تيم ليستر يكتب لـCNN: من يجب أن يُقتل لنتغلب على داعش والقاعدة؟

الشرق الأوسط
نشر
14 دقيقة قراءة
إبراهيم العسيري
Saudi interior ministry
11/11إبراهيم العسيري

إبراهيم العسيري

نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) -- يبدو أن المسؤولين الأمريكيين يكشفون مرة كل أسبوعين عن استهداف أحد "الأشخاص الرئيسيين" من قادة الإرهاب في سوريا واليمن والصومال وأفغانستان، إلخ.

آخر من صُرح عن قتله هو عنصر بتنظيم داعش، يدعى جنيد حسين، الذي رُبط بالهجوم على مسابقة رسوم الكرتون المسيئة للنبي محمد بولاية تكساس الأمريكية. ويقول الجيش الأمريكي والمخابرات إنهم يعتقدون أنه قُتل في غارة طائرة بدون طيار في معقل داعش في الرقة بسوريا.

وتضمنت القائمة التي أُصدرت في يوليو/تموز الماضي: محسن الفضلي، زعيم جماعة خراسان، وهي فرع لتنظيم القاعدة في سوريا، وأبو خليل السوداني، وهو شخصية بارزة في تنظيم القاعدة بأفغانستان. ورغم ذلك، فإن التقدم في زعزعة (ناهيك عن القضاء على) جماعات مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" والقاعدة وحركة الشباب وحركة طالبان من الصعب جداً قياسه.

هل هناك زعيم رئيسي سيوجه استبعاده ضربة قاضية؟ هل ما يسمى بـ"قطع رأس القيادة" يصلح كاستراتيجية؟ أك هل تواجه وكالات مكافحة الإرهاب الغربية عملية حذف أسماء من قائمة لا نهاية لها؟ هل يفوق عدد المجموعات المتطرفة قدرتنا على محاربتهم جميعا، بينما نشهد ظهور جيل جديد من القادة الإرهابيين الذين لا نعلم مدى خطورتهم؟

من بين أهم من لقوا مصرعهم من الإرهابيين المعروفين في السنوات الخمس الماضية أسامة بن لادن وأنور العولقي، رجل الدين الأمريكي اليمني الأصل. كلاهما كان من الشخصيات الكاريزمية داخل تنظيم القاعدة. كان لمقتل بن لادن في عام 2011 أهمية رمزية، حيث شكّل دافعا معنويا للولايات المتحدة بعد ما يقرب من عقد كامل من البحث العقيم. ويتفق معظم المحللون السياسيون أن خليفته، أيمن الظواهري، لا يحظى بنفس القدر من الاحترام والولاء الذي حظي به بن لادن، مما يُضعف القاعدة.

ولذلك فإن قتل بن لادن كان له أهمية، ولكن زعيم القاعدة لم يكن يحظ بنفس النفوذ من جهة السيطرة على العمليات وحتى التوجه الاستراتيجي وقت مصرعه في باكستان. وربما تكون قد أدت وفاته إلى الإفراط في الثقة بأن الولايات المتحدة تحرز تقدما سريعا من محاولة "الزعزعة" نحو "التدمير" في معركتها ضد تنظيم القاعدة.

بعد أشهر على وفاة بن لادن، وسط حملة جوية مكثفة من الطائرات بدون طيار، قال وزير الخارجية الأمريكية السابق، ليون بانيتا: "نحن نبحث على الأكثر عن خمسين إلى مئة وربما أقل" من أفراد تنظيم القاعدة في أفغانستان.

بعد ذلك بعامين، صرح بانيتا ببيان أكثر دقة: "لقد تباطأ السرطان الأساسي، ولكننا نعرف أن السرطان قد انتشر إلى أجزاء أخرى من الجسد العالمي."

