عمر الشنيطي يكتب: السعودية تتغير ومعها المنطقة

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
عمر الشنيطي يكتب: السعودية تتغير ومعها المنطقة
العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود يصل إلى انقرة للقاء الرئيس التركيCredit: ADEM ALTAN/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم عمر الشنيطي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

على الرغم من حداثة تأسيسها إلا أن السعودية تعتبر دولة محورية في المنطقة حيث أنها أكبر دولة في مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى أن للسعودية أهمية خاصة نظرا لوجود بيت الله الحرام بها والذي يحج الناس إليه كل عام. اقتصاديا، تعتبر السعودية من أكبر منتجي البترول في العالم حيث تنتج قرابة ١٠ ملايين برميل يوميا وهو ما يزيد عن ١٠٪ من الإنتاج العالمي. إنتاج البترول الهائل جعل للسعودية مكانة هامة في الاقتصاد العالمي حيث أن حجم إنتاج السعودية يعتبر عاملا رئيسياً في تحديد سعر البترول، وهذا ما مكنها من جنى ثروات طائلة على مر العقود الأخيرة تقدر بمئات المليارات من الدولارات. لكن السعودية ذات التأثير العالمي ظلت دولة محافظة داخليا وكذلك دولة لا تتقبل التغيير إلى حد كبير طوال العقود الماضية.

لكن العام الماضي شهد تغيرات كبيرة في المملكة. فعلى الصعيد السياسي، تولى الملك سلمان زمام الأمور وتم تغيير ولاية العهد بين عشية وضحاها ليصعد إلى طليعة الصفوف جيل جديد سنا وفكرا. وسرعان ما انعكس ذلك التغيير على مواقف المملكة الخارجية والتي تغيرت لتكون أكثر حسما تجاه إيران وحلفائها في المنطقة، فإذا بالسعودية تتدخل عسكريا لحسم الوضع في اليمن وكذلك تلوح بالتدخل في سوريا ما لم يتم حسم القضية، كما قطعت السعودية مساعداتها مؤخرا عن لبنان كرد سياسي لممارسات اعتبرتها ضد مصالحها. السعودية والتي لم تكن لاعبا عسكريا بشكل مباشر في المنطقة أعلنت العام الماضي عن قوة عربية مشتركة وكذلك عن تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب، فيما توسعت بشدة في تدريب وتسليح جيشها.

على الصعيد الاقتصادي، واجهت السعودية عجزا كبيرا في الموازنة وصل لقرابة ١٠٠ مليار دولار في العام الماضي وهو ما تطلب إجراءات اقتصادية صارمة. تلك الإجراءات شملت رفعا لأسعار الطاقة وخفضا لمخصصات المؤسسات المختلفة والتوسع في سعودة الوظائف، بالإضافة لاستعادة جزءا من استثمارات المملكة في الأسواق العالمية وطرح سندات حكومية للاقتراض في وقت تصاعد فيه العجز وانخفض احتياطي النقد الأجنبي. بجانب تلك الإجراءات السريعة، شرعت الحكومة في تطبيق برنامج تحول اقتصادي لإعداد الاقتصاد لعصر ما بعد النفط بالاعتماد على القطاع الخاص كقاطرة للتنمية وتوسيع سوق المال وطرح جزءا من شركة أرامكوا والتي تعتبر أكبر شركة لإنتاج النفط عالميا بل أيضا أكبر شركة من حيث القيمة والتي قد تصل لعدة تريليونات من الدولارات مما يتيح للمملكة تأسيس صندوق سيادي بقرابة ٢ تريليون دولار.

