رأي.. "دعونا لا ننسى: الأسد هو المشكلة وليس الحل"

الشرق الأوسط
نشر
9 دقائق قراءة
رأي.. "دعونا لا ننسى: الأسد هو المشكلة وليس الحل"
Credit: KHALED FAZAA/AFP/Getty Images

كاتب المقال: نواف عبيد، أستاذ مساعد في مركز بيلفر للعلوم والعلاقات الدولية التابع لجامعة هارفارد، وباحث بارز بمركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية. (الآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر لـ CNN)

قامت الدول العربية التي تمثلها المملكة العربية السعودية، خلال لقاء الجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة، بتوضيح موقفها بأنها لن تتعاون مع التحالف الروسي العسكري الموجّه ضد تنظيم "داعش" (الذي يعرّف نفسه بصفة الدولة الإسلامية) وتقديم الدعم لنظام الأسد في سوريا.

التحركات العسكرية التي نفذتها روسيا مؤخراً، والتي اتجهت بمنحى مختلف عن استهداف التنظيم، إذ قامت بتصعيد خطورة النزاع السوري، لترجيح تحول الضربات ضد "داعش" إلى حرب بالمناوبة وعلى نطاق واسع.

ولكن ورغم أن السعودية وحلفاؤها يؤيدون هزيمة "داعش" وهم جزء من تحالف كبير تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد التنظيم، إلا أن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أعلن بوضوح أن الرئيس السوري بشار الأسد عليه التنحي عن منصبه، قائلاً: " .هناك خياران من أجل الوصول للتسوية في سوريا، أحدهما عملية سياسية يتم خلالها تشكيل مجلس انتقالي، والخيار الآخر خيار عسكري ينتهي أيضا بإسقاط بشار الأسد".

ومثلما وضحت الولايات المتحدة والمسؤولون العرب فإن مسؤولين إيران وروس التقوا سوياً خلال الأشهر الماضية، ليقدموا دعمهم العسكري للحفاظ على نظام الأسد الوحشي في سوريا.

وضمت موسكو اجتماعات رفيعة المستوى بين مسؤولين بالحكومة الروسية مع دبلوماسيين وعسكريين إيرانيين، كما أرسلت روسيا أحدث طائراتها النفاثة المقاتلة من طراز "SU-34" بالإضافة إلى مروحيات عسكرية إلى نقاط دفاع عسكري بمدينة اللاذقية، والتي تعتبر مركز قوة لعائلة الأسد وطائفته العلوية، كما أرسلت روسيا طائرات مراقبة دون طيار، بالإضافة إلى إرسال قوات من الحرس الثوري الإيراني إلى روسيا.

ومع التطورات الأخيرة، يبدو من الواضح بأن السعوديين سيجبرون على قيادة تحالف من الدول لشن ضربات عسكرية جوية مضادة للقوات السورية وحزب الله والمقاتلين الإيرانيين، وذلك لدعم سقوط نظام الأسد ومساعدة دخول القوات المعارضة له إلى دمشق.

وقد واصلت السعودية مطالباتها بتدخل المجتمع الدولي منذ بداية النزاع السوري ومن دون فائدة ترجى، أما الآن وبعد النجاح الذي تحققه العمليات العسكرية التي تقودها السعودية لانتزاع عدن وجنوب اليمن من الحوثيين وعلي عبدالله صالح ومقاتلي حزب الله، فإن المملكة تدرك بأنه قد يتوجب عليها مجدداً أن تتصرف بنفسها مجدداً، بالأخص مع الدعم الروسي للنظام السوري، الذي تدخل خشية تحكم الإسلاميين المتشددين على البلاد التي تشكل نقطة مركزية وحيوية في المنطقة، أما السعودية فترى بأن زوال النظام السوري يعد نقطة بداية محورية لاستعادة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وبالعالم العربي.

كما أن الوضع على أرض الواقع يوفر فرصاً سانحة لشن هجمات جوية يمكنها أن تساعد أكبر قوتين معارضتين للاستعداد وفرض سيطرتها على دمشق، وتغيير كافة مسارات هذه الحرب، وهاتان القوتان المتمثلتان بـ "جيش الفتح" بالشمال و"الجبهة الجنوبية" في الجنوب، تعتبران قوتان متمركزتان بشكل ثابت بالبلاد كما أنهما خاضتا معراك قاسية عدا عن تسلحهما بشكل كافٍ لتنفيذ العمليات البرية، كل ما تحتاجهما هو توفُّر دعم جوي لإضعاف ما تبقى من كتائب جيش الأسد وقواته الدفاعية وعناصر إيران وحزب الله، بالإضافة إلى وقف الطائرات السورية (وعلى الأرجح الروسية الآن) من إسقاط براميلها المتفجرة القاتلة، وبمثل هذا الدعم ستتمكن هذه التحالفات من الوصول إلى دمشق وفرض السيطرة لوحدها.

