رأي.. حقل الألغام في مواجهة إرهابيي سيناء

الشرق الأوسط
نشر
9 دقائق قراءة
تقرير مصطفى كامل السيد
رأي.. حقل الألغام في مواجهة إرهابيي سيناء
دخان بعد تفجير منزل في أثناء عملية عسكرية من قبل قوات الأمن المصرية في مدينة رفح المصريةCredit: MOHAMMED ABED/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم مصطفى كامل السيد، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

لاشك أن المخططين لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في سيناء يدركون أنهم يسيرون علي حقل ألغام, فهم يدركون حاجتهم الماسة بحق للدعم المعنوي من جانب الرأي العام ويحتاطون ألا تؤدي بعض إجراءات المواجهة التي يتخذونها إلى تحقيق بعض ما تسعى إليه الجماعات المسلحة من خلق هوة بين الشعب وقواته المسلحة وذلك دون قصد من هؤلاء المخططين.

ولهذا الدعم المعنوي من جانب المواطنين صور عديدة لا تقتصر على زيارة الجنود الجرحى والتعبير عن التعاطف معهم، ومواساة أسر الشهداء، واتخاذ المواقف العلنية من جانب الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني استنكارا للتهجم الغادر على من يدافعون عن الوطن ويصونون أمنه، ولكنه يمكن أن يتخذ صورة لاشك في أهميتها وهى المساهمة في النقاش حول سبل المواجهة، ليس بالضرورة بالدخول في تفاصيل العمليات العسكرية، ولكن بطرح الأسئلة التي قد يغيب عن المخططين للمواجهة الإلتفات إليها وذلك تحت ضغوط الإنفعال بالغضب لمن وقع من الشهداء ومن أصيب من القوات، وكذلك تأثرا بخبرات سابقة أو بمعتقدات شائعة يروجها من يدعون أنهم خبراء في مثل هذه المسائل.

***

والواقع أن طرح أسئلة جديدة أمر ضروري في مثل هذا الظرف الجديد الذي تواجهه مصر. فمثل هذه الجماعات غير مألوفة في تاريخ العنف السياسي الذي يستهدف الدولة. عرفت مصر استخدام السلاح في الصراع السياسي فيها في عصرها الحديث، ولكن الذين رفعوا السلاح كانوا إما أفراداً أو جماعات معروفة، وكان ضحاياهم من رجال الدولة ومن المواطنين وخصوصا مثقفين ومسيحيين، ومن رجال الشرطة. وكان مستوى التسليح محدودا يقتصر في الغالب على أسلحة خفيفة، وذلك على عكس ما شهدته سيناء وواحة الفرافرة من استهداف جنود وضباط القوات المسلحة ومن جانب جماعات لا يعرف عنها الكثير سوى الأسماء التي تطلقها على نفسها في البيانات التي تصدرها إشادة بما قامت به. كما أنها عالية التنظيم والتدريب، ويتوافر لها سلاح ثقيل ووسائل نقل متقدمة، وهي تختار لبعض عملياتها أن تقع في منطقة لا تستطيع القوات المسلحة قانونا أن تستخدم فيها كل إمكانياتها، فكثير من عملياتها يقع في المنطقة (ج) من سيناء، وهي التي حددت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التواجد العسكري المصري فيها بـ 750 من جنود الشرطة المدنية مزودين بأسلحة خفيفة، وتشير التقارير أن التواجد العسكري المصري في هذه المنطقة قد تجاوز ذلك، ولكنه لايقارن لا من حيث العدد ولا مستوى التسليح والإستعداد بما يتوافر في المنطقتين الأخريتين في سيناء في وسطها وغربها باتجاه قناة السويس.

***

وأول الأسئلة التي يطرحها الرأي العام هي عن مدى توافر المعلومات عن هذه الجماعات المسلحة. هذا شرط أساسي لرسم استراتيجية المواجهة، ومع ذلك فالمعلومات المتاحة عن هذه الجماعة وعن المسئولين عن أعمال مشابهة شحيحة للغاية. لقد قيل أن الأفراد الذين قاموا بالهجوم علي معسكر القوات المسلحة في كرم القواديس قد اختفوا تماما بعد فعلتهم النكراء، ولم يكن هناك أى أثر لهم تركوه في أعقابهم. ومع ذلك انطلقت التصريحات عن أن وراءهم أجهزة مخابرات ودول أجنبية، وأن ضباطاً من حماس أمدوهم بالسلاح، وأنهم قد هربوا من خلال الأنفاق. ومن الواضح أن مثل هذه الظنون هي التى دعت إلى إتخاذ الإجراءات التى شرعت السطات في تنفيذها من إغلاق معبر رفح، وإخلاء الشريط الحدودى من قرابة ألف أسرة تعيش فيه والسعى لتدمير أى أنفاق قد يتم اكتشافها.

