رأي.. الدولاتيون بمواجهة الإسلاميين في مصر

الشرق الأوسط
نشر
8 دقائق قراءة
تقرير أحمد عبد ربه
رأي.. الدولاتيون بمواجهة الإسلاميين في مصر
متظاهرون يحملون نسخاً من القرآن يرددون هتافات ضد الجيش والشرطة في القاهرةCredit: KHALED DESOUKI/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم أحمد عبد ربه، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

مازالت المعادلة السياسية في مصر صفرية تدور حول نفس معطيات دولة مابعد الاستعمار، القوميون في مواجهة الإسلاميين، أو لنكن أكثر دقة الدولاتيون في مواجهة الإسلاميين، فاعلين سياسيين يدعون الدفاع عن هوية مصر الفريدة حيث تجتمع عدة هويات فرعية إسلامية وقبطية وأفريقية وعربية بل ومتوسطية حول هوية مركزية فرعونية في مواجهة فاعلين سياسيين آخرين يدعون الدفاع عن هوية مصر الإسلامية باعتبارها الهوية المركزية المتآمر عليها من قبل أخرين. قطعا هذه هي واجهة الصراع، هذا أيضا عنوان استدعاء وشحذ همم الأتباع الذين يهبون للدفاع عن هوياتهم المهددة، فتجد هؤلاء الذين يهبون للدفاع عن مصر التي كادت أن تذهب بلاعودة في مواجهة هؤلاء الذين يهبون للدفاع عن إسلامية مصر المفترى عليها من قبل العلمانيين المتآمرين على الدين والكارهين له.

إن كان من دروس وخبرات مستفادة من صراع السنوات الأربع الفائتة فهو أن هذا الصراع مجرد غطاء للتمويه على صراعات خفية حول الثروات والموارد وحول من يقود كهنوت السلطة، ولأنه لايفوز عادة بهذا النوع من الصراعات المادية سوى الأطراف الأكثر تنظيما فقد ظلت السنوات القليلة الماضية سجالا بين الفاعلين المعبرين عن الدولة وأؤلئك المعبرين عن تيارات الإسلام السياسي ولا سيما تيار الإخوان المسلمين. ولأنه لا داع لإعادة سرد الأحداث الدموية التى جرت فى رحايا الصراع بين الطرفين، فإن مراجعة سريعة لهذه الأحداث توضح أن الضحايا في معظمهم كانوا من هؤلاء الأتباع الذين لاناقة لهم ولا جمل سوى أنهم صدقوا حكايات الكهنوت الكاذبة هنا وهناك حول هذه الهويات المهددة على النحو السالف ذكره.

***

هنا معضلة، فالأتباع – الضحايا - صادقون في مشاعرهم واستعدادهم للتضحية بأنفسهم في سبيل الدفاع عن ما يعتقدون إنه حق، وكهنة المعابد من كل الأطراف سعيدة سواء كانوا في خانة المنقذين أو في خانة الضحايا، ففي كلتا الحالتين هم في مقاعد القيادة وفي كتب التاريخ كل بحسب رواية فصيله للأحداث وتفاصيلها التي تشكل وجدان أجيال وراء أجيال. وتظل البلاد تدور فى دوائر مفرغة من الصراع اللامنتهي حيث لانهضة ولا تقدم ولا تنمية ولا حتى هيبة، فهل من سبيل للخروج من هذا النفق؟ أطرح في السطور القليلة القادمة ما أتصوره ملاحظات لتأسيس جديد في الصراع الدائر.

أولا: لا سبيل للتقدم فى مصر إلا بعد أن يعترف اللاعبون السياسيون بأن مصر متعددة. تلك الرواية غير الصحيحة عن أن المصريين على قلب رجل واحد يجب أن تختفي ويجب أن نعترف بهذه التعددية. مصر بها مسلمون ومسيحيون ويهود، وداخل كل فئة من هذه الفئات هناك مذاهب وسنن مختلفة. مصر بها أيضا غير مؤمنين أو ملحدون أو لادينيين، هؤلاء جميعا يشكلون هوية جمعية مصرية. يجب أن يحصلوا جميعا على حقوق المواطنة. وتلك الأخيرة تعني أن غير المسلم يجب أن يُعترف له بكل الحقوق مقابل التزامه بكل الواجبات الدستورية والقانونية. من لا يعترف بحقوق غير المسلمين المدنية والسياسية، يجب أن يتعرض للحرمان من ممارسة السياسة بلا تنكيل أو دم، ولكن بقواعد قانونية ودستورية صريحة في عباراتها وعبر عملية تعليم وتعلم طويلة الأجل لتغير الثقافات والمواريث الكهنوتية التي تقصر حق المواطنة على المسلمين الذكور الأصحاء جسديا.

