رأي: بعد تلقيهم ضربات تركيا بسوريا والعراق.. هل خانت أمريكا الأكراد في الحرب ضد داعش؟

الشرق الأوسط
نشر
8 دقائق قراءة
رأي: بعد تلقيهم ضربات تركيا بسوريا والعراق.. هل خانت أمريكا الأكراد في الحرب ضد داعش؟
Credit: afp/getty images

فريدة غيتس هي كاتبة الشؤون الدولية في صحيفة "ميامي هيرالد" وموقع "ورلد بوليتكس رفيو" ومحررة ومراسلة سابقة لدى CNN، الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.

لندن، بريطانيا (CNN) -- التفاصيل الجديدة عن تهديدات داعش، والتي تتضمَّن إمكانية استخدام الأسلحة الكيميائية واغتصاب عناصر التنظيم لفتيات صغيرات، تعد مروعة. ولكن ظهر تطور آخر مزعج، وهو إنه يبدو أن أمريكا قد أضعفت – أو ربما حتى خانت – الميليشيات الكردية، والتي تعد القوة القتالية الفعالة الوحيدة حتى الآن في الحرب ضد داعش.

فالأكراد الآن يتعرضون للهجوم ليس فقط من قبل داعش، ولكن من تركيا - حليفة الولايات المتحدة - أيضاً. فبينما بدا قرار تركيا الشهر الماضي بالانضمام إلى الحرب كقوة معززة للتحالف المكافح لداعش، إلا أنه من الظاهر إنه لم يكن قائماً على هدف إلحاق الهزيمة بداعش بقدر ما كان دفعة من تركيا لصد مكاسب الأكراد الأرضية الهائلة.

وقد يكون القرار أيضاً قد تأثر باعتبارات سياسية. فقد حاول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اضعاف الحزب السياسي الكردي الرئيسي قبل الانتخابات المحتملة في الأسابيع القادمة.

وعلى مدار عقود مضت، حاربت تركيا الجهود الكردية لإنشاء دولة مستقلة. فقد قاد حزب العمال الكردستاني - الذي صنّفته الولايات المتحدة وغيرها منظمة إرهابية - معركة من أجل الاستقلال. وكان حزب العمال الكردستاني وتركيا قد أطلقا عملية سلام منذ عام 2012. ولكن وسط تصاعد الهجمات، بما في ذلك قتل الحزب لعدد من ضباط الشرطة التركية. يقول أردوغان إن عملية السلام هي الآن ميتة.

ويُشار إلى أن حزب العمال الكردستاني يرتبط ببعض أقرب حلفاء الأمم المتحدة ضد داعش، بما في ذلك ميليشيات وحدات حماية الشعب، المعروفة بـYPG، والتي هزمت داعش بالفعل في مناطق مثل مدينة عين العرب - كوباني السورية، وهي إحدى الانتصارات القليلة ضد التنظيم.

وعندما توسعت مكاسب أكراد سوريا الإقليمية إلى عين العرب - كوباني، ومناطق أخرى قرب الحدود التركية، زاد توتر السلطات التركية. ويقول ناقدو الحكومة إن هذا هو السبب الحقيقي الذي جعل أردوغان يتخذ قرار الانضمام لقتال داعش، كتمويه للهدف الحقيقي وهو منع الوحدة الإقليمية الكردية.

ويُذكر أن الولايات المتحدة قد حاولت اقناع أردوغان طوال شهور للانضمام للحرب ضد داعش، بهدف غلق الحدود أمام الذين ينضمون لداعش عن طريق تركيا، ولتقديم المساعدة الإضافية للمهمة. وقد رفض أردوغان الطلب رغم موجة الشائعات عن دعم تقدمه أنقرة للتنظيم.

ولكن كانت نقطة التحول يوم 22 يوليو/تموز عندما تحدث أردوغان مع نظيره الأمريكي، باراك أوباما، عبر الهاتف بعد يوم من المجزرة الإرهابية التي حدثت في مدينة سروج التركية والتي أسفرت عن مقتل 32 شخصاً. ورغم اتهام السلطات لداعش، قال العديد من الاكراد إن المسؤولية تقع على الحكومة، على الأقل جزئياً. وقد قتل حزب العمال الكردستاني عدداً من رجال الشرطة التركية رداً على أحداث سروج.

وفجأة، أتى حديث أردوغان مع أوباما وأعلان انضمامه للحرب ضد داعش. وقد بدأت طائرات الولايات المتحدة والتحالف باستخدام القواعد الجوية التركية في انجرليك وديار بكر، والتي تعتبر أقرب بكثير إلى أهداف القصف، وخصصت تركيا بعض مقاتلاتها للمشاركة بالعمليات.

 فعلى السطح، كان هذا يبدو تطوراً. ولكن على أرض الواقع، كان الوضع مختلفاً جداً.