***

بلا شك أن السعودية تشهد تحولا كبيرا يفوق توقعات غالبية المحللين وهو ما يشير إلى الدور الكبير الذي تلعبه السعودية في المنطقة مؤخرا. ويمكن تحديد عاملين رئيسين وراء هذا التحول. الأول هو تغير السياسة الأمريكية تجاه المنطقة. فبعد عقود من الإمساك بأوراق اللعبة الأساسية، تقلص الدور الأمريكي في المنطقة مؤخرا بل وبدا واضحا رغبة أمريكا في تغيير استراتيجي في المنطقة بإتمام الاتفاق النووي مع إيران رغم اعتراضات السعودية. كما أن أمريكا في عهد أوباما ليس لديها الرغبة في التدخل عسكريا في صراعات المنطقة الملتهبة. أما السبب الثاني فيعود للانخفاض الحاد في أسعار البترول والذي جاء بعد فترة ممتدة من الأسعار المرتفعة. ذلك الانخفاض كان حادا وكذلك استمر لفترة طويلة حتى أن الأسعار مازالت عند ثلث مستواها منذ عامين.

التغيرات التي طرأت تجعل السعودية اليوم تختلف عن السعودية التي اعتدنا عليها لعقود. وسيكون لتلك التغيرات أثرا على مصر بعدة أوجه. الأول، أن السعودية ستقود المنطقة أو على أقل تقدير ستشارك مصر زمام القيادة ولن تكتفي بالمقعد الخلفي مستقبلا. الثاني، أن أولويات السعودية فيما يخص مواجهة تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة ستطغى على باقي القضايا بما فيها قضايا السياسة الداخلية. الثالث، أن السعودية لن تقدم منحا سخية لمصر مرة أخرى بل سيكون دعمها في صورة استثمارات في مشروعات مجدية ماليا أو قروض مضمونة العائد بعد انخفاض أسعار البترول وانحصار الفوائض المالية. الرابع، أنه سيكون على الحكومة المصرية المضي قدما بتطبيق إجراءات اقتصادية تقشفية صارمة أسوة بما تفعله السعودية لتقليص عجز الموازنة وهو ما يعني المزيد من التضخم والتدهور للوضع الاجتماعي.

وقد تكون زيارة الملك سلمان الأخيرة لمصر دليلا على ذلك التحول. فتلك الزيارة التي تعتبر تاريخية من حيث مدتها وبرنامجها، بالإضافة لتوقيع العديد من الاتفاقات بين البلدين توضح توسع النفوذ السعودي بشكل كبير. فعادة ما تأخذ الخلافات الحدودية عقودا لتسويتها إلا أن الخلاف على جزيرتي تيران وصنافير تم تسويته بشكل غير تقليدي. كما تحول الحديث لتهديدات إيران للمنطقة وأهمية التحالف بين مصر والسعودية في وقت تواجه فيه مصر مشاكل سياسية وأمنية واقتصادية ولا تحتاج لمواجهة أخرى مع إيران سواء بشكل مباشر أو بالوكالة. أما اقتصاديا، فكان متوقعا الإعلان عن دعم مباشر لتعزيز الاحتياطي والدفاع عن الجنيه وهو ما لم يحدث. وعلى الرغم من التوقيع على اتفاقات عدة من شأنها أن تساعد على تدفق العملة الصعبة مستقبلا مثل إنشاء صندوق مشترك للاستثمار واتفاق لتوريد مواد بترولية ودفعها آجلا إلا أن السوق الموازية للعملة لم تتفاعل على الإطلاق مع ذلك وهو ما يعكس قناعة المتعاملين في السوق على أن تلك الاتفاقات لن ينتج عنها تدفقات سريعة وأن عصر المساعدات الخليجية السخية قد ولى.

***

العلاقات بين مصر والسعودية قوية وممتدة لكن السعودية تتغير بشكل سريع سياسيا واقتصاديا ويتسع نفوذها إقليميا بشكل كبير في محاولة منها لمواجهة تمدد النفوذ الإيراني. الدعم السعودي لمصر هام جدا ومما لا شك فيه أنه يمثل حجر الزاوية لمنع انهيار الاقتصاد المصري الآيل للسقوط لكن ذلك الدعم لا يأتي مجانا وبدأ يظهر مؤخرا أن تكلفته السياسية ليست قليلة مما يجعل من الحكمة إعادة النظر في تصور إدارة الاقتصاد والاعتماد على حلول جذرية لإعادة تدوير عجلة الاقتصاد بدلا من الدعم الخارجي الذي يلعب دور المسكن قصير الأجل لكن تكلفته السياسية وربما العسكرية طويلة الأجل.