دعم "المعتدلين"، ربما كان قد جنب واشنطن مواجهة صعود الدولة الإسلامية. أما في الواقع، فالولايات المتحدة قد قدمت مساعدات ضخمة ومستمرة إلى المعتدلين في المنطقة.

علينا التذكر أن الدولة الإسلامية، والمعروفة سابقا باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، بدأت في العراق وانبثقت من الديناميكية الداخلية لهذا البلد.

فعلى مدى العقد الماضي، ساعدت الولايات المتحدة بتنظيم فريق "المعتدلين" في العراق، أي الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة، بمنحهم عشرات المليارات من الدولارات على شكل تقديم مساعدات وتدريب وتزويد الجيش بالمعدات. ولكن، اتضح، بأن "المعتدلين" لم يكونوا معتدلين بشكل كبير. وأدى اتضاح تسلطهم وطائفيتهم إلى نمو حركات المعارضة السنية وجماعات المعارضة الجهادية مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام، والتي اكتسبت دعما ضمنيا وفعليا. وقد تكرر هذا النمط في جميع أنحاء المنطقة.

وعلى مدى عقود، كانت السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط تعتمد على دعم "المعتدلين". ولكن المشكلة هي أن هناك بالفعل عددا قليلا جدا منهم، لأن العالم العربي يمر بصراع طائفي مرير، يقول الرئيس التركي، عبدالله غول إنه: "يعود بالأمة الإسلامية إلى العصور المظلمة." وفي هذه الظروف، إما أن يتطرف المعتدلون، أو أنهم سيخسرون في الصراع الوحشي على السلطة في يومنا هذا. وهذا ما يجري بالنظر إلى الوضع في العراق وسوريا ومصر وليبيا والأراضي الفلسطينية.

وقد حوصر الشرق الأوسط لعقود بين الديكتاتوريات القمعية وجماعات المعارضة غير الليبرالية، أي بين نهج كنهج حسني مبارك وبين نهج تنظيم القاعدة، مواجها مساحة صغيرة ما بين الاثنين. أما بالنسبة للديكتاتوريات فقد حاولت إلغاء كل حركات المعارضة، وتلك التي استطاعت البقاء، باتت متطرفة دينيا وتنتهج العنف وسيلة للانتقام. كان هناك فرصة للمعتدلين بعد الربيع العربي في عامي 2011 و2012، ولكنها انتهت بسرعة.

ففي مصر، كان للإخوان المسلمين فرصة للحكم بشكل جامع، لكنهم رفضوا ذلك. ودون انتظار صناديق الاقتراع، صحت الدكتاتورية القديمة في مصر، سجنت جميع الإخوان وحجبت قوى المعارضة الأخرى. وفي البحرين أيضا، الطبقة الحاكمة اقتادت بمثال النظام المصري، في حين يمول النظام الملكي السعودي حركات القمع في جميع أنحاء المنطقة. كل هذه العوامل أدت إلى بزوغ حركات معارضة سرية ومتطرقة. وبحسب ما قال سعيد يوسف المحافظة، مدير التوثيق في مركز البحرين لحقوق الإنسان، لموقع المونيتر الإخباري والتحليلي، "فإن ثقافة الإفلات من العقاب [من قبل الحكومة]، خلقت ثقافة جديدة للانتقام."

في الأراضي الفلسطينية، محمود عباس، الذي يرأس السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، هو في الواقع من "المعتدلين". لكننا نلاحظ أن الحكومة الإسرائيلية والدول الغربية قد اذعنوا بسعادة لتأجيل انتخابات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية لعام بعد عام، لأنهم يعرفون جيدا من سيفوز. "المعتدلون" لا ينجحون في أجواء من اليأس والحرب.

وتبدو العيوب الكبرى لهذه الفكرة عند النظر إلى الوضع في سوريا. والاعتقاد بأن بوسع المعتدلين النجاح، بالطبع يمكن القول بأن كان من الممكن للمعتدلين أن ينظموا صفوفهم بشكل جيد وأن يدفعوا بقضيتهم قدما للفوز بصناديق الاقتراع. ولكن الواقع أن نظام بشار الأسد صوب بنادقه في وجه المعارضة منذ بداية الأزمة. وفي هذا الظرف، فإن المجموعات التي ستحصل على السلطة ستكون تلك التي حاربت بشراسة منذ البداية.

انظروا إلى الرئيس الجديد للمعارضة السورية المدعومة من الغرب، هادي البحرة، والذي يحث على تقديم المزيد من الدعم للمعتدلين مثله. هو رجل أعمال ناجح يتمتع بالنزاهة والصدق، لكنه غادر سوريا في عام 1983، فكيف يعقل لمن هم مثله الوصول إلى الحكم في حين أن هناك من هم موجودون على الأرض يقاتلون ويموتون؟

ومن هم هؤلاء الأشخاص؟ فمنذ أن بدأ الصراع السوري، ذكرت وكالة أسوشيتد برس أن معارضي نظام الأسد هم "الفقراء والبسطاء وقاطنو الأرياف." وقد وصفت الوكالة الناس في حلب قائلة، "إنهم يضعون المعركة في سياق ديني ويتحدثون عن الاستشهاد كشيء يتمنونه". الباحث في جامعة أوكلاهوما، جوشوا لانديس، أشار إلى أنه لم يتمكن من العثور على جماعة واحدة من بين الجماعات الثورية المسلحة الأربع الكبرى بسوريا تؤيد نهج الديمقراطية.

في مقال ممتاز لجريدة ذا بوست، يستشهد الأستاذ في جامعة جورج واشنطن، مارك لينش، بالدراسات التاريخية الدقيقة التي تثبت أن في حرب أهلية عنيفة وفوضوية كالحرب في سوريا، ومع وجود العديد من اللاعبين الخارجيين الذين يمولون الجماعات المفضلة لديهم، فإن تدخل الولايات المتحدة لم يكن إلا ليوسع ويفاقم الصراع. ويضيف قائلا:"لو اُعتمدت خطة تسليح الثوار في سوريا في عام 2012، لكان السيناريو الأكثر ترجيحا، هو أن الحرب ستكون لا تزال مستمرة، وتبدو كما هي عليه اليوم، إلا أن الولايات المتحدة سوف تكون أكثر ارتباطا ومشاركة (في النزاع.)"

الافتراض بأن المعتدلين في سوريا يمكنهم تحقيق الانتصار ليست مجرد وجهة نظر يصعب تأكيدها في النقاشات السياسية الدولية، بل هي فنتازيا متخيلة وساذجة سيكون لها عواقب خطيرة.