جميل مطر يكتب: آن للحكام العرب أن يدركوا أن مصائر دولهم في مهب الريح

الشرق الأوسط
نشر
9 دقائق قراءة
تقرير جميل مطر
جميل مطر يكتب: آن للحكام العرب أن يدركوا أن مصائر دولهم في مهب الريح
العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يستقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مطار الرياض الدوليCredit: FAYEZ NURELDINE/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم جميل مطر، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

    لا يخالجنى شك فى أننا نعيش أردأ مراحل التاريخ العربى الحديث. كانت مرحلة الاستعمار العثماني سيئة وتجاوزناها إلى مرحلة الاستعمار الأوروبي وكانت أيضا  سيئة. هذه أيضا تجاوزناها إلى الاستقلال . ورثنا عن الغرب لبعض الوقت فكرة الدولة القومية  وألقينا جانبا القيم الطيبة في حضارة الغرب وسلمنا أنفسنا لرجال مستبدين ومؤسسات تسلطية. كانت مرحلة الهزيمة العسكرية رديئة ولكننا تجاوزناها بأداء جيد أعاد فتح شهيتنا لتحقيق انجازات أخرى، تحقق منها القليل وتباطأنا فى تحقيق الكثير ــ عشنا بعدها نجتر تداعيات الهزيمة حتى نسينا ان نصرا ما تحقق. انتصرت الهزيمة فى النفوس وانهزم النصر فى الأداء.

                                 ***

      المرحلة الراهنة هي الأردأ، ليس فقط لأن الأداء الجماعى للدول العربية ظل يتردى ويتردى حتى انفض العالم عن الاهتمام بقضايانا وأوضاع شعوبنا وحقها في العيش الحر والكريم  ولكن أيضا لأن هذا العالم صار في حالا ت كثيرة يتعامل معنا كما يتعامل مع مصادر الأوبئة وفي أحسن الأحوال يتعامل معنا كقُصّر أو ناقصي أهلية.  نحن أنفسنا وفي داخلنا انفض شملنا وانتفض أكثرنا ضد حكام من بيننا وأوضاع ظالمة ولا مساواة رهيبة . تعمقت مشاعر عدم الثقة بين النخب العربية الحاكمة ونراها الآن تتسرب بفعل فاعلين إلى الشعوب.

                              ***

  لم يحدث فى تاريخها أن عوملت جامعة الدول العربية من جانب أعضائها،  أو معظمهم، بهذه الدرجة من اللامبالاة والسلبية، وفى أحيان كثيرة بقدر غير قليل من العداء.  ألقى البعض مرارا باللوم  على إدارتها وقياداتها وهي الإدارة والقيادات التي تختارها الدول الأعضاء وتعينها.  حقيقة وللأمانة لم أعرف إدارة تولت مسئولية الجامعة العربية ولم تقترح   على الدول  خططا للإصلاح والتكامل وتحسين الأداء. وفي كل مرة  كانت الدول  تسفه هذه الخطط وتوظف مندوبيها للسخرية منها وإحباطها. جرت عادة بعض الإعلاميين والسياسيين العرب على إلقاء اللوم  على الدول الأقوى نفوذا فى الجامعة وفى الإقليم، كانت مصر في وقت من الأوقات صاحبة القسط الأكبر من اللوم ، وحين تغيرت مواقع القوة ودرجات النفوذ حلت المملكة السعودية محل مصر فحصلت ، بين ما حصلت عليه، على  هذا القسط الوفير من اللوم. المؤكد  لدى المتخصصين هو أن التغيير المنشود  لم يتحقق  بل يتسارع تدهور العمل العربى المشترك، ودليلنا هو الفشل الرهيب فى محاولة جديدة لإقامة نظام أمن إقليمى عربى، والفشل الأعظم فى محاولة أخرى جديدة لصياغة سياسة عربية خارجية موحدة. سمعتنا في العالم سمعة إقليم تتنافر مكوناته وتتحارب ، إقليم منشغل بالظلم الاجتماعي وانتهاك الحقوق الانسانية واستيراد آلات الحرب والقتل وتصدير الإرهاب والتشدد الديني.. والنفط.

                             ***

    الأداء الجماعي العربي سيء ، السيء أيضا وربما أشد سوءا هو أداء  الدول العربية من خلال علاقاتها الثنائية. على من نلقى باللوم؟ هل نلوم  مؤسسات وطنية  ونتهمها  بالتقاعس والإهمال، أو نفعل ما تفعله أجهزة الأمن في معظم الدول العربية فنتهم قادة النخب السياسية والمثقفة بالخيانة والعمالة والانصياع لأهداف مؤامرات دولية. حكوماتنا مطلقة ونفوذها لا يرد، وبالتالى تستطيع لو خلصت النوايا وتوفرت إرادة التقدم والاقتناع بجدوى التكامل وتحقيق السلم الاقليمي والاهتمام بتنشيط العلاقات الثنائية ، تستطيع سد بعض الثغرات في هذه العلاقات.

