جدل فقهي بعد استعانة داعش بفتوى لابن تيمية لتبرير إحراق الكساسبة: ماذا كان موقف النبي وهل فعلها أبوبكر وعمر وعلي؟

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة
جدل فقهي بعد استعانة داعش بفتوى لابن تيمية لتبرير إحراق الكساسبة: ماذا كان موقف النبي وهل فعلها أبوبكر وعمر وعلي؟
Credit: isis

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) --لفت في التسجيل الذي عرضه تنظيم الدولة الإسلامية استشهاد معديه بفتوى لابن تيمية، الذي مازال بعد قرون على وفاته أحد أبرز المراجع الفكرية للحركات الجهادية، وقد التنظيم رأي ابن تيمية المشار إليه وكأنه السند الشرعي لعملية إحراق الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، غير أن بعض الفقهاء اتهموا التنظيم بتحريف الفتوى وإخراجها من سياقها، مشيرين إلى أنها تتعلق بجثث من يوصفون بـ"الكفار" وليس بالأحياء.

وعرض التنظيم خلال فيديو إحراق الكساسبة لموقف ابن تيمية من خلال رسالة ظهرت على الشاشة جاء فيها: "فأما إذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع" الأمر الذي دفع مراقبين مثل الصحفي السعودي المعروف، جمال الخاشقجي، إلى الإشارة لـ"اجتزاء" الفتوى.

وتشير الكتب الفقهية إلى أن المثلة تتعلق حصرا بـ"الجثث" وليس بالأحياء، وإلا فإن ذلك يدخل في إطار "التعذيب"، ويذكر بحث للشيخ عبدالله زقيل تحت عنوان "القولُ المبينُ في حكمِ التحريقِ والمُثْلةِ بالكفارِ المعتدين" أن الفقهاء كانوا على ثلاث أراء، الأول أن المُثْلةَ حرامٌ، وذهب إلى ذلك الزمخشري والصنعاني والشوكاني، أما الرأي الثاني فهو لا يذهب إلى التحريم بل يقوم بـ"الكراهة"، وممن ذهب إليه النووي وابن قدامة الذي قال "يُكْرَهُ نَقْل رُؤُوسِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ، وَالْمُثْلَةُ بِقَتْلَاهُمْ وَتَعْذِيبُهُمْ."

أما القول الثالث فهو الذي ذهب إليه ابن تيمية وهو "يمثلُ بالكفارِ إذا مثلوا بالمسلمين معاملةً بالمثل"، وينتقل عنه زقيل قوله في فتاويه: "فَأَمَّا التَّمْثِيلُ فِي الْقَتْلِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقِصَاص" كما قال: "وَيُكْرَهُ نَقْلُ رَأْسٍ، وَرَمْيُهُ بِمَنْجَنِيقٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ.. الْمُثْلَةُ حَقٌّ لَهُمْ ، فَلَهُمْ فِعْلُهَا لِلِاسْتِيفَاءِ وَأَخْذِ الثَّأْرِ ، وَلَهُمْ تَرْكُهَا وَالصَّبْرُ أَفْضَلُ ، وَهَذَا حَيْثُ لَا يَكُونُ فِي التَّمْثِيلِ بِهِمْ زِيَادَةٌ فِي الْجِهَادِ، وَلَا يَكُونُ نَكَالًا لَهُمْ عَنْ نَظِيرِهَا ، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي التَّمْثِيلِ الشَّائِعِ دُعَاءٌ لَهُمْ إلَى الْإِيمَانِ ، أَوْ زَجْرٌ لَهُمْ عَنْ الْعُدْوَانِ، فَإِنَّهُ هُنَا مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْجِهَادِ الْمَشْرُوعِ ، وَلَمْ تَكُنْ الْقِصَّةُ فِي أُحُدٍ كَذَلِكَ، فَلِهَذَا كَانَ الصَّبْرُ أَفْضَلَ."

وتناقلت حسابات إلكترونية تابعة لجهاديين بيانا يحمل عنوان "بل لكم في الحرق سلف" استنكر كاتبه اعتراض البعض على الإحراق مضيفا أنه لا يحق لأحد أن يتكلم في الأمر أو يفتي فيه "من غير المجاهدين في الثغور" مضيفا: "من أراد أن يفتي فليأخذ رشاشه وليذهب إلى الجبهة وليرى ما فعله الكفار بالمسلمين وليرى صنيع القنابل بأشلاء أطفال المسلمين ثم يخرج لنا بفتوى."

أما المؤسسات الدينية الرسمية لدى المسلمين السنة فكان لها موقف حازم، وفي هذا الإطار إذ استنكر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بشدَّة عملية الإحراق، واصفا إياها بـ"العمل الإرهابي الخسيس الذي أقدم عليه تنظيم داعش الإرهابي الشيطاني". وأعرب عن استيائه الشديد من الإقدام على هذا العمل الذي قال إنه "يستوجب العقوبة التي أوردها القرآن الكريم لهؤلاء البغاة المفسدون في الأرض الذين يحاربون الله ورسوله أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف" مذكرا بحديث النبي محمد الذي ينهى عن التمثيل بالأعداء.

أما السعودية، فقد أوردت وكالة الأنباء الرسمية فيها نقلا عن مصدر مسؤول قوله إن المملكة تابعت "بكل الأسى والحزن والغضب الجريمة الوحشية البشعة التي اقترفها التنظيم الإرهابي" واصفة القتل بأنه "عمل بربري جبان لا تقره مبادئ الإسلام الحنيفة المنصوص عليها في كتاب الله وسنة نبيه.. ولا يمكن أن يقدم على ارتكابه إلا ألد أعداء الإسلام."

غير أن بعض المغردين أعادوا الإشارة إلى أبحاث دينية صادرة من جامعات حكومية في السعودية، مثل البحث الذي يحمل عنوان "التحريق بالنار" والموجود على موقع إحدى الجامعات السعودية وجاء فيه أن العلماء اختلفوا في التحريق في فعل ذلك وفي هوية من يتعرض للإحراق، سواء من الأعداء أو المجرمين، ويذكر البحث أن أبوبكر الصديق وعلي بن ابي طالب وخالد بن الوليد، وكلاهما من صحابة النبي محمد، أجازوا تحريق الأعداء بالنار خلال المعركة، في حين كرهه صحابه مثل عمر وابن عباس.

ويورد البحث أيضا مناقشة "ابن حجر" لمعنى حديث النبي بأن التحريق لا يكون إلا من الله بالقول: "قال المهلب : ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع ، ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة ، وقد سمل النبي أعين العرنيين بالحديد المحمي ، وقد حرق أبو بكر البغاة بالنار بحضرة الصحابة ، وحرق خالد بن الوليد بالنار ناسا من أهل الردة " .

ويختم الباحث بحثه بالقول: "التحريق بالنار لا يجوز إلا من السلطان إذا رأى المصلحة تقتضي ذلك نكاية أو معاملة بالمثل، أو لمن فعل أمرا منكرا، والشجر كذلك ، وأما الحيوان فلا يفعل به ذلك، لأنه مثلة وتعذيب بلا فائدة، إلا إذا استعمله الكفار في العدوان على المسلمين، ولم يوجد بدٌ من التحريق، والله أعلم."