الأردن يحارب "داعش" عبر أئمة المساجد.. وجهاديون: انتقاد التحالف يخالف الديمقراطية

الشرق الأوسط
نشر
8 دقائق قراءة
تقرير هديل غبون
الأردن يحارب "داعش" عبر أئمة المساجد.. وجهاديون: انتقاد التحالف يخالف الديمقراطية
Credit: KHALIL MAZRAAWI/AFP/Getty Images

عمان، الأردن (CNN)- تشدد وزارة الأوقاف الأردنية رقابتها على أداء أئمة المساجد والخطباء منذ إعلان انخراط البلاد رسمياً في التحالف الدولي لمواجهة ما يعرف بتنظيم "الدولة الإٍسلامية"، أو "داعش"، لتشكل حالة الرقابة فصلاً يضاف إلى فصول خطة مواجهة الإرهاب، كالتوسع في حملة الاعتقالات للمحرضين أو المروجين للتنظيمات المصنفة "إرهابية" عبر شبكة الإنترنت.

وتركزت أشكال المراقبة على خطب الجمعة، التي زعمت أوساط شعبية وناشطة، "فرضها" بمضامينها على الخطباء، في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الأوقاف عن إيقاف 26 إماماً عن العمل لأسباب مختلفة، من بينها "الدعاء لتنظيم داعش"، أو "جبهة النصرة"، والترويج لهما.

وقال وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، هايل داوود، إن "الوزارة تطبق خطة لتفعيل العمل المسجدي"، قبل ظهور "داعش"، إلا أنها عملت مؤخراً على "توعية الخطباء بمحاربة الفكر المتطرف، وتحسين التوجهات الفكرية للأئمة، نحو معالجة القضايا المجتمعية."

ورفض داوود، في تصريحات لـCNN بالعربية، "الحديث عن تجنيد 5 آلاف" إمام وخطيب جامع لمواجهة داعش خصيصاً، قائلاً إن هذا العدد هو الإجمالي لخطباء المساجد، ممن يعملون في 7 آلاف مسجد في المملكة.

وأوضح أن "المسألة لا علاقة لها بتجنيد 5 آلاف إمام لمحاربة داعش، وليس تحت هذا السياق.. نحن نريد توجيه جهود كل الخطباء والأئمة نحو بيان القيم الإسلامية، ونقد الفكر المتطرف، والتأكيد على أنه مخالف لأحكام  الدين.. العملية بدأت قبل أن تنمو قضية داعش."

هل "داعش" ظاهرة بين خطباء مساجد الأردن؟.. هذا ما نفاه الوزير داوود، قائلاً للموقع إن "داعش ليست ظاهرة بالمطلق، لكن الخشية من تحولها إلى ظاهرة، هو ما دفع إلى إيقاف بعض الخطباء عن العمل"، وفقاً له.

وعن ذلك أردف قائلا: "داعش ليست ظاهرة في مساجدنا فقط، نظراً للخشية من أن تتحول إلى ظاهرة، والرسالة في المساجد والمنابر مؤثرة، لا يوجد داعش لا في المساجد ولا في المجتمع، ولا في مجتمعنا قد يوجد أفراد فقط يحملون هذا الفكر."

وأضاف: "لا مشكلة لدى خطبائنا، وأستطيع أن أؤكد أن 95 في المائة من خطبائنا يحملون فكراً متوازناً ملتزماً بالثوابت، هناك نسبة ضئيلة نتحاور معها، ونرفع من سويتها، ونلجأ للإيقاف المؤقت."

وذكر الوزير أن بعض الحالات التي أوقفت عن العمل، لم تستند إلى ترويجها لفكر داعش، بل لضعف بعضها في الخطابة، ولمخالفات مسلكية ارتكبها البعض الآخر هايل داوود.

ومايز داوود بين الخطاب الديني والسياسي، وبين ما قال إنه "تسييس المنابر"، فيما جدد تأكيده أن الوزارة لا تفرض مضامين خطبة الجمعة، بل إنها ترسل مقترحات أسبوعية للخطباء للاسترشاد بها، لافتاً إلى أن عدم الالتزام بها لا يرتب أي تبعات، كما أن الالتزام بها حتماً "لا تلحقه حوافز" إضافية، أو دفع مبالغ مالية إضافية.

وقال: "الحديث في السياسة ليس ممنوعاً، ما نمنعه هو تسييس المنبر.. وهناك فرق بين خطيب للترويج لفكر حزب سياسي معين، أو فصيل سياسي.. لا يصح أن يحتكر المنبر."

وعلى أرض الواقع، تتفاوت تفسيرات بعض الأئمة والخطباء لأسباب المنع، حيث اعتبر الإمام ذياب أبو صيني، أن هناك تشديد على بعض الخطباء أكثر من غيرهم.

وقال أبو صيني، وهو أحد منتسبي جماعة "الإخوان المسلمين"، إن الوزارة أبلغته في سبتمبر/ أيلول المنصرم بإيقافه عن الخطابة، وتشكيل لجنة تحقيق معه، إلا أن اللجنة للآن لم تنجز مهمتها، ولم تبين أسباب المنع.

