معتز سلامة يكتب عن السعودية وروسيا.. والتقاطع الاستراتيجي في سوريا

الشرق الأوسط
نشر
8 دقائق قراءة
معتز سلامة يكتب عن السعودية وروسيا.. والتقاطع الاستراتيجي في سوريا
وزير الخارجية السوري وليد المعلم ونظيره الروسي سيرغي لافروف في نهاية مؤتمر صحفي في موسكوCredit: VASILY MAXIMOV/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم معتز سلامة، رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

منذ الأشهر الأولى للأزمة السورية في 2011 حددت السعودية هدفها في المطالبة برحيل الرئيس بشار، واعتبرته جزءا من المشكلة لا الحل، وأكدت أنه لا دور له في مستقبل سوريا. ولأجل تحقيق هذا الهدف سلكت المملكة كل المسالك، بما في ذلك تقديم الدعم لجماعات المعارضة المسلحة، والتصدي لكل القوى والمشروعات التي تريد إعادة بشار وتقديمه إلى العالم كجزء من المستقبل السوري، وليس من قبيل المبالغة القول بأن الموقف السعودي من بشار أصبح العائق الدولي الأهم أمام استمراره في الحكم.

لكن خلف التمسك بإزاحة بشار، يتوارى الهدف السعودي الأساسي، وهو إبعاد سوريا عن دائرة النفوذ الإيراني، وإغلاق الباب أمام إمكانية توسع دور إيران وامتداده. فبالنسبة للسعودية تشكل الجمهورية الإيرانية الخطر الأشد والهاجس الأساسي، وترى أنها إذا تمكنت من سوريا فإنها سوف تقيم الهلال الشيعي الذي سيطلق كتلة غضب ونار مذهبي تصب جام غضبها على دول مجلس التعاون الخليجي، ومن ثم بدلا من أن تقتصر المواجهة السعودية على إيران، سيحاط الخليج بحزام وتكتل إقليمي معاد ولن يقتصر هدفه على حماية ذاته، وإنما سيشكل رأس حربة ضد دول المجلس وسيعمل على تثوير الجماعات الشيعية الداخلية ومناصبة أنظمة الحكم العداء.

لذلك فإن تمسك السعودية بالإطاحة ببشار، هو موقف يتوارى خلفه باقي الأهداف السعودية، حيث أن هناك مجموعة من الأهداف التي تعتقد المملكة بأنها ستتحقق تلقائيا بمجرد تحقيقه، بل بمجرد إعلان النظام في دمشق اعتزام رحيل الرئيس.

***

وعلى الرغم من أن التدخل العسكري الروسي يبدو في الظاهر ضد الموقف السعودي، فإنه حقق خدمات أساسية للمملكة من عدة زوايا، منها ما يلي.

1.       تحريك الخطاب الدولي بشأن رحيل الأسد: فحتى الآن لم يتبلور موقف دولي قوي بشأن مستقبل بشار الأسد، والخطاب الأمريكي متفاوت وغير قاطع في ضوء التصريحات الكثيرة والمتضاربة للإدارة، وهنا أدى التدخل الروسي إلى طرح الموقف السعودي على الطاولة مجددا، وفرض على أنصار المملكة الدوليين الاصطفاف معها حول هذا المطلب.

2.       قطع الطريق على الاستفراد الإيراني: هناك تباينات هيكلية مقبلة بين الموقفين الروسي والإيراني، تجعل الموقف الروسي يقترب من السعودي، إذ يتفق البلدان حول الإبقاء على سوريا موحدة، وهو ما يصب في المصلحة السعودية، في منع تشكل سوريا إيرانية أو شيعية، وذلك على خلاف السياسات الإيرانية الممارسة على الأرض

3.       شرعنة المعارضة وتسريع الحل السياسي: لم يكن في حسبان المملكة أن تمتد الأزمة السورية لـ 5 سنوات، وكانت التقديرات الخليجية منذ 2011 تشير إلى قرب سقوط الأسد في خلال أسابيع أو أشهر. وبالتدخل الروسي في 2015 تسارعت خطوات الحل السياسي وأصبحت فصائل المعارضة المسلحة الذين دعمتهم المملكة شركاء على مائدة التفاوض (مؤتمر الرياض الجاري).

