رأي.. الديمقراطية ليست ترفاً في مصر

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
تقرير ابراهيم عوض
رأي.. الديمقراطية ليست ترفاً في مصر
صورة تشبيهية للرئيس عبد الفتاح السيسي الى جانب أخرى لعارضة أزياء تمثل مصر في ميدان التحرير بالقاهرةCredit: MOHAMED EL-SHAHED/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم ابراهيم عوض، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

المتابع للتطورات السياسية في مصر يدرك بدون عناء أن الديمقراطية صارت قضية مؤجلة فيها، بل إنه قد يشك في أنها مازالت قضية أصلا. يوجد تصوّر بأن الديمقراطية بعثرة للجهود، ومضيعة للوقت، وباب يفتح، يدخل منه أعداء الوطن لكي يفتكوا به ويبددوا مصالح الشعب. هذه النظرة إلى الديمقراطية ليست جديدة على مصر كما أنها مرَت على غيرها من البلدان في مناطق العالم المختلفة، في آسيا، وفي إفريقيا، وفي أمريكا اللاتينية، بل وفي أوروبا نفسها في وقت ليس بعيدا. باستثناءات تؤكد صحة القاعدة، مثلما هي حال كوريا الشمالية وبييلوروسيا، وبدرجة أقل حال الصين وروسيا الاتحادية، أدركت كل هذه المناطق والبلدان أن الديمقراطية هي سبيلها إلى التعايش، وإلى اتخاذ القرارت السليمة بشأن ترتيب الأولويات وصياغة السياسات الواجبة. الديمقراطية ليست هدفا في حد ذاتها وإنما هي المنهج الذي يأخذ بالبلاد إلى تحقيق أهدافها. ليست الديمقراطية عبئا على بلد تريد أن تقفز على طريق التنمية، وإنما هي التي توفِر على هذه البلد الأخطاء، وتكفل لها أكثر الاختيارات سلامة. الوقت الذي يستغرقه اتخاذ القرار ليس تبديدا. عملية اتخاذ القرار هي استثمار للقدرات المتوفرة في أي بلد من البلدان.

***

العلامات على تلاشي الديمقراطية من أجندة العمل السياسي عديدة. على الرغم من استنكار العدد الأكبر من التيارات السياسية الليبرالية، والناصرية، واليسارية، فضلا عن تلك الإسلامية التي مازالت تنتهج العمل السياسي، لقانون التظاهر فإنه لم تبد من الحكومة أي بادرة على إعادة النظر في هذا القانون -- ابراهيم عوض. عشرات المضربين عن الطعام في السجون وخارجها لم يفلحوا بدورهم حتى الساعة على حمل الحكومة على الانفتاح عليهم، هم الذين يمارسون منتهى أشكال التعبير السياسي سلمية. وفي خضم الاحتجاج على قانون التظاهر، خرجت الحكومة بمشروع قانون للجمعيات الأهلية أكثر تقييدا لها من القانون الساري نفسه، قانون يجعل نشأتها وبقاءها رهنا برضاء الحكومة عنها. ولم يكف ذلك، بل ونشرت الحكومة إعلانا يدعو الكيانات النشطة في المجتمع والمسجلة تحت قانون غير قانون الجمعيات الأهلية الساري، تهربا من تعسفه وإغلاقه للمجال المجتمعي، إعلان يدعو هذه الكيانات إلى توفيق أوضاعها وإلا تعرضت للحل. وبينما يواصل مخلصون من المهتمين بالشأن العام والعاملين على تحقيقه التنبيه إلى ضرورة تعديل قانون التظاهر وعدم إصدار مشروع قانون الجمعيات بشكله المنشور، إذا بالصحافة تخرج بنبأين، الأول عن مشروع بقانون لحماية الأمن القومي لا يشمل المعلومات العسكرية وحدها بل والاقتصادية أيضا، والثاني عن الإسراع بتعديل قانون الطوارىء باعتبار "الظروف الاستثنائية التي تمرُ بها البلاد والتي قد تدفع إلى إعلان حالة الطوارىء في أي وقت". بعبارة أخرى، إعلان حالة الطوارىء وارد والتفكير فيه جار. كل ما سبق في غياب برلمان يراقب ويشرِع، بل وفي غياب مجرد الحديث عن دعوة الناخبين إلى انتخابه.

