آمال قرامي تنتقد المرزوقي في مقالها .. "ما أعسر الخروج من السلطة"

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة
تقرير آمال قرامي
	آمال قرامي تنتقد المرزوقي في مقالها .. "ما أعسر الخروج من السلطة"
Credit: FETHI BELAID/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم آمال قرامي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

في الوقت الذي أشاد فيه العالم بالاستثناء التونسي، والتداول السلمي على السلطة، وتحضّر الشعب باغت المرزوقي المجتمع التونسي والدولي بمواقفه المتضاربة. فبعد أن هنّأ السبسي على نجاحه في الانتخابات تراجع المرزوقي في اليوم الموالي، عن موقفه الداعي إلى تغليب المصلحة الوطنية على كل اعتبار حزبي، والعودة إلى البيوت فالعمل الجاد من أجل البناء. واستغل المرزوقي حماس الجماهير ليجيشهم ويوحي إليهم بأنّ الانتخابات لم تكن شفافة ونزيهة كسابقتها 2011، بل شابها الغشّ، والتزوير متهما خصومه باستعمال المال السياسي لشراء الأصوات، والتأثير في الناخبين...ومعلنا في الوقت نفسه، عن انطلاق حراك أطلق عليه 'شعب المواطنين'.

ويعتبر الإعلان عن هذا الحراك مفاجئا في مثل هذا التوقيت، لاسيما وأنّ المرزوقي كان قد صرّح أنّه في حالة الهزيمة سيتفرّغ للكتابة كما أنّه توجه بخطاب تهدئة بعد اندلاع أعمال العنف في الجنوب. غير أنّ عدول المرزوقي عن تحمّل المسؤولية السياسية كاملة له أكثر من دلالة. فالرجل بنى حملته الانتخابية على مبدأ "ننتصر ...أو ننتصر"، ومعنى ذلك أنّه لم يكن يتقبّل منذ البدء الهزيمة، والفشل، وإنّما نسبهما لخصمه. ولئن كان المرزوقي من أكثر المدافعين عن ديمقراطية الصندوق ومن المندّدين بالانقلابيين فإنّه اليوم لم يستسغ نتائج ما أفرزته الصناديق فانقلب متزعّما حراكا يقطع الطريق أمام 'عودة الاستبداد'. ثمّ إنّ المرزوقي الذي فقد حزبه وعوّل على "شعب النهضة" (70 في المائة صوّتوا له بالرغم من ادعاء الحزب بأنّه يقف على الحياد) اختار أن يستحوذ على هذا الرصيد من الناخبين ونسي أنّه رصيد مؤقت أعارته له حركة النهضة لمتطلبات العملية الانتخابية، الأمر الذي جعل قيادي حزب النهضة ينددون بهذا الاختراق.

والواقع أنّ المرزوقي وقع ضحيّة لعبة الوهم والإيهام. فبعد أن تنكّر له أعزّ أصدقائه، والتفّ حوله عدد من الأصدقاء الجدد الذين صوّروا له أهمية الحراك والزعامة ها هو اليوم يتوهّم أنّه قادر على التماهي مع شخصيّة الزعيم، متناسيا أنّ الذاكرة لازلت تحتفظ بأدق تفاصيل سوء إدارته للمرحلة.

ولأنّ متعة السلطة لا تضاهيها أيّة متعة، وحماس الجماهير له أكثر وقع في النفس ها أنّ المرزوقي يسعى جاهدا إلى أن يوهم الرأي العام بأنّه لم ينهزم ولكنّه خرج من قصر قرطاج زعيماً رافعا شعار النضال ضد الفساد والاستبداد، متسربلا ثوب الثائر الذي سيواصل رعاية أهداف الثورة، والمناضل الحقوقي من جديد. وليس غريبا أن يوظّف المرزوقي سردية حماية الثورة والدفاع عن القيم والاستحقاقات فقد عهد التونسيون رقصه على الحبلين.

ولكن إلى أيّ مدى صدّق المرزوقي أنّ حاشيته تؤمن بالفعل بقدراته، وكفاءته السياسية، وتعدّه قادرا على التجييش والتعبئة خدمة للديمقراطية؟ أليس وراء الدفع به إلى التمسّك بالسلطة حماية لامتيازات حاشية ذاقت نعيم السلطة، وحلاوتها، وبريق الأضواء؟ إلى أيّ مدى صدّق المرزوقي أنّ الجماهير الحاضرة في الساحات ستبقى وفيّة، تسانده في الحراك إيمانا بحلم تحويل الشعب إلى مواطنين أحرار؟

من الواضح أنّ المرزوقي قد أصغى إلى حاشيته التي صوّرت له أنّ الطريق إلى قصر قرطاج ممكن من خلال تكوين 'حراك شعب المواطنين'، فاستهوته الفكرة، ووجدت في نفسه كلّ الهوى فراح يتدرّب على لقاء الجماهير، ينهل من معين الشعبوية فيغيّر مضمون الخطاب مثلما يغيّر الهندام، يرقص، ويجيّش، ويوظّف كلّ حركات الجسد من غمز، ورفع للأيدي، وتحريك للحواجب، .... أقرب طريق للتأثير في نفوس المكدودين، والمحبطين، والمهمّشين أن توهمهم بأنّك منهم، وأن لا فجوة، ولا مسافة فاصلة بين الحاكم والمحكوم. ولكن أنّى لمن أهدر أموالا طائلة في التجوال من بلد إلى آخر ومن مأدبة إلى أخرى أن يقنع الجائعين بأنّه عاش سنوات على الكفاف؟

ليلعب المرزوقي دور البطل، وليتدرّب على أداء دوره بكلّ حرفية ومهنية مستغلا الركح المتاح، ولينفّذ تعليمات المخرجين، ولكن قد تتدخّل النهضة في كلّ وقت لتثبت للبطل أنّه لم يكن إلاّ كومبارس لجأت إليه لدواعي الحكم، ومقتضيات العملية السياسية، أعارته ناخبين فتوهّم أنّه يملك مليون تابع ومحبّ... قد تتدخّل لتقول له: انتهى زمن الزعماء والأبطال.