هل يمكن تشريك حزب النهضة بتونس في الحكم؟

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة
تقرير آمال قرامي
هل يمكن تشريك حزب النهضة بتونس في الحكم؟
أنصار حركة النهضة قبل خطاب لزعيك الحركة خلال الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2014Credit: FADEL SENNA/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم آمال قرامي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

ما أعسر تشكيل حكومة في ظلّ تهافت المتحزبّين والشخصيات الوطنية والمثقفين وغيرهم على اتّخاذ مناصب وزارية أو مواقع صنع القرار. فمنذ أكثر من أسبوع والسير الذاتية تعرض على رئيس الحكومة علّه يختار فيريح ويرتاح. ولكن أنّى "للصيد" أن يقرّر في سياق تمارس فيه الاكراهات، وتفرِض فيه التوازنات السياسية مراعاة عدّة مسائل، لعلّ أهمّها موقع حزب النهضة في إدارة البلاد وكذا الجبهة الشعبية.

        ولئن آثر أنصار الجبهة الشعبية تحذير 'السبسي' من عدم الإيفاء بوعوده، والتراخي في تنفيذ التزاماته، والاستسلام للضغوط الممارسة لتشريك هذا الحزب أو ذاك فإنّ النهضة توخّت منهجا خاصّا  قائما على 'عرض الذات'. فكلّ مُتابع لخطابات قيادات النهضة لا يكاد يصدّق أنّ هؤلاء هم أنفسهم الذين كانوا يدافعون بشراسة عن خبرتهم، وكفاءاتهم ويتّخذون كلّ الوسائل من أجل تبكيت خصومهم. فيتلاعبون بالوقائع، ويراوغون ويتنكّرون، ويتنصلون من المسؤولية متسلّحين بالمحاججة والمساجلة والسفسطة، وأحيانا بالعنف اللفظي...

***

        قياديو النهضة، والحقّ يجب أن يقال، والشهادة واجبة في هذا المضمار، يظهرون في صورة جديدة مثيرة للعجب والإعجاب. فبعد أشهر من التدريب، وإحكام فنّ التواصل، واستيعاب استراتيجيات صياغة الخطاب، وإدارة الحوار مع الخصوم، وصناعة الصورة... ها أنّ الأشاوس باتوا وديعين، والصقر صار حملا، والتسامح مع 'النداء' وشقّه التجمعّي صار شعارا، والتودّد إلى "السبسي الحكيم" أضحى قاعدة، والاستعداد لخدمة البلاد غدا عبارة مكرورة... تُصغي إلى "لطفي زيتون' أبرز القياديين في الحزب فتقرّ بأنّ قسمات وجهه تغيّرت، وأنّه غيّر التكتيك. فالتجهّم غاب، والاستعداد للانقضاض على مخالفيه في الرأي اضمحلّ، وفي المقابل بدا الرجل مبتسما، بل ضحوكا، وصاحب ملحة ليبراليا حتى النخاع لا إحالة واحدة على المرجعية الدينية، وقس على ذلك بقية الشخصيات التي بذلت جهدا واضحا من أجل تغيير خطابها، ومظهرها، وطريقة حضورها الإعلامي، وحتى حركات أجسادها... والشكر موصول بالطبع إلى المدربين.

        إنّها البراغماتية في أبهى صورها، وسياسة جديدة تتبنّاها النهضة من أجل إعادة ثقة الناس فيها، وفرض نفسها على الساحة السياسية في ثوب جديد يبعث على الاطمئنان ويحثّ أصحاب السلطة على تشريك قيادي النهضة في الحكومة. ولكن "ما كلّ ما يتمناه المرء يدركه' لم يراع أغلب "الندائيين" هذا الجهد المبذول، وهذا السعي الحثيث إلى دخول الحكومة من باب مغاير فعبّروا عن رفضهم تشريك النهضة في الحكم، على الأقلّ في هذه المرحلة التاريخية، حُجّتهم في ذلك أنّ الأوضاع المتردية التي وصلت إليها البلاد (اقتصاديا واجتماعيا، وثقافيا) هي مُحصلة حكم فاشل، وعبث بمؤسسات الدولة، وتسيّب أدّى إلى انتشار الإرهاب، والإفلات من العقاب فضلا عن اتّهامات بالفساد، وتغليب مصلحة الحزب والأتباع على حساب المصلحة الوطنية ورغبة شديدة في أسلمة البلاد عنوة وتغيير نمط عيش التونسيين.

***

        إنّ الشقّ 'الاستئصالي' في حزب النداء، وأنصار الجبهة الشعبية بالإضافة إلى أحزاب أخرى يعارضون دخول النهضة في الحكم من جديد بعد أن "أجبروها "على الخروج منه معتبرين أنّ من فشل في إدارة البلاد لابدّ أن يحدّ من طموحه، وأن يتحمّل مسؤوليته مع الوعي التامّ بأنّ بقاء النهضة في شقّ المعارضة ستترتّب عنه عواقب وخيمة.ولكنّ هذه الأحزاب ترى أنّ أغلب من ناصروا النداء كانوا يطلبون تغيير اللاعبين السياسيين، وبلورة سياسات جديدة قادرة على أن 'تنسيهم سنوات الخيبة والضياع"، وأن تحقّق لهم الأمان.

        وفي انتظار الحسم في مسألة تشريك النهضة في الحكم من عدمه والاختيار بين سياسة الاحتواء والتسامح عملا بوعد قطعه "السبسي' في أول خطاب له حين قال لا للإقصاء، وتونس للجميع، وسياسة الاستبعاد الظرفي تتواصل جهود القياديين في حزب النهضة من أجل انتزاع إعجاب التونسيين، ونيل ثقتهم. فهل بمقدور القوم أن ينسوا أحداث الرشّ بسليانة، وأن يتجاهلوا علاقة الحزب بأبي عياض، والإخوان، وبلحاج، وقطر...وأن يمحوا من ذاكرتهم أحداثا عاشوها تحت حكم 'الترويكا'؟

        لسان حال أغلب المشاهدين: "لو خرجت من جلدك لما عرفتك'.