***

كلَما احتج المحتجُون على مشروع قانون الجمعيات الأهلية أو غيره، تسارع الحكومة إلى التصريح بأنه مجرَد مشروع سيطرح "لحوار مجتمعي". ليس مفهوما ما هو المقصود بالحوار المجتمعي. من الطبيعي والضروري أن تطرح الموضوعات الهامة، بل وغير الهامة، على أصحاب الشأن، أي على الشعب، صاحب السيادة، لكي يناقشها عبر مؤسساته المجتمعية، ومنها الجمعيات الأهلية التي يراد تقييدها. ولكن أين يتخذ القرار؟ أي آليات لإتخاذ القرار توجد في "الحوارات المجتمعية"؟ -- ابراهيم عوض المؤسسات المجتمعية، من أحزاب سياسية وجمعيات أهلية ومراكز للبحث ومحللين أفراد، يتفحصون المطروح من قبل الحكومة وينظرون إليه من كافة الزوايا، ولكن إتخاذ القرار لا يكون إلا في البرلمان، والمفهوم من ذلك هو البرلمان المنتخب بالإرادة الحرَة للمواطنين، وليس ذلك الذي أصيبت به البلاد في العقود الماضية.

وترتيب الأولويات لا يصح  له مكان ولا آلية غير البرلمان الممثل لإرادات الشعب المختلفة والمثرية. قبل يومين من الإعلان عن قانون حماية المعلومات وعن تعديل قانون الطوارىء، كشفت الإحصاءات الرسمية عن أن في مصر 17 مليون أميَا، بنسبة 30 في المائة من المواطنين في سن الخامسة عشرة فما فوق. أليس محو الأميَة، بعد زهاء 90 عاما من صدور قانون التعليم الإلزامي أولوية قصوى؟ وألا يعادل محو الأميَة كأولوية الإصلاح الشامل للتعليم -- ابراهيم عوض من جذعه وأفرعه وجذوره، التعليم عندنا الذي أصبح في مذيِلة أنظمة التعليم في العالم. إصلاح التعليم وتوفيره بالنوعية والكمية الضروريتين يحتاج إلى عشرات بل ومئات المليارات، ولكنه سيكون أفضل استثمار للموارد ينعكس بأفضل مما يحققه أي استثمار آخر في معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي. هذه هي الخلاصة التي توصلت إليها كل نظريات التنمية.

والكهرباء. إنقطاع التيار الكهربائي ليس منغصَا يتحمله الناس فيعيشون في الظلام ساعات من اليوم أو الليل حتى تنفرج الأمور. الحياة المتحضرة في القرن العشرين الفائت، ناهيك عن الحادي والعشرين الحالي،  والاقتصاد الحديث، بل والأقل حداثة، لا يعملان إلا بالكهرباء. إنقطاع الكهرباء يعرقل الحياة ويشلُ الاقتصاد، وينعكس انخفاضا في معدلات النمو الاقتصادي، انخفاض لا تنفع معه أي مشروعات كبرى أو صغرى.

وفراغ السلطة إلى الغرب منَا في ليبيا، والتقيُح الغائر في الجرح الفلسطيني، وتقويض العنف الجهادي الذي تمارسه "الدولة الإسلامية" للدول في المشرق العربي، عنف يجد له امتدادا فكريا عندنا يزداد صراحة في كل يوم، من يناقشها ويصدِق على سبل التصدي لها؟

***

بالفعل، ما سبق يشكل معا تحديات هائلة لأي سلطة، وهي تحديات يزداد وقعها كلما كانت تركيبة السلطة بسيطة. تعقُد مؤسسات كل من النظام السياسي والمجتمع الأهلي أو المدني، وتعدد قنوات الاتصال بينها، وحرية استخدام هذه القنوات، تزيد من قدرة النظام السياسي على استيعاب الصدمات والتصدِي للتحديات.

الديمقراطية ليست ترفا، ولا هي عرقلة، بل هي السبيل إلى تأمين التعايش وإلى تحقيق المواطنين لذواتهم، وإلى إنجاز التنمية والتقدم.