حرم مقتل العولقي في غارة طائرة بدون طيار في سبتمبر/أيلول 2011، القاعدة من أفضل مُروجيها. حيث كان العولقي يجيد اللغة الانجليزية وكانت بلاغته في دعوة المسلمين في الغرب الى الجهاد فعالة للغاية. ولكن حتى من وراء القبر، أثرت محاضراته وخطبه على الانترنت على الجهاديين الناشئين، من بينهم المسؤولين عن تفجير القنابل في بوسطن.

وجدت دراسة قام بها مركز الأمن القومي بمدرسة فوردهام للقانون الأمريكية أن العولقي أثر على ما يقرب من ربع الإرهابيين المشتبه بهم في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة.

وبالمثل، كان مقتل أبو مصعب الزرقاوي في 2006 في غارة جوية أمريكية، يُعتبر ضربة قاتلة لجماعته، تنظيم القاعدة في العراق. ولكن بحلول ذلك الوقت كان قد أسس جماعة من شأنها التحول في نهاية المطاف إلى داعش.

ينقسم المحللون والمؤرخون للإرهاب حول فعالية استراتيجية "قطع رأس القيادة"، وهو النهج الذي كان في قلب سياسة إدارة الرئيس الأمريكي أوباما من خلال الاستخدام الواسع النطاق للطائرات بدون طيار المسلحة. و يقول ماكس إبراهيم، الذي يدرس الإرهاب في جامعة نورث إيسترن الأمريكية، إن النفور من نشر الجند والتفوق التكنولوجي المتزايد للطائرات بدون طيار جعل القتل المستهدف "أساس استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الارهاب."

من الناحية النظرية، يرى إبراهيم، أنه ينبغي لتلك الاستراتيجية أن تعمل عن طريق تقليل عدد أفراد الجماعة وبالتالي مدى تهديدها. ولكن إبراهيم قال لمراسلي  CNN: "هذه الاستراتيجية مخيبة جدا للآمال لأن المبدأ النظري وراء قطع رأس القيادة ينسى نقطة مهمة وهي أن خلفاء القادة المستبعدين عادة ما يكونون أكثر عنفا وتشددا ممن سبقهم."

 وفي مقال نشر في مجلة "الإرهاب والعنف السياسي"، يقول إبراهيم والباحث الاقتصادي، جوشن ميراو، إن الجماعات المسلحة قد تصبح أكثر تطرفا من خلال تحويل هجماتهم ضد الجيش إلى عنف ضد أهداف مدنية.

من نستهدف؟ 

إحدى أهم الصعوبات هي تحديد الأفراد المؤثرين فعليا في هذه الجماعات، التي يكون هيكلها الإداري مبهما في أحسن الأحوال. من هم المقدر لهم البروز من بين الحشود كقادة رئيسيين؟ ففي عام 2003 لم يكن ليصدق أحد أن الزرقاوي سيُصّعد الأحوال السياسية في العراق إلى شفير حرب طائفية، بينما يضخ بملايين الدولارات في خزينة القاعدة.

في عام 2011، لم يكن يتصور أحد أن طالب دكتوراه في الدراسات الإسلامية بسيط المظهر، بعد ثلاث سنوات سيعلن نفسه خليفة المسلمين من منبر في الموصل بالعراق.

وإذا تجاوزنا "الشيوخ" والمتحدثين الرسميين باسم هذه الجماعات، من هم الممولون ومصممي القنابل والمخططين العسكريين وكبار الرؤساء المجهولون؟ الرجل الذي قد لا يعني شيئا للعالم الخارجي يمكن أن يكون شخصية مهمة داخل تنظيم القاعدة أو داعش.

أبو خليل السوداني هو مثال على ذلك. لم يكن السوداني اسما مألوفا، ولكن وصفه مسؤولون أمريكيون بأنه عضو في مجلس الشورى وخبير متفجرات لتنظيم القاعدة، وهو أيضا "متهم بالتخطيط لهجمات ضد الولايات المتحدة." وإذا كان هذا صحيحا فإن القاعدة ستفتقد كثيرا واحدا من مصادر الخبرة.

