رأي: داعش أخطأ الحساب هذه المرة.. ومعاذ الكساسبة سدد له ضربة قاصمة

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة

بقلم بول كروكشنك 

(بول كروكشنك هو محلل لشؤون الإرهاب لدى CNN وباحث في معهد القانون التابع لجامعة نيويورك. وما يرد في هذه المقالة يعبّر فقط عن رأيه ولا يعكس وجهة نظر CNN)

من الواضح أنّ الفيديو الوحشي المتقن الذي يظهر حرق تنظيم داعش الطيار الأردني معاذ الكساسبة حيّا، كان خطوة محسوبة من زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي بهدف إضعاف معنويات الأردن وبقية الدول العربية المشاركة في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضدّه.

لكن العلامات الأولى تؤكد أن تداعيات الشريط الذي يعتقد أنه جرى تصويره قبل نحو شهر، كانت عكسية لما كان التنظيم يأمل ولاسيما مع مشاعر الغضب العارم لدى القبائل السنية في المنطقة.

ربما حري التذكير بأنّ نشر الرعب كان أسلوبا عمل جيدا في السابق لمصلحة داعش بما جعله يأمل في أكثر مما يتصور. ففي الأسابيع التي سبقت هجومه على الموصل في يونيو/حزيران، نشر التنظيم عدة اشرطة فيديو وحشية تظهر مقاتليه وهم يمارسون أبشع الانتهاكات والفظائع في حق جنود عراقيين مختطفين.

بثت أشرطة الخطف والمجازر الرعب في صفوف الجيش العراقي مما بدت تداعياته واضحة عندما بدأ الهجوم على الموصل حيث فرّ الألاف من القوات العراقية رغم كثرتهم مقارنة بعديد مقاتلي داعش. ومن الواضح أنّ البغدادي كان يأمل أن يحصل على نفس التأثير هذه المرة أيضا من خلال ممارسة نفس اللعبة، لاسيما مع تزامن بث الفيديو مع الزيارة التي كان يقوم بها الملك الأردني عبدالله للولايات المتحدة--بول كروكشنك .

لكن على ما يبدو فإنّ تنظيم داعش أخطأ الحساب هذه المرة وبكيفية دراماتيكية. فالكساسبة ينحدر من عشيرة سنية قوية مما جعل من قتله سببا في انتشار الغضب والسخط. كما أنه حسم مسألة الدعم لقرار العاهل الأردني المشاركة في التحالف الدولي وقواه مقارنة بما كان عليه الأمر قبل بث الشريط.

كما كان حريا بالاهتمام انتشار الغضب لجميع أنحاء العالم السني وهو ما ترجمته دعوة الجامع الأزهر إلى صلب مقاتلي داعش وتقطيع أطرافهم من خلاف.

وفعلا ففي الوقت الذي يبدو أنّ الشريط سيحظى بتعاطف أنصار التنظيم وسيزيد من وتيرة تجنيد الأجانب لصفوفه أكثر من منافسه تنظيم القاعدة، من المرجح أيضا أن يحدث شرخا في مجال التجنيد. فحقيقة حرق مسلم حتى الموت مخالف لجل مدارس الفقه الإسلامي بما فيها تلك التي يعتمدها أكثر أنصار داعش تطرفا.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، قال أحد رجال الدين البريطانيين الذين يعملون في مجال مكافحة التشدد إنّ قطع رأس عامل الإغاثة البريطاني ألان هينينغ انعكس سلبا على قدرته على التجنيد لدى الشباب.

فعلى المدى الطويل، لم تكون وحشية داعش استراتيجية رابحة مثلما عرفت بها القاعدة. فقبل عام بالضبط تقريبا، كان تنظيم أيمن الظواهري قد حسم أمره بالنأي بنفسه عن داعش بسبب وحشيته المتطرفة والزائدة وقتل المسلمين.

وفي غضون الأسابيع المقبلة، من المرجح أن يكثف الأردن من غاراته على مواقع التنظيم في سوريا والعراق ولكن إسهامه الكبير والأهم قد يكون إسهامه على الصعيد الاستخباراتي لاسيما مع خبرته الواسعة والمؤكدة والتي ترجمها دوره الرئيس في تحديد مكان وجود مؤسس داعش أبو مصعب الزرقاوي في العراق عام 2006.

ومن دون شك فإنّ أي توسيع للجانب الاستخباراتي قد يزيد من حنق الجماعات المتشددة ورد فعلها داخل الأردن لاسيما مع تزايد مشاعر الحنق بعد تنفيذ الإعدام في كل من ساجدة الريشاوي وزياد الكربولي. كما لا ينبغي التقليل من الاستهانة من خطر التشدد الداخلي المتنامي لاسيما أنّ ما لا يقل عن 2000 أردني يعتقد أنّهم سافروا إلى سوريا والعراق بغرض القتال، الكثير منهم إلى جانب داعش.

وسبق للعديد من المقاتلين الأردنيين أن ظهروا في فيديو لداعش العام الماضي، ودعوا إلى اغتيال الملك عبدالله. كما شهدت الزرقاء، التي ينحدر منها الزرقاوي، الضيف الماضي، مظاهرات حاشدة داعمة لتنظيم داعش. كما شهدت معان مظاهرات عبّر المشاركون فيها عن "سعادتهم بإعلان دولة الخلافة."

وإجمالا هناك ما لا يقل عن 9 آلاف متشدد جهادي في المملكة، وفقا لأرقام وكالات الأنباء، ويخشى المحللون من تنامي العدد بسبب تزايد نسبة البطالة ومشاكل اجتماعية واقتصادية مما يوفر أرضية خصبة للتجنيد في أوساط المتشددين. كما أن هناك مخاوف من وجود متشددين من ضمن الـ620 ألف لاجئ سوري الذين فروا إلى المملكة --بول كروكشنك .

ومع كل هذه المعطيات، سيكون نقل الحرب على داعش وأنصارها داخل وخارج المملكة، هناك أمر واحد واضح وهو أنّ الملك عبدالله الثاني سيكون بأمس الحاجة لكل حليف ممكن.