رأي.. قانون التصدي للإرهاب "لايت" (light)

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة
تقرير آمال قرامي
رأي.. قانون التصدي للإرهاب "لايت" (light)
رئيس الجمعية التأسيسية في تونس مصطفى بن جعفر يلقي كلمة في ذكرى اغتيال المعارض التونسي محمد البراهميCredit: FETHI BELAID/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم آمال قرامي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

بالرغم من استيطان الإرهاب في بلادنا، وتوطّد العلاقة بين تجارة التهريب وعمليات "تبييض" الأموال، وتضاعف التهديدات الإرهابية... يتلكأ النواب والنائبات في صياغة مشروع قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال. فهم يبحثون منذ أسابيع عن الحجج والمبررات، يناورون ويراوغون ويتفننون في ستر عوراتهم، ودرء الشبهات وتفنيد الاتهامات وأهمها التقصير وخيانة الأمانة وعدم تحمل المسؤوليات التاريخية ذلك أنهم ما كانوا في  مستوى 'انتظارات' شعب بات هاجسه الرئيس الرغيف والأمن.

          وحين يتزامن مشروع صياغة قانون تجريم الإرهاب مع الحملات الانتخابية يغدو اهتمام أغلب النواب في تونس منصبا على طرق إعداد الحملة وتسويق صورتهم أي خدمة مصلحتهم الخاصة، فيبلغ عدد تغيب النواب أوجه ويصبح سلوكهم متطابقا مع صنف من الطلبة أو رواد المؤتمرات والندوات الذين يدخلون القاعات ليسجلوا حضورهم ثم سرعان ما يغادرون .... فلا اعتبار لمخاوف تستبدّ بالناس، ولا عزاء لأهالي الشهداء،... ويغدو عقاب هؤلاء بالكشف عن أسمائهم ونشرها أبسط عقاب.

          يتنصّل عدد من النواب من فصول تنصّ على الزجر والردع والتشديد في العقوبة، ويجدون حرجا في إدانة مختلف صور الإرهاب -- آمال قرامي ولذا يفعلون كل ما في وسعهم من أجل إسقاط الفصول. نواب يحتفظون بأصواتهم بعد أن التزمت كتلهم بالصيغ التوافقية وآخرون ينسحبون في محاولة للفت الأنظار علّها تنجح حملتهم الانتخابية. أمّا كتلة النهضة فقد اتّضح بما لا يدع مجالا للشكّ أنّها لا ترغب في تمرير المشروع وتسعى إلى إفراغ المشروع من المعاني الجوهرية لمكافحة الإرهاب وبيّن أنّ هذا الموقف وليد التداخل بين السياسي والديني وهيمنة الأيديولوجيا على العمل السياسي الصرف. إنّ الفاعلين السياسيين يتعاملون مع السياسية من منطلق عقدي يجعل الداعية سياسيا والسياسي داعية بالضرورة، وحين يتم تسييس الدين وتديين السياسة تجد كتلة حزب النهضة سن مشروع صارم للتصدي للإرهاب أمرا مربكا لمنظومتها الفكرية، ومحرجا.

          وبعيدا عن الاعتبارات السياسية والأيديولوجية قد نلتمس عذرا للنائبات غير المهتمات بمناقشة المشروع فمشاغلهن هذه الأيام متعددة، وخاصة من ارتأت الترشح، وقد نتفهم موقف الرافضات تمرير هذا المشروع ونرجّح أنّ تعاطفهن مع نسوان قمن بمؤازرة رجالهم وأبنائهم مرتبط بمركزية الأمومة في تاريخ الحركات الإسلامية فأنّى لمن آمنت بأن دور المرأة هو خدمة التنظيم في السرّ والعلانية أن تقسو على كلّ من مدّ يد المساعدة وناصر الخلاّن؟.

          وبالإضافة إلى موقف التعاطف يكشف سلوك عدد من النوّاب عن تمثلات "الإرهابي" وفق ثنائية الرجولة والأنوثة من جهة، وثقافة الاستهلاك من جهة أخرى -- آمال قرامي. فالإرهابي المتحصّن بالجبال المُروّج لصورة البطل الضرغام والوحش الكاسر لا همّ له سوى التخطيط والتنفيذ وإصابة المرمى. أمّا السياسيين الذين ألهتهم عنايتهم بمظهرهم وبصورتهم في وسائل الإعلام عن الانكباب على دراسة مشروع الإرهاب فإنّهم مهووسون بحملتهم الدعائية. إنّنا إزاء نموذجين من الرجولة يتصادمان فأنّى لمن لان وصار رخوا، ضعيفا أمام تزايد عدد "الفان" fans واللايكات "like مقبلا على استهلاك العطور واقتناء أحدث البدلات وربطات العنق وانتقاء آخر تسريحات الشعر، أن يكون حازما مع من تصلّب وتوحّش؟

          وعندما  يعسر التعويل على الإرادة السياسية لارتباطها بطبقة الحكّام تصبح المسؤولية الملقاة على عاتق المجتمع المدني كبيرة إذ يجب أن يمارس الضغط وأن يفرض الإرادة العامة ذلك أنّه لا يمكن الاستمرار في التذرّع بغياب الإرادة السياسيّة وكأنّها قدر مسلّط يرتهن إرادة الجماهير.

        إنّ فهمنا للسياسة وأساليب الحكم والتدبير السياسي وآليات تنظيم العلاقة بين السياسي والجماهير يجب أن يتغيّر حتى نحقّق ما نصبو إليه، وننقذ البلاد من أتون الإرهاب.