رأي: على الغرب إفشال حرب داعش المفتوحة على ذاكرة العرب ومنع استغلال الأسد لها

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة
بالصور.. داعش ينشر لقطات لعمليات تفخيخ وتفجير معبد بعلشمين "الوثني" في تدمر
ISIS
5/5بالصور.. داعش ينشر لقطات لعمليات تفخيخ وتفجير معبد بعلشمين "الوثني" في تدمر

.

كاتب المقال: ستيورت و. مانينج، رئيس قسم الكلاسيكيات في جامعة كورنيل.. (المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي CNN)

نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) – يقول صن تسو في اطروحته العسكرية، "فن الحرب": "يكمن السر في إرباك العدو، حتى لا يدرك مقصدنا الحقيقي." يعمل داعش على تطوير هذا المنطق بطريقة فاحشة ومغرية، مستخدما وسائل الإعلام العالمية لتنمية صورته الوحشية وتجنيد أعضاء جدد.

أصبحت أنقاض معبد بعل شمين في مدينة تدمر وسط سوريا آخر ضحايا عملية التدنيس الثقافي المنظم، وكان رد فعل الهيئات مثل اليونسكو على النحو الذي يأمله داعش، بشجب هذا العمل بمثابة جريمة حرب. يحصل داعش على الدعاية والاهتمام والذم. وتتفاعل وسائل الإعلام في العالم، ونمد نحن داعش بالجنود ونوفر له الدعاية المجانية للمزيد من الأعمال غير المشروعة التي ستكون قريبا معروضة للبيع في السوق السوداء.

التدمير ونهب التراث في سوريا والعراق أصبح مهنة قائمة بذاتها. بالمقابل، تحاول مبادرة التراث السوري من المدارس الأمريكية للأبحاث الشرقية، وغيرهم، توثيق هذا النهب والخسارة.

الحقيقة نادرة في جميع الاتجاهات. تم الإعلان عن تدمير بعل شمين يوم الاثنين، وأصدرت داعش الصور يوم الثلاثاء تُظهر متفجرات جاهزة للتفجير وانفجار والركام. لكن أشارت تقارير أخرى إلى وقوع الحدث منذ شهر مضى. تصدم الصور ولكنها تفشل في التوثيق الكامل للحادث.

إنه كما لو كان الذبح المروع والمثير للشفقة الأسبوع الماضي لخالد الأسعد – خبير الآثار السوري البالغ من العمر ثمانين عاما والذي كما يبدو رفض أن يكشف لداعش عن كنوز تدمر – فشل في جذب الاهتمام الكافي (أو الدخل) وافتقر إلى القيمة البصرية لهدم معبد مشيد.

هناك منافسة وألعاب حتى في هذه المأساة. الإعلان عن هذه الاعتداءات، والبيانات اللاحقة للتحقق، يأتي من حكومة سورية هشة يحكمها الديكتاتور بشار الأسد ويكون جزءا من جهودها للحصول على القبول من الآخرين كجهة متحررة ومعارضة لداعش وجزء من حملة مكافحة الإرهاب.

.مبدأ عدو عدوي هو صديقي" يصل لعبثية حرفية وخطيرة عندما يجد الغرب نفسه حليفا تحت الأمر الواقع مع حزب الله وشراكات غريبة أخرى تتكون مع الجماعات الشيعية ضد المتطرفين السنة من داعش.

يرغب داعش في محو التاريخ الغني لمدينة تدمر، لذلك دعونا نتوقف هنا لاستكشاف هذا التاريخ لفترة وجيزة.

المدينة، تتوسط بشكل درامي خلفية صحراوية، استحوذت أولا على الاهتمام الغربي بسبب الكتاب الشهير "أطلال الحضارات القديمة أو تأملات في ثورات الامبراطوريات" للكاتب قسطنطين فرانسوا دي فولني وألهمت الشعر، من مثل قصيدة "تدمر" لتوماس لوف بيكوك في 1806.  

واحة استراتيجية ورابطة للتجارة، برزت المدينة بالصدارة عندما أحدثت تغييرا في طرق التجارة والذي سبب ازدهارا كبيرا وتقدماً لبناء المجتمع المدني كجزء من العالم الروماني في القرن الأول والثاني. وزارها الإمبراطور الروماني هادريان حوالي عام 129، كما يتضح في نقش ثنائي اللغة من المعبد المدمّر حاليا بتدمر.

عُرفت تدمر بأنها موطن متسامح لمختلف الأديان والمجموعات العرقية، حيث اندمجت اليونانية والرومانية والثقافات المحلية. تحلت تدمر لفترة وجيزة بمركز الصدارة في التاريخ عندما استغلت فترة الضعف الروماني في العقد السادس من القرن الثاني للتمرد تحت راية الملكة زنوبيا، والسيطرة على ما يقرب من ثلث الإمبراطورية الرومانية في 271.

الملكات المقاتلات هن تلك الشخصيات المدهشة من تاريخنا الغربي الذكوري اللاتي يفرضن أنفسهن وينتهي بهن المطاف على نحو سيء. والعنف الشديد ليس جديدا على القصة، فقد قُطع رأس الحاكم الروماني لمصر، بروبس، من قبل قوات زنوبيا. ثم انتقل الإمبراطور الروماني أورليان شرقا وغزا تدمر، المدينة التي تمردت مرة أخرى، وهذه المرة، في عام 273، استولى أورليان على تدمر وقضى على دورها التاريخي الرائد.

أصبحت المدينة عندها لاعبا ثانويا في العالمين البيزنطي والعربي، حيث أعيد استخدام بعض الآثار، على سبيل المثال معبد بعل شمين استُخدم ككنيسة، و كان هذا السبب وراء الحفاظ على الآثار بشكل لافت حتى الآن. تيمورلنك استولى على المدينة مرة أخرى في حوالي عام 1400.

واحة تدمر هي موقع استراتيجي، وهي واحة وسط الصحراء تفتقر للاهتمام الذي يجنبها الكوارث. عادة ما تبرر داعش تدميرها بزعم أن قطع الفن التمثيلي هي أصنام وأنه أي مقدسات دينية من قبل الإسلام تعتبر مدنسة. وتسعى داعش إلى تدمير التنوع وفرض التوحيد الضيق. أي دليل على ماض متسامح ومتنوع هو لعنة. وتوفر الآثار المنهوبة الأموال الرئيسية لداعش.

هذا التطهير الثقافي يستحق الإدانة، ولكن ما تشتهيه داعش هو الاهتمام. ما تخشاه هو الذاكرة والمعرفة، التي لا تستطيع تدميرهما. وينبغي أن تكون استجابة الغرب بتذكر ذلك وتوفير الموارد التعليمية للحفاظ على التاريخ الغني لسوريا والعراق حيا وموجوداً، خاصة لهؤلئك المحجوزين تحت مظلة جهل داعش.

المفارقة المأساوية لتدمر هي أن الكُتّاب العرب شهدوا ثورة زنوبيا كنذير ممهد للفتوحات الإسلامية، التي بدأت في القرن السابع. داعش قد لا تعرف حتى تاريخها، ولكن كما قال كونفوشيوس، ينبغي لنا أن "ندرس الماضي لو أردنا تحديد المستقبل."