محمود عبد الفضيل يكتب في أساليب حل أزمة الجامعات بمصر.. "الجامعة والمستقبل"

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
محمود عبد الفضيل يكتب في أساليب حل أزمة الجامعات بمصر.. "الجامعة والمستقبل"
Credit: AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم محمود عبد الفضيل، أستاذ الإقتصاد بجامعة القاهرة، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

تواجه الجامعات في مصر العديد من التحديات في بداية العام الدراسي الجديد. وقديماً قال أستاذ الجيل أحمد لطفى السيد أن عملية نهضة الأمم تتوقف على وجود جامعة قوية وبرلمان قوي. ومصر اليوم تقف على أعتاب مرحلة تاريخية هامة تحتاج إلى جامعة قوية مستقلة وبرلمان قوى يعبر عن غالبية الشعب الذي له مصلحة في التغير واستكمال ثورة 25 يناير.

و"فضاء الجامعة" في كل بلاد العالم له خصوصية تتعلق ببناء المستقبل، حيث تتفاعل داخل الجامعة كل التيارات الفكرية وتتفتح فيها براعم المستقبل. ولذا لم يكن غريباً أن تنطلق الثورة الثقافية فى الصين من جامعة بكين فى ظل نظام كان يوصف بأنه نظام شمولي. ولذا يجب أن تكون الجامعة معمل لصناعة الرجال والنساء الذين يشكلون خمائر المستقبل حيث يتم الجمع بين التكوين العلمي والالتزام الوطني والوعي بمتغيرات العصر.

 وأزمة الجامعة فى مصر ليست جديدة بل تعود إلى عقود سابقة، وكان أهم المنعطفات حركة التطهير الواسعة عام 1954 التى شملت نخبة هامة من أهم أساتذة الجامعات فى جميع فروع المعرفة، وخسرت الجامعة والطلاب بسببها أساتذة على درجة عالية من التخصص العلمي والوعي السياسي، وتبعهم أخرون بالهجرة إلى الجامعات الأجنبية خوفاً من ذات المصير.

 ثم تعمقت الأزمة خلال فترة حكم مبارك حيث تم تدهور العملية التعلمية فى الجامعات المصرية وتم التضييق على المبادرات الديموقراطية فى الحياة الجامعية من خلال إلغاء نظام انتخاب القيادات الجامعية واستبداله بنظام التعيين وفقاً لاعتبارات الولاء السياسي، وتم وضع لائحة طلابية تُحجم النشاط الطلابى المستقل وتتيح لأجهزة الأمن التدخل لشطب الطلاب ومنعهم من الترشح لاتحادات الطلبة. ومن ناحية أخرى، تم إفساد أعضاء هيئات التدريس عن طريق اللهث وراء المناصب وتراخى معايير جودة البحث العلمي.

والآن دعونا ننسى الماضي وجراحه وننظر إلى الأزمة الراهنة فى الجامعة حيث ترتفع درجة الإحتقان السياسى وتوجد محاولات لإرباك العام الدراسى الحالى كما حدث فى العام الماضى وذلك من خلال الشحن والتحريض اليومي للطلاب. ولا شك أن هناك عناصر تريد تعويق مسيرة العام الدراسى الجديد عن طريق العنف، الذي يصل أحياناً إلى حد التخريب كما حدث فى جامعة الأزهر وكما حدث فى الإعتداء على مكتب عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة في العام الدراسي الماضي. ورغم أنه من حق الطلاب التعبير عن آرائهم السياسية داخل الحرم الجامعى بالتظاهر لمدد محدودة ورفع اللافتات والشعارات كما يحدث في كل جامعات العالم. أما استخدام الطبول وإطلاق الشماريخ داخل الحرم الجامعي، فهذه أساليب لا علاقة لها بالنضال السياسي. وقارن ذلك بأساليب الإحتجاج الطلابى الراقية عامى 1972 – 1973 عندما كان الطلاب يرفعون شعارات تحرير الأرض و " إعطاء الديموقراطية للشعب"، حيث كانت مجلات الحائط أحد الأشكال الرئيسية فى الإحتجاج وكذلك المسيرات السلمية والإعتصام السلمى .

ورغم الأساليب الاستفزازية التي يلجأ إليها بعض فئات الطلاب في هذا السن المليء بالحماس والفوران، فإن رد فعل السلطات يجب أن يتسم بالحكمة وعدم صب الزيت على النار. إذ أن إستدراج السلطات للتعامل الأمنى الخشن مع الطلاب يزيد الأمر صعوبة وتعقيداً. إذ أن أي إجراءات أمنية تُشعر الطلاب بالمهانة والقهر لا تولد سوى المزيد من التحدي ومبادلة العنف بالعنف. وخير شاهد على ذلك ما حدث مؤخراً فى كلية الهندسة جامعة الأسكندرية حيث حصل العديد من التجاوزات من جانب قوات الأمن وتم إطلاق مفرط لقنابل الغاز داخل الحرم الجامعي. ويجب أن نتذكر أنه قبل كل شيء ورغم كل شيء أن هؤلاء الشباب هم زهرة شباب مصر وذخيرة المستقبل.

وقد رافق كل هذا رد فعل من السلطات العليا يتجاوز الطبيعة المؤقتة للأزمة الحالية، وتمثل ذلك في مجموعة الإجراءات أهمها ما يلي:

  • إلغاء انتخاب العمداء واستبداله بنظام التعيين الذي عانينا طويلاً من مساوئه، مما يضر بالعملية الديموقراطية داخل الجامعة.
  • مشروع تعديل بعض مواد قانون تنظيم الجامعات بما يسمح بإعطاء رئيس الجامعة "المعين" حق عزل وفصل أعضاء هيئات التدريس دون اللجوء إلى الإجراءات التأديبية المنصوص عليها في القانون، وهذا إهدار خطير لحصانة أستاذ الجامعة. ولحسن الحظ أن قسم التشريع بمجلس الدولة قد اعترض على هذا التعديل.
  • إلغاء نظام الأسر فى الجامعات وهى التى تمثل وحدات هامة للنشاط الإجتماعى والثقافى فى الجامعة بعيداً عن المدرجات وقاعات الدرس. وقد لعبت هذه الأسر دوراً هاماً في الحياة الجامعية. وأن أي خوف من الاهتمام بالسياسة هو بمثابة وضع الرؤوس في الرمال، إذ أن الجامعة وطلابها كانت تتأثر دوماً، وعلى مر العصور، بما يجري في المجتمع من تطورات وأزمات. ولذا فإن الحل الصحي هو مزيد من النقاش والحوار بدلاً من عمليات الخندقة والبلطجة السياسية.

ولا شك أن ما يجري في الجامعة اليوم هو انعكاس لأزمة أكبر في المجتمع المصري، إذ أن ضعف وضمور الحياة السياسية، خارج الجامعة طوال فترة حكم مبارك هي التي صنعت هذا الخلل الواضح بين التيارات السياسية وخلقت حالة من "الثنائية الفاسدة": ثنائية الحزب الوطني الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين، مما أهدر وصادر معنى التعددية السياسية التي تعتبر صمام الأمان للمسيرة الديموقراطية.

إذن لن ينصلح حال الجامعات إلا إذا انصلح حال الأوضاع السياسية في المجتمع من خلال تعددية سياسية حقيقية وإصلاح مؤسسى شامل يقضى على الفساد والاستبداد.

ولعل الرؤية الجدلية لمستقبل الجامعة تجعلنا نقول إن الجامعة تزود المجتمع بكوادر الدولة وكوادر الثورة في آن واحد!