وبالمثل، استُهدف وقُتل القائد التونسي بداعش، طارق الحرازي، في غارة جوية في بداية يوليو/تموز، وفقا لمسؤولين أمريكيين.

في حين لم يكن من القيادة العليا، إلا أن الحرازي كان لا يزال حلقة وصل رئيسية في سلسلة باسم "أمير الانتحاريين" وتجنيد التونسيين إلى داعش، وفقا لمسؤولين في الولايات المتحدة وشمال أفريقيا.

مقتل الحرازي والسوداني، بالإضافة إلى مقتل ناصر الوحيشي، قائد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، في يونيو/حزيران كان من أكبر الانتصارات في الحرب ضد الإرهاب. ومع ذلك فإن المعلومات الاستخبارية حول كيفية عمل هذه الجماعات وأهدافها وقدراتها غالبا ما تكون غير موثوقة للغاية، مما يُصعب تحديد وإيجاد والقضاء على الشخصيات الرئيسية.

لم يتوقع مسؤولو المخابرات الاستيلاء المفاجئ على الفلوجة في يناير/كانون الثاني عام 2014 ولا مدى تأثيره الدائم. في مقابلة في ذلك الوقت، وصف الرئيس الأمريكي أوباما الذين رفعوا علم داعش على المدينة بأنهم مبتدؤون. وكانت كلماته الحرفية: "أعتقد أن هناك فرقا بين قدرات وتمكن بن لادن وشبكة تخطط لمؤامرات إرهابية كبيرة ضد الوطن وبين الجهاديين الذين يشاركون في مختلف الصراعات على السلطة والخلافات المحلية، التي تكون في كثير من الأحيان طائفية".

وفوجئ المسؤولون بالسرعة الفائقة التي استولى بها داعش على المدن العراقية، الموصل وتكريت، بعد نحو خمسة أشهر لاحقة. و قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال مارتن ديمبسي، ردا على سؤال وُجه له في البرنامج التلفزيوني’ فرونت لاين‘ في مايو عن سقوط الموصل، هناك "العديد من الأشياء التي فاجأتنا حول داعش... قدرتهم على تشكيل التحالف الخاص بهم، سواء داخل سوريا أو داخل المناطق الشمالية الغربية في العراق، و قدرتهم العسكرية التي أظهروها."

هذه الثغرات تأخذ وقتا لتُملئ. وإذا كانت قدرات ونوايا المجموعة العسكرية غير معروفة، فمن المرجح أن يكون من الصعب للغاية اختراق قيادتها. بالإضافة إلى ذلك، فإن هوس داعش بالسرية والتكتم خدمه بشكل جيد حتى الآن. وإذا لم تكن متأكدا من هوية من قتلت، فكيف ستحذفه من على القائمة؟

من الناحية التنظيمية، يبدو أن داعش خصص وقتا لـ"التخطيط للخلافة"، مدركا أن زعمائه باتوا هدفا لحملة واسعة تقودها المخابرات. وفقا للمحللين الذين يتابعون تحركات الجماعة، لدى داعش تسلسل هرمي متطور. وآلت العمليات العسكرية للقيادات الإقليمية، وطورت الجماعة بيروقراطية تتضمن المجالس العسكرية والمالية والمخابرات، وإنشاء مجلس الشورى لوضع السياسة العامة.

يوفر هذا الهيكل التكرار بطريقة من شأنها أن تخفف من تأثير وفاة البغدادي. بالطبع سيكون استبعاده من ساحة المعركة إنجازا كبيرا، و لكن داعش لن ينهي عملياته بين عشية وضحاها.