ثانيا: في مقابل ذلك، يجب أن يعترف كل الفاعلين المعبرين عن الدولة من ناحية أو أولئك من غير المنتمين إلى تيارات الإسلام السياسي من ناحية ثانية بأن مصر لايمكنها أن تتقدم أو تعرف للاستقرار سبيلا فضلا عن الديموقراطية سوى بالاعتراف بحق هؤلاء المنتمين إلى تيارات الإسلام السياسي في الوجود أولا وفي المواطنة ثانيا، فسياسات الاقصاء والتصفية والقبض العشوائي لن تؤتى بأي ثمار سوى مزيد من الإرهاب والعنف والتطرف الفكري والحركي. فالفكر لايواجه إلا بالفكر، والانتخابات والصناديق لا تواجه إلا بالانتخابات والصناديق، فالتطرف في معاداة الإسلامين هو جرم فى حق الوطن لا يقل عن جرم تطرف بعض الإسلامين فى مواجهة غيرهم.

ثالثا: هذا الاعتراف المتبادل هو مجرد خطوة مبدئية نحو إقرار التعددية والمواطنة ولكنها قطعا خطوة ليست كافية، ذلك أن لايوجد هناك في تاريخ البشرية سوى وسيلة واحدة للمحاسبة ألا وهي وسائل وأدوات العدالة الانتقالية التي تجبر ألام الماضي وتحقق بحيادية ونزاهة فى كل حوادثه، والاعتذار عنها مهما كانت هوية أو شخصية المدانين.

رابعا: هنا يجب أن يقر في وعي جميع اللاعبين أن الدولة القومية الحديثة هي إطار كل هذه التفاعلات والاعترافات والتحقيقات، هذه حقيقة تاريخية لا ينبغي عبادتها ولكن لايمكن أيضا تجاهل حقيقة وجودها، فدول الاتحاد الأوروبي لم تتجاوز ترتيبات الدولة القومية سوى بعد مرور ما يقرب من ٣٥٠ عاما من التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية التي أفرزت معطيات مكنتها في النهاية من التوفيق بين الأطر القومية وتلك العابرة للقوميات على أسس مؤسسية واضحة ومحددة، كان ولايزال فيها المواطن الأوروبي هو محور التفاعل. وهذا درس يجب أن يتعلمه الإسلاميون ويتعاملوا معه بواقعية. فبعيدا عن تلك الروايات التاريخية التي تداعب عواطفهم وأحلامهم عن دولة الخلافة وقصصها الوردية، عليهم إعادة قراءة التاريخ من مصادر مختلفة عن تلك التي اعتادوا قراءتها بعد أن قدمت لهم رؤية تاريخية ذات منظور واحد فحسب.

خامسا: يجب على الإسلامين كذلك بذل مجهود ذهني وبحثي وحركي لفض الالتباس على ثلاثة محاور. فعليهم أولا فض الإلتباس بين الشريعة الإسلامية كقيمة إلهية مقدسة عليا يؤمن بها طواعية من يدين بالإسلام وبين مجموعة الدساتير والقوانين البشرية التي اخترعها البشر للتعامل مع معطيات حياتهم المتغيرة دوما عبر التاريخ. إن عدم ضبط العلاقة بين الثابت المقدس والمتغير البشري دوما ما يوقع الإسلاميين في معضلات نظرية وعملية تقيد حركتهم وتمنعهم من التواصل والتفاعل الطبيعي مع غيرهم من التيارات السياسية والفكرية الأخرى. عليهم ثانيا الفصل بين المظلوميات ونقد الواقع، إن اعتماد تيارت الإسلام السياسي على مظلوميات الماضي سيبقى بكائيات تحي شبح التنظيم وتضيف عليه القدسية في مخيلات الأتباع وأتباع الأتباع، لكنه لن يحقق لهم أبدا وجودا سياسيا معترفا به دون قدرتهم على تقديم رؤية واقعية لذلك الأداء السياسي والمؤسسي البائس الذين قدموه في الفترة من ٢٠١١ وحتى ٢٠١٣، كذلك عليهم أخيرا الفصل بين التنظيمات السياسية وتلك الدعوية، فذلك التنظيم الهلامي الذي يدعو للناس للصلاة والزكاة وحملات النظافة وصناديق الانتخابات حتى يصل إلى الحكم فيعيد توزيع الموارد والقيم في المجتمع هو تنظيم محكوم عليه بالفشل.

***

لن تأتي حملات تشويه وشيطنة الإسلامين سوى بنتائج عكسية، ولن تفيد حملات إستهناض همم "المسلمين" التي يقوم بها الإسلاميون لمواجهة هجمات العلمانيين، ولن تجدي شعارت عودة مرسي أو عودة الشرعية سوى في المزيد من تعقيد المشهد السياسي المصري، فهذا التأسيس الجديد لن يتأتي سوى بضغوطات يمارسها كل تيار على قادته وتنظيمه من أجل الخروج من تلك المعادلة التاريخية المملة.