رأي.. رسالة تونس.. "بركاتك يا حزب"

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة
تقرير آمال قرامي
رأي.. رسالة تونس.. "بركاتك يا حزب"
رجل تونسي يسجل اسمه للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلةCredit: FETHI BELAID/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم آمال قرامي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

        انطلقت الحملة الانتخابية بنسق سريع : تسريبات لأسماء المرشّحين رافقتها اتهامات وثلب، وتجريح، وإعادة نشر للفيديوهات القديمة، والصور، والتصريحات عملا بمبدأ ذكّر إنّ الذكرى تشوّه السياسيين وتردعهم. ولئن كانت هذه الممارسات متوقّعة باعتبار أنّها باتت من التقاليد المعمول بها في الحملات الدعائية فإنّ المستغرب هو مجازفة بعض الأحزاب بإعادة ترشيح عدد من النواب في المجلس التأسيسي، والحال أنّها تعلم علم اليقين أنّ التونسيين ملّوا بروز عدد من السياسيين، وما عادوا يستطيبون الإصغاء إلى خطاباتهم فضلا عن ارتباط عدد من النواب بقضايا فساد وإرهاب وغيرها.

***

 تطرح هذه المسائل عدّة تساؤلات بشأن الواقع السياسي الذي تعيشه تونس:

-لم رفضت الأحزاب مراجعة 'سياستها' بطريقة جذرية حتى تتلاءم مع الممارسات الديمقراطية  الفعليّة، وآثرت، في مقابل ذلك، تقديم مصالحها وتطبيق البراغماتية الفجّة؟ يكفي أن نراجع أسماء المرشّحين عن حزب النهضة لندرك أهميّة بنى القرابة، ومعيار المكافأة عن سنوات السجن، ومدى تمسّك الحزب بتنفيذ سياسة "الانفتاح" التي يروم الترويج لها... ولذلك أقصيت العناصر التي 'فضحت' و'عرّت' المستور، واحتُفظ بالعناصر التي تميّزت بمهارة الأداء على الركح ، ومجاراة الواقع البراغماتي للحزب، وفهمت أصول اللعبة السياسية، وأحكمت اللعب على الحبلين.

-لم تصرّ الأحزاب على الاستمرار في تهميش الخبرات الجديدة؟ فأين هم الشباب الذين كانوا المكوّن الرئيس للثورة؟ لم ظلّ التمييز على أساس السنّ مهيمنا، والإقصاء  شريعة؟ -- آمال قرامي لم احتكرت بعض الشخصيات الفعل السياسي؟ ولم فُرض على التونسيين أن يختاروا بين الكهول والشيوخ؟

-هل يخدم خيار إعادة ترشيح نفس الوجوه مبدأ التداول على المناصب، أم إنّه يخدم سياسة سدّ المنافذ أمام فاعلين جدد كان بإمكانهم أن يدلوا بدلوهم، وأن يتدرّبوا على النشاط السياسي؟

-إلى أي مدى سيخدم هذا التوجّه التعدديّة: السياسية أو الدينية أو الفكرية أو الثقافية التي نروم تكريسها؟ فبالنظر الى أسماء المرشحين الذي زكّتهم الأحزاب نتبيّن غياب مكونات تمثّل 'الأقليات' فكم هو عدد اليهود أو المسيحيين أو البهائيين ...؟ ومع ذلك لا ينفكّ السياسيون عن القول إنّنا مع مقولة 'تونس لجميع التونسيين'.

-لم سيطر العامل المادي على اختيار المرشّحين حتى باتت الانتخابات سوقا تباع فيها المناصب لمن يدفع أكثر؟ لم استمرّت العائلات العريقة ذات الجاه (في حزب نداء تونس مثلا) في ممارسة ضغطها وكأنّه لا سبيل للاشتغال بالسياسية دون قوّة المال ؟

-لم أضحى التمركز على الذات، والنرجسيّة، وبريق الأضواء، والميل الجهوي، وخدمة المصالح الشخصية ... وغيرها من الأدواء مهيمنة على الفاعلين السياسيين، فعسر الشفاء؟

-كيف ستتفاعل هذه الوجوه مع الانتقادات الموجّهة لها، والحال أنّ ذاكرة التونسيين تحتفظ بأخبار، وتفاصيل وجزئيات دقيقة تشمل أداء هذا النائب/ة أو علاقاته أو تورّطه في العنف، أو خيانته لمبادئ كان قد وعد بالالتزام بها ناهيك عن تجييشه للرأي العام في الساحات العامّة أو المساجد؟

***

        من حقّ جميع النوّاب أن يترشّحوا مرّة أخرى ولكن شريطة أن يقدموا على مصارحة التونسيين، وتقديم كشف حسابهم -- آمال قرامي على صفحات الفايسبوك. فمثلما درجوا على إخبارنا بتحرّكاتهم، ومواقفهم انتظرنا منهم أن يبادروا بتقييم أدائهم، وانتقاد أنفسهم، وأن يعترفوا بالأخطاء التي ارتكبوها في حقّ الشعب وأن يعتذروا. ولكن يبدو أنّه يعزّ على النوّاب تغيير الصور التي يحملونها عن ذواتهم ولذلك أصغينا إلى فرح بعض النواب والنائبات بإعادة ترشيحهم، ورضى المسؤولين عن أدائهم، ولسان حالهم يقول :'براكتك يا حزب '، وفي المقابل استمعنا إلى 'بكائيات' مرشّحين لم يسعفهم الحظّ، فسقطوا في الاختبار ولكنهم ما قبلوا النتيجة فانبروا يتظلّمون.

        يُبين هذا التصرّف عن تمسّك مرضي بالمناصب،  وتعلّق بالامتيازات التي تدرها  ورغبة في الاستمتاع بحلاوة الشهرة، وبريق المركز وكلّ هذا مفهوم ، ولكنّه لا يؤسس لديمقراطية تشاركية فعليّة. كما أنّ ترشيح الحزب لا يمنح الشرعيّة لأنّ المصالح الوطنيّة هي الأساس.

        ويبدو أنّ التمسّك بامتيازات السلطة، والكرسي صار تقليدا مقدّسا في جميع المؤسسات. فكلّ مسؤول يطمح في أن يبقى في موقعه -- آمال قرامي ولسان حاله: أنا أو لا أحد، وهذا حقّي المشروع ، وأنا أفضل من غيري ....

        صحيح إنّ من ذاق النعيم لا يمكن أن يفرّط فيه بسهولة... ولكن ما هكذا تبنى الديمقراطيات وتكرّس القيم ، والممارسات، والمبادئ، وترسى قواعد التداول.