ماذا بعد داعش؟ هل سنشهد "قريباً" بداية الحلول؟

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة
تقرير علي شهاب
ماذا بعد داعش؟ هل سنشهد "قريباً" بداية الحلول؟
مقاتلون شيعة من العراق يدعمون قوات الحكومة العراقية على مشارف الفلوجة، يستعدون لشن هجوم على "داعش"Credit: AHMAD AL-RUBAYE/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم علي شهاب، والأراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

تفيد احدى نظريات استشراف المستقبل أن التاريخ في حركته يشبه "رقاص الساعة". (Pendulum)

أي أن التاريخ حين يندفع الى جهة ما حتى حدها الأقصى سرعان ما يضطر الى العودة الى الجهة المعاكسة بفعل قوة الجاذبية، ولكن عودته هذه تكون ابطأ نسبيا كون السرعة المكتسبة عند البداية تنخفض تدريجيا مع مرورها بنقطة التوازن كل مرة.

اذا ما طبقنا هذه النظرية على واقعنا المعاصر في الشرق الأوسط، وتحديدا ما تشهده المنطقة على صعيد الأزمات الكبرى من انتشار الفكر التكفيري وتبعاته الى اتساع رقعة الحروب وتفاقم المشكلة الاجتماعية والاقتصادية، يمكن الجزم بأن المستقبل القريب (بقياس عمر التاريخ لا الفرد) سيشهد بداية الحلول بمظاهر معاكسة تماما.

يشبه ما يجري في بلادنا الى حد كبير ما شهدته أوروبا في مرحلة التحول من العصور الوسطى (وهي العصور التي ننظر اليها نحن العرب والمسلمون بكثير من العدائية والنقد مع اننا نعيش أشكالها تماما منذ عشرات السنين). في تلك الفترة بلغ التطرف الديني ذروته وشمل البيئة الداخلية كما الأطراف الأخرى في ظاهرة شبيهة بحالات العنف الوحشي التي تمارسها داعش ضد أفرادها وضد الآخرين.

كما وصلت أنظمة الحكم الاوتوقراطية الى أوج قوتها فكان تشن الحروب وتمارس الظلم مدفوعة بسكوت رجال الدين الذين حلوا بدلا من العلماء في تفسير الظواهر الطبيعية والحد من دور العقل وادواته في أي محاولة لتطوير المجتمع بذريعة ان العلم مناف للدين وباستخدام الفكرة الدينية الأكثر مدعاة للتساؤل والتأمل والأنسب للترغيب والترهيب؛ أعني الجنة والنار.

غير أن حركة التاريخ سرعان ما لفظت هذا الواقع في أوروبا نتيجة حالة التقهقهر الذي وصلت اليه الشعوب فكريا وحضاريا وعلميا واقتصاديا، فشهدت المجتمعات آنذاك حراكا معاكسا بدأ بصعود حالات رفض نفوذ رجال الدين (بل رفض الدين احيانا) ثم بالتصويب باتجاه فساد الانظمة الملكية والاقطاعيات المحلية والتحول نحو تشكيل جماعات تغيير من دون قيادات موحدة بالضرورة، ذلك ان الوعي الجمعي شهد نموا صار معه التغيير ضرورة وحاجة على مستوى عدد كافٍ من الأفراد.

عودٌ على بدء، اذا ما حاولنا تطبيق نظرية "رقاص الساعة" على واقعنا اليوم فنحن نشهد بالفعل صحوة شعبية في مجتمعات الشرق الأوسط لناحية الحد من سلطة رجال الدين الذي اساءوا تفسير الدين والخلق بما فيه الكفاية وأمعنوا في تفاقم تخلفنا الاجتماعي والعلمي والمادي، من خلال محاولة فرض رأيهم على كافة أشكال الحياة بلا اي مسوّغ عقلي، ولا لفضيلة سوى الادعاء بأنهم ممثلي الإله على الأرض؛ يحللون ويحرمون ويقبلون ويرفضون.

على أن ما يسمى بـ"الربيع العربي" (وأنا أميل اكثر الى تبني وصف المرشد الايراني لها بـ"الصحوة" مع تحفظي على اعطاء أي طابع ديني لها كوني أحبذ تقديم أي تغيير اجتماعي ضمن اطار انساني أوسع وأشمل) قد أصاب في أنظمة الحكم الأوتوقراطي مقتلا نعيش بدايات ارهاصاته، وتبقى مدته رهن مشيئة القدر الذي يسير عادة لصالح وفق سنن طبيعية ترسم مسار التاريخ، اذا ما استثنينا تدخل القدر بشكل جذري في محطات يطلق عليها الدين اسم معجزات (كطوفان نوح أو معجزات موسى)، مع لحاظ توافق الأديان السماوية على أن زمن المعجزات الكبرى قد ولى.

يناقش خبراء الاستراتيجيا والعسكر في أيامنا في كيفية التعامل مع البيئة الحاضنة للحركات المتطرفة كوسيلة ناجعة للقضاء على الإرهاب والتكفير. ولئن كانت المقاربة صحيحة نظريا فإن تطبيقها يحتاج الى سنوات طوال وأدوات قد لا تكون في كثير من الاحيان تحت السيطرة وتخضع في العادة لمتغيرات سريعة، ولكن التحول في الفكر الجمعي نحو تحديد دور رجال الدين في حياة المجتمعات من شأنه المساهمة بشكل كبير في لفظ أي حركة متطرفة لصالح تعميم ثقافة الحياة.

قد لا نعيش لنشهد هذا التغيير جله، ولكن تسارع الاحداث ونبض الشوارع يوحي بأننا لن ننتظر طويلا . بهذا المعنى فإن مرور 30 او 40 او 50 عاما قبل ان تستقر الكيانات السياسية بحدودها الجديدة وتوزع ديموغرافياتها المستحدثة، سواء في سوريا او العراق او لبنان او الاردن او فلسطين او السعودية او غيرها، لا يعدو كونه لحظة بمقياس التاريخ في حركة "رقاص الساعة" الذي يهبط من أقصى اليمين الى أقصى اليسار.