وهنالك الكثير من الدول العربية وغير العربية، مستعدة تماماً للتدخل تحت قيادة السعودية، من بينها تركيا والإماران وقطر والبحرين والسودان والمغرب والكويت، كما أن باكستان وماليزيا أظهرتا جديتهما بالدخول لمثل هذه التحالفات، وقد دخلت هذه الدول العربية (من ضمنها باكستان) تجربة مكثفة بقواتها بعد انضمامها للتحالف الذي تقوده السعودية لتحرير جنوب اليمن، وفي الحقيقة يستمر هذا التعاون خلال محاولة إنهاء وجود الحوثيين والمقاتلين الموالين لصالح من آخر معاقلهم باليمن، ولهذا فإن العمل سوياً في سوريا سيشكل توسعاً لسلسلة قيادية تم تجربتها من قبل، أما مصر والأردن يبقيان عنصرين غائبين عن القائمة، لتوضيح بأن موقفهما تجاه ما يحصل بالوضع السوري يبقى غامضاً.

وستلعب القوات الجوية الملكية السعودية دور القائد التكتيكي وستوفر معظم الطائرات والمصادر، ففي الحملة اليمنية، ساهمت هذه القوات بتزويد التحالف بمائة طائرة مقاتلة، ونفذت ما يقارب 90 في المائة من الطلعات الجوية.

وبالنسبة لسوريا فإنه يتوقع من المملكة، التي تمتلك أفضل المعدات العسكرية على الصعيدين الخليجي والعربي، أن تقدم مائة طائرة أخرى من أسطولها العملاق، من ضمنها أحدث وأفضل ما قدمته بوينغ من طراز "154 F15SA" و"70 F15C/Ds" و"80 Panavia Tornados" بالإضافة إلى "72 Eurofighter Typhoons"، وستعمل قوات التحالف الأخرى على تزويد مائة طائرة أخرى من ضمنها "F16" ستوفرها تركيا والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والكويت (قد تدخل ماليزيا وباكستان ضمن قائمة المزودين أيضاً)، كما ستوفر الإمارات وقطر طائرات "Mirage" المقاتلة، وقد تخرج قوة جوية من الطائرات بدون طيار لتحلق فوق سوريا.

الدخول إلى سوريا لمساعدة القوات المعارضة للأسد جواً، يشكل تفسيراً للمحور الذي طورته القوات السعودية خلال السنوات الأخيرة، إذ تطلبت الأوضاع التي سميت بالربيع العربي أن تزيد المملكة من عدتها العسكرية، هذا بالإضافة إلى امتناع الولايات المتحدة وأوروبا من التدخل بشكل قاطع باليمن وسوريا والعراق، وأحد أساسات هذا المحور المتنامي هو عرض القوة، الذي يعتمد بدوره على ثلاث استراتيجيات.

أولاً: يستمر السعوديون بتوسعة قدراتهم والتركيز على تشكيل تحديث المنظومة العسكرية وتحديثها، من ضمنها التكنولوجيا المستخدمة والأسلحة والتركيز على البرامج التدريبية للقوات وتوظيف المدربين المؤهلين.

ثانياً: السعوديون سيحافظون على علاقاتهم الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وأوروبا، لكنهم بالوقت ذاته سيبعدون أنفسهم عن السلبيات المشتركة بينهم وبين حلفائهم الدوليين ليركزوا على التدخل السريع بالدول لمضطربة وتحويل مجريات العنف، بالإضافة إلى تقديم الدعم العسكري والاقتصادي، وأخيراً: ترتبط السعودية بالدين الإسلامي وتلعب المملكة دور القائد للعالم العربي، إذ يرى السعوديون بأنه من دورهم الشرعي يفرض عليهم تولي قيادة الحلفاء وأخذهم لساحة المعركة عندما تضطرب الأمور.

لكن السعوديين يعلمون بالوقت ذاته بأن بناء تحالف يعتبر مفتاح الأساس لنجاحهم ضد العديد من النزاعات والتحديات التي تخوضها المنطقة، لهذا السبب أيضاً يخططون صوب ما أسموه "القيادة العسكرية الخليجية الموحدة" والتي ستساعد في الحفاظ على هندسة عسكرية ثابتة للأمن العربي.

 كما أن الدول المذكورة سابقاً تعتبر الحليفة الرئيسية لمثل هذه السلسلة العسكرية، ويوفر تعاونها أفضل الطرق للوقوف بوجه إيران التي تزداد عداوتها تدريجياً، خاصة بعد الاتفاق حول برنامجها النووي وتدخلها المستمر بالقضايا الحساسة التي تمس المنطقة، فإن الوقت الحاضر يدفع بشدة إلى تحالف عربي بقيادة سعودية وبشكل أكبر من أي فترة مضت.

أما التدخل المتزايد لروسيا بالتعاون مع إيران والأسد باسم القتال ضد "داعش" يدعو للقلق ويزيد من تعقيد الأمور بالشرق الأوسط، وفي جميع الأحوال، من الواضح بأن أبرز القوى العربية بالمنطقة، بقيادة السعودية، لا يمكنها أن تتابع المشهد من وراء الصفوف، وأن توفر الفرصة أمام روسيا لتغيير مجريات الأحداث وفقاً لشروطها، هذا كله بعد مقتل أكثر من 300 ألف شخص وتشريد أربعة ملايين سوري منذ بدء الحرب.

يجب تدمير "داعش" ولكن هذا لن يحصل إلا إذا تنحى الأسد عن منصبه، لهذا فمن المرجح أن نرى بالمستقبل القريب تحالفاً سعودياً مخصصاً للدخول إلى سوريا وتوفير الغطاء الجوي للقوات المعارضة للأسد، والتي يمكنها أن تكسر النط الذي تسير فيه هذه الحرب، وعلى أمل وضع حد لها.