رأي.. هل كان الشرق الأوسط أفضل حالاً في ظل الديكتاتوريات؟

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
تقرير لينا الخطيب
رأي.. هل كان الشرق الأوسط أفضل حالاً في ظل الديكتاتوريات؟
مظاهرة بصنعاء في نوفمبر 2014 للمطالبة بالإفراج عن سجناء اعتقلوا خلال الانتفاضة التي أطاحت الرئيس علي عبد الله صالحCredit: MOHAMMED HUWAIS/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم لينا الخطيب، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع مركز كارنيغي للشرق الأوسط، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

هل كانت منطقة الشرق الأوسط أفضل حالاً في ظل الديكتاتوريات؟ من المؤكد أن افتراض ذلك يبدو أمراً مغرياً عندما ينظر المرء إلى الصراعات المحتدمة في المنطقة اليوم، من اليمن إلى ليبيا إلى سورية. فقد سلكت هذه البلدان الثلاثة مسارات مختلفة منذ بداية الربيع العربي في العام 2011، غير أن العامل المشترك في ما بينها الآن هو حالة عدم الاستقرار التي من المستبعد أن يتم التغلّب عليها على المدى القصير. وفي حين تربك حالة عدم الاستقرار هذه الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، فقد كانت أيضاً نتيجة مباشرة لموقف الغرب نفسه تجاه الديكتاتوريات في المنطقة قبل وأثناء الربيع العربي. كما أن قصر النظر الغربي في التعاطي مع الشرق الأوسط طوال تاريخه الحديث ساهم بصورة مباشرة في دماره الحالي.

قبل العام 2011، كان الاستقرار، وليس الديمقراطية، هو الأمر الأكثر أهمية بالنسبة إلى الغرب في منطقة الشرق الأوسط. إذ تم تحمّل الديكتاتوريات العربية لعقود على الرغم من بطشها لأنها كانت تخدم المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية للغرب. ففي مصر، كان ينظر إلى حسني مبارك باعتباره حصن السلام مع إسرائيل. وفي ليبيا تم التودّد إلى معمر القذافي بهدف الحصول على اتفاقات في مجال الاستثمار والتجارة. وفي سورية، كان بشار الأسد رئيساً واضح السلوك حيث أبقى هضبة الجولان منطقة خالية من النزاع. وفي اليمن، اعتُبِر علي عبد الله صالح حليفاً ضد تنظيم القاعدة.

أبقت الديكتاتوريات على الوضع القائم بطريقة تمكّنها من مواصلة إدارته. وعليه فقد كان قمع الحكومات للنشاطات المجتمعية ولأصوات المجتمع المدني البديلة ووسائل الإعلام المستقلة، يعني أنه نادراً ما يتم الاعتراض على القرارات التي تتخذ من أعلى إلى أسفل. وكان من شأن ذلك ضمان أن تتم خدمة المصالح الغربية، إلى حدّ كبير، من دون الكثير من التعقيدات.

في المقابل، حظي الطغاة العرب بالمساعدات المالية والعسكرية والتطمينات السياسية الغربية. كان اليمن نموذجاً لهذه الدينامية. فقد غازل علي صالح الدبلوماسيين الأميركيين وغازلوه حيث غضّوا الطرف عن تجاوزاته، من تهريب الأسلحة إلى إجبار الشركات الجديدة على إضافته باعتباره "شريكاً" ليتمكّن من ضمان الحصول على حصة من الأرباح، في حين عاش معظم اليمنيين تحت خط الفقر.

كانت "قيمة" صالح تكمن في مشاركته في "الحرب على الإرهاب" عبر السماح للطائرات بدون طيار الأميركية بضرب تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية". وفيما هو استخدم هذه المشاركة كذريعة لطلب المساعدة العسكرية لليمن، اعتَبَرَت الولايات المتحدة استغلاله لها في الواقع لتجهيز ما سيصبح جيشاً خاصاً له، ثمناً زهيداً تدفعه مقابل ما اعتبرته محاربة للارهاب.