4.       وقف ابتزاز المملكة من الفصائل المسلحة: أدت السنوات الخمس 2011 – 2015 إلى اختلاط قوى الجهاد والثورة بالقوى المعتدلة بقوى الإرهاب في سوريا، وقد تعرضت السعودية لهجمات دولية شديدة في الأشهر الأخيرة بسبب ذلك، ويساعد التدخل الروسي على إجلاء موقف المملكة واختصاره في مطلبها الواضح وهو إنهاء حكم بشار، وإنهاء مسلسل الاتهام بدعم الجماعات المتطرفة.

لذلك على الرغم من الاختلاف في الموقف السعودي مع روسيا بشأن سوريا، إلا أن هناك فوائد حققتها السعودية من هذا التدخل (على الأقل حتى الآن)، ويبدو أن تصور المملكة لمستقبل علاقتها الاستراتيجية مع روسيا يفرض عليها تقليص الخلافات معها؛ فالتصور السعودي لا يستهدف فقط التفكير في روسيا كشريك اقتصادي، وإنما كشريك مستقبلي في أمن الخليج وفي ضبط التوازن في العلاقة مع إيران، وذلك في ضوء تراجع الشراكة الخليجية مع الولايات المتحدة، وبوادر أفول العصر الأمريكي في الخليج، وملامح التقارب الغربي مع إيران. وهذا التفكير من المرجح أنه يدور في دوائر النخبة والحكم في المملكة، وليس في الوسط الاجتماعي المعادي والرافض لروسيا (الشيوعية الملحدة)، وبالتأكيد سوف يأخذ أي مشروع للشراكة بين روسيا ودول الخليج العربية فترة طويلة قد تمتد لعقود لأنها تحتاج -فيما تحتاج إليه- إلى تمهيد التربة الداخلية السلفية والأصولية للشريك الروسي، الذي توجهت صوبه منصات العداء الجهادية الخليجية سابقا في ساحات أفغانستان والشيشان.

لذلك، على الرغم من التدخل العسكري الروسي في سوريا فلم ينعكس ذلك على مستوى التقدم في علاقات المملكة بروسيا، ما بدا من موقف المملكة المتوازن من حادث إسقاط تركيا للطائرة الروسية، حيث اكتفى وزير الخارجية السعودي بدعوة تركيا وروسيا للتحلي بضبط النفس. كما أن التدخل الروسي لم يحل دون عقد اللجنة السعودية - الروسية المشتركة دورتها الرابعة ومنتدى الأعمال والاستثمار السعودي الروسي في موسكو في نوفمبر 2015، والذي جرى خلاله التوقيع على اتفاقات ومذكرات تعاون عديدة في مجالات متنوعة، وإبرام اتفاق لإنشاء صندوق استثماري بقيمة 4 مليارات دولار. وهو ما يعني أن التفكير السعودي في روسيا يتجاوز الموقف الروسي من سوريا، وربما يهدف لتشجيع روسيا على تبني موقف المملكة من الأسد، وأن تصبح قوة توازن وتحالف إقليمي إن لم يكن كبديل عن الغرب في أمن الخليج، فعلى الأقل كقوة توازن مع الغرب في حالة ازدياد التقلب في مواقف "الحليف العازف" (الولايات المتحدة).

***

وفي الأخير، تشير تطورات المشهد السوري إلى أن السعودية وروسيا مرشحتان لعمل كبير في سوريا بعد التخلص من عقدة بشار، هناك جبل من قضايا العمل المشترك في سوريا، لكن يحد من ذلك أن الصراع الدولي في سوريا لا يقتصر على روسيا والمملكة، كما أن هناك عشرات القوى الجهادية - الإرهابية التي ترعرعت في سوريا، ولا يعرف إلى أي ميدان تتجه بمعاركها التالية، وهو ملف يحتاج ليس فقط لتعاون روسي سعودي كثيف، وإنما لخطة عمل وتحرك دولية أكبر وأشمل.

والمؤكد أنه وسط كل تلك التناقضات، هناك خط استراتيجي للمصالح في سوريا، تتقاطع فيه مواقف مصر والسعودية ودول الخليج وروسيا، ويرجح أن تتمكن هذه الدول -لو اتفقت على تسوية ما- أن تفرضها في سوريا، ليس لأنها لديها كل قدرات وإمكانات الفعل، ولكن لأن لديها على الأقل التوليفة الأقوى والقوة المعنوية والسياسية التي تمكنها من أن تشكل رأس الحربة في جهد دولي أكبر لاستعادة سوريا، وانتشالها من المشروع الإيراني الأكبر، الذي تراه دول الخليج العربية الخطر الأساسي عليها.