وأضاف لـCNN بالعربية: "مُنعت 11 عاماً من الخطابة، وعدت منذ سنوات، وأوقفت في مرة سابقة لحديثي عن الأنظمة الفاسدة.. الوزارة لا تفرض خطبتها على الأئمة، لكن أعتقد أن هناك تشديد عليهم بسبب المرحلة، رغم أننا نرفض الفكر المتطرف جملةً وتفصيلاً."

ومنع أبو صيني، إضافة إلى عدد من الشخصيات الإخوانية المعروفة في الجماعة، كالأمين العام السابق لحزب "جبهة العمل الاسلامي"، حمزة منصور، إلا أنه رأى أن "داعش" ليست ظاهرة في المساجد.

ودلل أبو صيني على تشديد الوزارة رقابتها، من خلال الزيارات الميدانية لوزير الأوقاف، ومن خلال اللقاءات الدورية التي تعقد مع الخطباء، وآخرها لقاء مطلع الشهر الجاري، أشار فيه الوزير إلى أنه للآن لم تلجأ الوزارة إلى محاكمة أي خطيب مسجد أو إمام.

ويبدو أن نقد انخراط المملكة في التحالف الدولي ضد داعش، شكل محطة إدانة لكل من هاجم الانخراط فيه، وهو ما اعتبره وزير الشؤون السياسية والبرلمانية، خالد الكلالدة، في تصريحات صحفية الأربعاء، تحريضاً يحاسب عليه القانون.

لكن القيادي البارز في "التيار السلفي الجهادي"، محمد الشلبي، الملقب بـ"أبو سياف"، رأى أن قرارات المنع الأخيرة، تندرج في باب "التضييق على الخطباء."

وقال لـCNN بالعربية: "تم منع عدد من الخطباء، خاصةً من تناول نقد التحالف الدولي، أو من قام بالدعاء للدولة الإسلامية.. برأيي هذا لا يتوافق حتى مع القانون الوضعي والديمقراطية وحرية الرأي.. ولقد تحدث النواب في وقت سابق بلهجة ضد التحالف الدولي، أشد مما تحدث به الخطباء أبو سياف."

وفيما رفض خطباء "تعاطفوا" مع "داعش" لأسباب قانونية وأمنية، يساور خطباء آخرون القلق من توسيع الوزارة إجراءاتها الرقابية، في الوقت الذي شرعت فيه الوزارة بإصدار تعميمات للأئمة بخطب جمعة مقترحة منذ نحو عام، وهي حتى اللحظة "غير ملزمة"، بحسب الإمام محمد رسول أبو رمان.

وقال أبو رمان، وهو منسق إعلامي للجنة تحضيرية لنقابة الأئمة والعاملين في الأوقاف الاسلامية، إن اللجنة رصدت حالات عديدة بالمنع من الخطابة.

ولا ينفي أبو رمان إبداء عدد من الأئمة تعاطفهم مع "داعش"، لكنه أشار الى أن هناك خطوط حمراء في الأحاديث السياسية توجب المساءلة، كالحديث عن الحكومة بـ"أسلوب هجومي."

ويعتقد أبو رمان أيضاً أن حجم التدخلات الأمنية في خطب الجمعة يتفاوت من محافظة إلى أخرى، حيث تحظى عمّان العاصمة بالاهتمام الأكبر، على حساب القرى النائية، التي لا تحظى بكثافة سكانية كبيرة.

وتابع لـCNN بالعربية: "لدينا في السلط جمهور مؤيد لداعش من حملة هذا الفكر.. وتعرضت لمواقف ونقاشات حادة بسبب نقدي لهذا الفكر، وقال أحدهم لي يوماً: أنت تشهر بنا."

وحذر أبو رمان من تنامي هذه التوجهات، التي يرفضها كإمام مسجد، لضعف برامج الوزارة التثقيفية في محاربة "داعش"، وقال: "هناك شباب وصغار يستهويهم هذا الفكر في السلط، لارتباطه بفكرة الخلافة.. والخطاب الديني الرسمي ضعيف محمد أبو رمان، لأن هناك حاجة ملحة لمراجعة التراث الإسلامي، ومن شخصيات علمية وازنة ومؤثرة، وإصدار فتاوى في الرجم والقتل وقطع الرؤوس."

ويعاني الأئمة، وفقاً لأبو رمان، من أوضاع معيشية متواضعة، وتتراوح رواتبهم الشهرية بين 500 و850 دولار، ولمدة عمل تبدأ من ساعات الفجر، حتى موعد آذان العشاء.

وأعرب أبو رمان عن اعتقاده أن التشديد على الخطباء تفرضه ظروف المرحلة السياسية في كثير من الأحيان، قائلاً إن خطباء المساجد كانوا يتوجهون بالدعاء على بشار الأسد في بدايات الأزمة السورية دون مساءلة، لكنها اليوم لم تعد مقبولة كالسابق، وأضاف أن أحد الخطباء وصف التحالف الدولي بـ"الصليبي"، فأوقف عن العمل فوراً.