عندما فضح الربيع العربي حقيقة العيش في ظل الديكتاتوريات، لم يعد في مقدور الغرب تجاهلها، وصار لزاماً عليه أن يعلن على الملأ دعمه للانتفاضات. بيد أنه لم يكن لدى الغرب استراتيجية طويلة الأجل للتعامل مع تداعيات ما بعد الدكتاتوريات، وكانت النتائج كارثية.

شهدت ليبيا تدخلاً عسكرياً دولياً متسرّعاً كان يفتقر إلى رؤية لتحقيق الاستقرار في البلاد، وها هي اليوم تتهاوى. كما شهدت سورية مداورات ونشاطاً دبلوماسياً غير مثمر جرّ الغرب في نهاية المطاف إلى حرب فوضوية.

لبعض الوقت، كان يعتقد أن اليمن يمثّل حلاً وسطاً مقبولاً بسبب مبادرة مجلس التعاون الخليجي التي أنهت الانتفاضة عبر عملية نقل السلطة عن طريق التفاوض من صالح إلى نائبه عبد ربه منصور هادي. غير أنه تم تجاهل الآثار الطويلة الأجل لهذا الانتقال، وها هو اليمن يدفع الثمن اليوم.

يلخّص اليمن كل علل الديكتاتوريات وتعاطي رعاتها الأجانب معها. فقد كان الغرب ساذجاً عندما ظن أن صالح سيقبل ببساطة إبعاده عن السلطة. ففي تحوّل ساخر في الأحداث، وجد صالح في المتمرّدين الحوثيين، الذين جرى تهميشهم في ظل حكمه وأصبحوا أكثر تهميشاً في ظل حكم هادي، حليفاً غير متوقَّع لاستعادة نفوذه.

وكانت المملكة العربية السعودية أيضاً ساذجة عندما ظنّت أن الحكم الحوثي في شمال اليمن سيكون أفضل من الوجود السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، أقوى خصم سياسي للمملكة، في صنعاء. وقد تجاهل السعوديون والغرب التوتّرات الطائفية التي كانت تعتمل تحت السطح بين الحوثيين الزيديين وبين القبائل السنّية في اليمن، ناهيك عن الغضب الشعبي تجاه غارات الطائرات بدون طيار التي تقودها الولايات المتحدة والتي قتل فيها المدنيون أحياناً. كما تجاهلوا ازدياد طموحات إيران. فلماذا يقتصر الحوثيون، حلفاء إيران، على شمال اليمن إذا كان بمقدورهم أيضاً التوسّع جنوباً وحكم البلاد كلها؟

يظهر الوضع في اليمن اليوم أنه على الرغم من أن الوضع القائم في ظل الديكتاتوريات ربما كان يبدو مستقراً، إلا أن البراكين تحت السطح كانت تتهيأ للثوران. قد يبقي الطغاة على بلد ما آمناً، لكنهم يفعلون ذلك على حساب شعبهم. وقد يدعمون مصالح الغرب، لكنهم سينقلبون عليها كلما هدّدت مصالحهم الخاصة.

على الرغم من أن الكثيرين يتحسّرون اليوم على أن الربيع العربي تحوّل إلى "شتاء عربي"، فإن الصراعات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط هي، إلى حد كبير، نتيجة لعلل الديكتاتوريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والظروف التي عزّزتها. وقد ظهرت إلى السطح لأنه تم رفع الغطاء عنها. غير أن البؤس الحالي في الشرق الأوسط لا يعني أن المنطقة كانت أفضل حالاً في ظل الديكتاتوريات. فعاقبة الديكتاتوريات دائماً مبلبلة، والتحوّل الديمقراطي في سيره من مرحلة إلى أخرى ليس مستقيماً أبداً.

ينبغي أن يتذكّر من يحنّون لأيام الزعماء العرب الغابرين أن الأنظمة الاستبدادية تزرع بذور الاضطرابات في المستقبل، وبالتالي فهي لاتوفّر سوى أمن كاذب ومؤقّت، حتى لو كانت كلمة "مؤقّت" تستغرق بضعة عقود.