التفاقم الذي يصفه بانيتا هو على الأرجح أساس المشكلة اليوم. في خريف عام 2001، كان يتحصن جزء كبير من قيادة تنظيم القاعدة في كهوف تورا بورا في أفغانستان. والآن تتطلب مهمة تتبع واستهداف الإرهابيين البحث في غابات شمال نيجيريا وشواطئ البحر الأبيض المتوسط في ليبيا وشرقا عبر سوريا والعراق إلى سفوح جبال الهيمالايا. وبدلا من تتبع شبكة إرهابية واحدة، هناك نوعان من المؤسسات الإرهابية: داعش والقاعدة، ومجموعة من الشبكات الصغيرة التابعة لهما.

تختلف كثيرا المعلومات الاستخباراتية حول هذه الجماعات. قليل جدا ما يُعرف عن كيفية عمل بوكو حرام في نيجيريا، وكيف يسيطر زعيمها، أبو بكر شيكاو، عليها – بحال كان فعلا كذلك - مما يُصعب جدا تقدير النتائج المترتبة على قتله.

قدر أكبر من التعاون والتنسيق بين الجماعات أيضا جعل القادة الأفراد أقل أهمية. داعش يجمع ما بين الأفراد الذين قاتلوا في تمرد تنظيم القاعدة ضد القوات الامريكية في العراق مع أفراد من ضباط الجيش العراقي السابقين. وتبادلت القاعدة في جزيرة العرب مع حركة الشباب الأعضاء وموارد أخرى، واختلط مقاتلو بوكو حرام مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. هذا التلاقح من المرجح أن يوّلد الصمود وشبكات من الدعم المتبادل.

الجيل القادم الارهاب

يشير عامل آخر أيضا إلى استمرارية تجديد قائمة المستهدفين من القادة الإرهابيين.

أول هجوم كبير في الخارج لتنظيم القاعدة، ضد سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، كان في عام 1998 - قبل نحو 20 عاما. وقد انكمش منذ ذلك الحين عدد كبار مساعدي بن لادن لحفنة ضئيلة، ولكن جيلا جديدا من الشباب الإرهابيين قد نضج وحصل على سيرة ذاتية حافلة بالخبرات القتالية إما في التمرد العراقي أو في ليبيا أو اليمن أو الجزائر أو الصومال أو الشيشان أوأماكن أخرى. وتشمل المهارات المتوافرة: الترويج الذكي، والتفوق بتصميم القنابل والخبرة المالية والتكنولوجية. وكان بعض هؤلاء الجنود في رياض الأطفال عندما وقعت هجمات الـ11 من سبتمبر.

لقد تم تسليح الأجيال القادمة بالمهارات المطلوبة. خبير صنع القنابل في تنظيم القاعدة، أبو خباب المصري، قد درّس العشرات من المتدربين في معسكره في أفغانستان قبل وفاته في عام 2008. عمله على الأرجح أثر بشكل كبير على صانع قنابل القاعدة في جزيرة العرب، إبراهيم عسيري، الذي يُعتقد أنه يدرب العديد من صانعي القنابل في مخبئه في منطقة نائية من اليمن.

 الآن يأتي تجهيز داعش  لـ"أشبال الخلافة" - أولاد صغار جُندوا كمعدمين و مقاتلين وانتحاريين.

في شريط فيديو نُشر مؤخرا يُزعم أنه أُخذ في الرقة بسوريا، يُحذر صبي من بين العديد الذين يرتدون الزي العسكري "التحالف الصليبي" بأنه سيتم تدميره "من قبل أشبال الخلافة، أولئك الذين في نهاية الساعة [نهاية العالم] سيمشون إلى أرض دابق"، وهو مكان في سوريا ستقع فيه معركة عظيمة ستقضي أخيرا على الصليبيين، وفقا لنبوءة الإسلامية.

إذا كان الصراع مع أيديولوجية داعش هو بالفعل ظاهرة الأجيال، فكما اقترح كبار المسؤولين الأميركيين، ربما سيكون أحد أولئك الأشبال على قائمة المستهدفين في السنوات المقبلة.