وليس من المستبعد أن تكون هذه الظنون صحيحة، ولكن واجب من يخططون للمواجهة الناجحة ألا يكتفوا بمثل هذه الظنون، وأن يسعوا إلى الحصول على معلومات مؤكدة عمن قاموا بهذا العمل الغادر وغيره من أعمال. وألا يستبعدوا أيضا أفتراضات مغايرة، منها أن الذين قاموا بهذا العمل، كما ثبت من قبل، هم من شباب السيناويين، وأنهم لم يجيئوا من الأنفاق ولم يهربوا من خلالها، وأنه لاعلاقة لهم بأى قوى خارجية. قد يكونون من التكفيريين المصريين، وللفكر التكفيري جذور ضاربة في مصر، وقد كان من رواده في العقود الأخيرة سيد قطب الذى ألهم بكتاباته التكفيريين في مصر وخارجها. ومن الواضح أن قبول احتمال أن تكون هذه الإفتراضات الأخرى صحيحة، وهو أمر لايمكن استبعاده، سوف يوجه استراتيجية المواجهة وجهة أخرى. فإخلاء الشريط الحدودى وتدمير الأنفاق قد لايكونان كافيين إذا كان الإرهابيون فى هذه الحالة جاؤوا من أو هربوا إلى مناطق أخرى، كما صرح بعض من يعلمون بواقع سيناء بل وبالمواقع التى هاجمتها القوات المسلحة من قبل غرب الشريط الحدودى وفى المناطق الجبلية في شبه الجزيرة.

***

وثاني هذه الأسئلة هو حول ضمان مساندة الرأى العام بكافة توجهاته للعمل البطولي الذى تقوم به القوات المسلحة والشرطة. هل من الصحيح أن إخلاء الشريط الحدودى يتم طوعا وأن سكان هذا الشريط متفهمون لدوافعه؟ وهل تتوافر لهم أماكن بديلة لا يجدون فيها فقط السكن الملائم ولكن فرص كسب القوت كذلك، وخصوصا أن المبلغ الذى قيل أن كل أسرة منهم ستتلقاه ( ثلاثمائة جنيه) لا يكفي أسرة واحدة بضعة أيام وعلى ضوء ما جاء في تقارير صحفية عن ارتفاع تكلفة النقل والإعاشة في هذه المنطقة بعد اتخاذ هذه الإجراءات. ولا توحى تجارب سابقة مثل تهجير مواطني النوبة بأن أجهزة الإدارة في الحكومة المصرية تكون "رفيقة" في تعاملها مع المواطنين في مثل هذه الحالات. ومن ناحية أخرى فإن الإسراع بتعديل بعض أحكام قانون القضاء العسكرى لمنحه سلطة محاكمة المدنيين المتهمين بالإرهاب أمام القضاء العسكرى لم يلق ارتياحا في بعض الأوساط، وليس الأوساط الحقوقية وحدها. كانت المعركة الكبري في لجنة إعداد دستور 2014 هي قصر اختصاص القضاء العسكرى على محاكمة العسكريين أو المدنيين الذين  يهاجمون منشئات عسكرية، ولكن شاء البعض في ظروف هذه المواجهة مع جماعات تهاجم القوات المسلحة أن يسرع بهذا التعديل دون أى مناقشة، وهو ليس ضروريا طالما أن النص الدستوري يغطى هذه الحالة. ولن يوقف هذا التعديل تهجم بعض من يخرجون في مظاهرات في الجامعات أو غيرها عما درجوا عليه، باعتبار أن ما يقومون به هو" جهاد في سبيل الله" ، وجزاؤه في الجنة.

***

وأخيراً فهل مما يشجع على النجاح في هذه المواجهة السعي إلى التعاون مع حكومة حماس في غزة إذا لم تكن هناك دلائل ملموسة على تورطها في هذا الهجوم الغادر, وقد أبدت استعدادها بالفعل للتعاون مع الحكومة المصرية؟ كما أنه مما يخفف من عداء محتمل للحكومة المصرية بين مواطني غزة ألا يتم عقابهم بإغلاق معبر رفح، واحد من أهم منافذهم إلى العالم الخارجي، وخصوصا أنه لم يثبت أن المتورطين في الهجوم الغادر يأتون من خلال المعبر، والذى تتوافر لدى السلطات المصرية معلومات كثيرة عمن يمرون من خلاله. كما أنه بدون علاقات صحيحة بين الحكومة المصرية وحركة حماس سيكون من الصعب على مصر أن تقوم بدورها المأمول علي الصعيدين الإقليمي والدولي مساندة للشعب الفلسطيني.

كذلك يحتاج الرأى العام أن يتأكد من أنه إذا كانت الجماعات الإرهابية تجتهد في اكتشاف مواطن الإنكشاف فى الأهداف العسكرية والشرطية التى تهاجمها، فإن القيادات المعنية تتعلم  بدورها من هذه التجارب وتأخذها بعين الإعتبار.

قد يكون التفكير في مثل هذه الأسئلة هو مساهمة في توسيع النقاش حول هذه المواجهة الأخيرة والمستمرة التى يخوضها الشعب والحكومة ضد الجماعات المسلحة وذلك بعيداً عن أفكار محفوظة لم يقم علي صحتها دليل بعد.