أمل حمادة تكتب.. "ماذا علمتني الثورة؟"

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة
أمل حمادة تكتب.. "ماذا علمتني الثورة؟"
Credit: Peter Macdiarmid/Getty Images

هذا المقال بقلم  امل حمادة، مدرسة العلوم السياسية في جامعة القاهرة وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

قبل أعوام طويلة كتب الدكتور جلال أمين الاقتصادي والأكاديمي المعروف كتابا يحكي فيه سيرته الذاتية تحت عنوان "ماذا علمتني الحياة" واستعير منه العنوان اليوم لأكتب بمناسبة مرور أربعة أعوام على اندلاع الثورة في مصر. فكرت كثيرا في هذا المقال وترددت بين أن انضم لصفوف الباكين على أرواح طاهرة سقطت دون أن يكون لتضحيتها ثمنا، فالثورة عند هؤلاء كأنها لم تقم. وبين أن أحافظ على جرعة من الأمل والتفاؤل نحتاجها جميعا لكي نستطيع الاستمرار في هذه الحياة. ثم قررت أن اكتب لنفسي ولمن مازالوا يحلمون بحياة أكرم واعدل وأكثر حرية للجميع. قررت ان اكتب عن ماذا علمتني الثورة؟

علمتني الثورة ان التاريخ سلسلة من اللحظات القصيرة، وانه من الضروري ألا نقع في أسر اللحظة الحالية. أو كما قال صديقي الثائر الذي أصبح أكثر عقلانية أنه علينا ان نتمتع بنظر الطائر الذي يطير فوق المحيط فيرى عالما كاملا تحت السطح، بينما الصياد في المركب لا يرى إلا ما حوله فقط ويفوته إدراك الصورة الكبرى. ينطبق هذا على لحظات النصر ولحظات الانكسار. ازعم أنى وغيري كثيرين كنا مجرد صيادين ولم ندرك ان رحيل مبارك لا يعني سقوط النظام، ازعم أيضا أنى وغيري كثيرين قد تعلمنا الدرس الصعب وأصبحنا طيورا قادرين على إدراك الصورة الكبرى وان كنا غير قادرين حتى الان على تغييرها.

علمتني الثورة أن الحلم بالكرامة والعدالة والحرية هو حلم شخصي كما هو حلم عام، قد نختلف على تعريف حدود الحرية أو معنى الكرامة أو أولوية العدالة، ولكن لا يمكن القول انه لا يوجد شخص على هذه الأرض لا يحلم بهم أو ببعضهما. علمتني الاعوام الاربعة انه علينا ان نستمع إلى بعضنا البعض لنفهم تعريفات كل منا للكرامة والعدالة والحرية ونحاول البحث عن المشترك بيننا، تعلمنا أيضا ان المجتمعات تدار من خلال تفهم الاختلاف والتعايش معه والتفاهم على حدوده وطرق إدارته. وأن الإصرار على طريق واحد وتعريف واحد واختيار واحد هو أمر ضد الحرية والكرامة والعدالة.

علمتني الثورة أن مصر ليست القاهرة واحياءها البرجوازية، وعلمتني ان نخبة القاهرة والمدن الكبرى أقل من ان تدرك ثراء التجربة المصرية، اتحدث عن هذا الثراء ليس بمنطق شوفيني أعمى ولكن بمنطق من خرج من العاصمة وسمع ورأى سكان مصر الأصليين على قول الكاتب بلال فضل. علمتني الأعوام الأربعة ان اهل مصر لديهم منطقهم الخاص وحكمتهم التي طوروها عبر السنون الطوال من التعامل مع المركز القاهر. قد لا تعجبنا حكمتهم وقد نحكم على منطقهم بالفساد. ولكن على الأقل ندين لهم بأن نسمعهم ونتفهم أسباب حكمتهم ومنطقهم ونشترك معهم في التغيير والحلم بالكرامة والحرية والعدالة للجميع.

علمتني الثورة ضرورة مراجعة ما تعلمته عن الثورات، يكتب علماء السياسة عن الثورات انها فعل راديكالي عنيف يمثل انقطاعا مع ما سبق ومشروعا سياسيا متكاملا للمستقبل يحمل أفكارا واشخاصا وعلاقات جديدة. يكتبون أيضا عن الثورات بعد أن تنجح، ولا يكتبون عنها وهي تُصنع. علمتني الأعوام الأربعة انه قد نختلف على ما إذا كانت الثورة قد نجحت في فرض مشروع سياسي متكامل للمستقبل، ولكن المدققين يدركون ثراء ما يتشكل من علاقات وأفكار ونخبة جديدة في طور التشكل والتعلم. هذا المارد الذي يصنع امام اعيننا لن يكون من السذاجة بفرض الانقطاع مع ما سبق، ولكنه سيقوم بمراجعة قاسية وحقيقية للتاريخ والجغرافيا والخطاب الديني وعلاقته مع الآخر ونظرته لموقعه من الحياة؛ وهذا هو جوهر الفعل الراديكالي الثوري.

علمتني الثورة قيمة المثل الشعبي أن ما يكسر لا يمكن إصلاحه؛ مهما حاولنا واستخدمنا من إمكانيات، سيكون مشوها مهما حاولنا تجميله.  فقد كسر الخوف، الخوف من المجهول، الخوف من السلطة، والخوف من الغد. من كان منكم يريد إقامة مجتمع ودولة على الخوف فأبشره بمسخ مشوه لن يصمد طويلا. ومن كان منكم، مثلي، يعمل على أن تكون مصر مجتمعا ودولة قائمة على العدل والحرية والكرامة فأبشره بأن الطريق مازال طويلا، ولكن أعده بأن الرحلة التي بدأت منذ أعوام أربعة ستكون مليئة بالحياة بحلوها ومرها.