                      ***

   أنا شخصيا وزملاء كثيرون نعتقد أن الفوضى الأخلاقية الناشبة فى قطاع الإعلام فى معظم الدول العربية، يمكن وقفها، أو على الأقل ضبطها وتنظيمها لمصلحة سمعة النخب الحاكمة ومستقبل الشباب الذين اختاروا الإعلام مهنة لهم. ما زلت، رغم السنوات العديدة التى قضيتها فى رحاب هذه المهنة أو قريبا منها، لا أفهم السر وراء هذه الموهبة الخارقة التى تتوفر لبعض الإعلاميين العرب ، موهبة النفاق المتنوع والكذب ولي الحقائق، ولكن الأدهى فى نظرى، قدرتهم الهائلة على بث الوقيعة أو تعميقها بين الشعوب العربية، وليس فقط بين الحكومات. أعجب لحجم التناقض الذى يعشش فى عقولهم، تراهم اليوم يمدحون هذه الدولة أو تلك وقبل أن ينتهي اليوم يكونوا قد أبدعوا في إعلان كراهيتهم لها قيادة وحكومة وشعبا. يتوددون حينا وينفرون فى الحين التالى مباشرة، البعض منهم لا يخجل من أن يمد يديه إلى ممثلى دولة ارتزاقا، وبعد أيام يترك قلمه أو لسانه  يقطر سما ضدها. آخرون قد لا يمدون الأيادى ولكنهم، وللأسف، قرروا ان يسلموا أنفسهم روحا وجسدا وعقلا لأجهزة تلقنهم ما يكتبون أو يقولون. أعرف حاكما عربيا دافع عن إعلاميين من المرتزقة  قائلا ان ما يحصلون عليه من الخارج يتم بإذنه، فإذا لم يأذن لن يأخذوا.  بمعنى آخر، هو فى النهاية العاطى المانح وفى الوقت نفسه هو المانع إن أراد.

                              ***

    لا أبرئ القيادات الحاكمة فى بلادنا العربية من مسئولية الفوضى الأخلاقية فى الإعلام العربى، وبالتالى لا أعفيهم من مسئولية تدهور العلاقات بين الشعوب العربية. آن لهذه المرحلة الرديئة ان تنتهى. آن للحكام العرب أن يدركوا أن مصائر دولهم وشعوبها فى مهب الريح. آن أن يدرك الجميع ان يعرفوا ان أحداث الخمس سنوات الماضية لم تكن  سوى تجربة مهذبة وناعمة إذا قورنت  بما يمكن ان تحمله لنا السنوات القليلة القادمة . لا سبيل أمامنا  لوقف التردى إلا  الاعتراف بسوء الحال وإصلاحه بسرعة وكفاءة،  ولا سبيل أمامنا للتمهيد لهذا الانتقال  إلا بإصلاح قطاع الإعلام وتطهير لغته وتحسين منظومة أخلاقه وسلوكياته. لا أعرف لماذا لا يحق لي أن أناقش السلوكيات الخارجية، بل والداخلية أيضا، لحكومة في دولة عربية أخرى بنفس الموضوعية والحرص والشعور القومي الذي أناقش في إطاره سلوكيات حكومة الدولة التي أنتمي بجنسيتي لها. لماذا لا يحق لي أن  أفعل هذا من دون أن يجري اتهامي بالعمالة أو الخيانة أو التعالي على شعب عربي آخر.كيف أتعالى أنا أو أي إعلامي عربي على شعب نعلم علم اليقين أنه مغيب عن واقع السياسة وغير مشارك فيها وغير مسئول عن تقصير وانحرافات حكومته.

                         ***

  أنهي كلامي باستئذان الأستاذ داود الشريان لاقتباس السطور التالية  من مقال نشرته له  الزميلة " الحياة" :   «هل ننتظر ونرى ما لا يسرنا، أم نتحرك كشعوب وحكومات ونفتح حوارا رشيدا، ونعاود النظر فى رؤيتنا وأساليب تعاملنا مع قضية الإرهاب ونسن قوانين تجرم الطائفية والمذهبية، وتلجم أساليب التحريض والشماتة وتمجيد التطرف والعنف والبطولات المتوحشة والوهمية، ونحمى دولنا من التعدى على مواطنيها والحس بسيادتها..».

   لم أجد ما يمكن أن اختلف عليه مع الزميل السعودي، ولم أجد ما يمكن أن أضيفه