فقد استهدفت معظم الغارات التركية، والتي كان من المفترض أن تستهدف داعش، المواقع الكردية، مما أدى إلى احتجاج الأكراد. وقال أعضاء وحدات حماية الشعب، منتصرو عين العرب – كوباني، إنهم تعرضوا لإطلاق النار التركي داخل سوريا. وقد نفت تركيا ذلك.

وفي العراق، كانت الحكومة غاضبة. فإذا كانت تركيا قد هاجمت تنظيم داعش، الذي استحوذ على أراض عراقية، لكان رد الفعل مختلفاً. ولكن بدلاً من ذلك، أطلق رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، على الهجمات ضد القواعد الكردية صفة "اعتداء على السيادة العراقية".

وكان من المفترض أن توقف الحملة التركية الجديدة عمليات داعش داخل تركيا. فقد بدأت السلطات حملة محلية وصفها رئيس الوزراء التركي بـ "معركة متزامنة ضد الإرهاب". واعتقلت قوات الأمن أكثر من 1300 شخصاً، بينما 137 منهم فقط كان من المعتقد أن لهم روابط حقيقية بالتنظيم. واعترفت الحكومة أن الأغلبية العظمى كانوا قد أوقفوا لعلاقتهم بحزب العمال الكردستاني.

وبالوقت الذي استعرضت فيه تركيا عضلاتها أمام الأكراد بذريعة مساعدة الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها في مقاومة تنظيم داعش، كان الرد الأمريكي مازال متحفظا بعض الشيء، وتقول وزارة الخارجية الأمريكية إن الهجوم التركي على الأكراد بعد موافقة أنقرة على العمل مع واشنطن ضد داعش هو مجرد "صدفة."

وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جون كيربي، إن "ليس هناك علاقة بين ما فعلوه (الأتراك) ضد حزب العمال الكردستاني وما سنحاول فعله معاً ضد داعش،" مضيفاً أنه من حق تركيا أن تدافع عن نفسها ضد الإرهابيين.

وبصفة خاصة، قال مسؤول عسكري أمريكي إن تركيا قد خدعت الولايات المتحدة وتستخدم تحالف مقاومة داعش كستار لتحركاتها.

وقال مسؤول عسكري بارز لم يذكر اسمه لصحيفة وول ستريت جورنال: "كانت تركيا تريد التحرك ضد حزب العمال الكردستاني، لكنها كانت بحاجة إلى حجة."

فسواء كانت المحادثة التليفونية بين أوباما وأردوغان تضمنت مناقشة حول مدى إتاحة الفرصة لتركيا لضرب الأكراد أم لا هو أمر غير معروف. ولكن يبدو أن في الأسابيع الثلاثة منذ المحادثة أن تركيا ضربت أعداء داعش بقوة أكبر بكثير مما ضربت التنظيم نفسه.

ويرى نقاد أردوغان في أمريكا دافعا آخر مخفيا. فقد كان أردوغان يأمل بفوز حزبه "العدالة والتنمية" بالأغلبية حينما انتخب الأتراك برلماناً جديداً في يونيو/حزيران. وكان هذا سيسمح له بالضغط من أجل تعديلات دستورية لتعزيز نفوذ الرئاسة ونفوذه شخصياً. ولكن الخطة تعثرت بعد فوز حزب كردي صغير باسم "حزب الشعوب الديمقراطي"، أو HDP، بقرابة13  بالمائة من الأصوات، مما حرم "العدالة والتنمية" من الفوز بالأغلبية للمرة الأولى منذ 2002.

وتبدو المفاوضات لتحقيق حكومة ائتلافية محكوم عليها بالفشل، مما يعني اجراء الانتخابات في وقت أقرب. وهذه تعتبر فرصة لأردوغان، السياسي الأكثر نفوذاً الذي شهدته تركيا منذ عقود، لكسب الأغلبية التي يطمح إليها وبالتالي دفع البرلمان لتعديل الدستور واعتماد النظام الرئاسي. وبإنهاء عملية السلام مع الأكراد وإشعال الحرب مع حزب العمال الكردستاني، يساعد أردوغان على إحياء المشاعر القومية والمناهضة للأكراد، والذي سيساعده فقط في صناديق الاقتراع.

وبالنسبة لأولئك المهتمون بصعود داعش، بما فيهم الولايات المتحدة والسوريين وسائر ضحايا التنظيم الإرهابي الذين لا يُحصى عددهم، يعد المنعطف الجديد للأحداث مجرد خبر إضافي يحطم المعنويات.

وسواء وافقت الولايات المتحدة على غض الطرف أو كانت قد خدعتها تركيا، فالخاسرون هم الأكراد وضحايا داعش الكثيرين واحتمالات النصر ضد تنظيم لا يرحم وخطير للغاية.