رأي: الاحتفال بزوال داعش سابق لأوانه.. التنظيم قد يموت لكن أسباب ظهوره باقية وتتمدد

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة

مقال للزميل بن ويدمن، كبير المراسلين الدوليين لدى CNN والذي يتخذ من روما مقرا له. ويدمن تكفّل بتغطية قضايا الشرق الأوسط لصالح شبكة CNN منذ عام 1994 وقد عاش لسنوات طويلة فيها واستقر في بلدان المنطقة منذ عام 1974.

(CNN) -- لا تفرحوا بمزاعم أن داعش على حافة الهزيمة. فالتربة السامة المظلمة التي أنجبت عشرات الآلاف من المتطرفين في العراق وخارجه لم تفقد خصوبتها.

منذ عدة سنوات، في التسعينيات، عندما كان صدام حسين لا يزال مسيطراً على العراق، كان أحد مسؤولي وزارة الإعلام والثقافة يطلب حضوري لمكتبه باستمرار لتناول الشاي وسماع خطبة عنيفة. في بعض الأحيان كانت الخطبة بشأن تغطيتنا، لكنه في كثير من الأحيان كان يتحدث بغضب عن الولايات المتحدة والسياسة الغربية بشأن العراق.

مرة قال لي: "في يوم من الأيام، سيأتي جيل جديد من العراقيين بكراهية لن تستطيع تخيلها. نحن العراقيون الأكبر سناً لا زال لدينا ذكريات إيجابية عن الغرب، ولكنهم سيمتلكون الكراهية فقط. تذكر كلماتي."

هذا المسؤول، عدي الطائي، كان رجلا ذكيا وعليما، بليغا في الإنجليزية والفرنسية، وكان قد خدم في السلك الدبلوماسي العراقي في أوروبا.

ويلات سنوات العقوبات

كان هذا في الوقت الذي كان العراق يرزح تحت ظل العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة بعد غزو الكويت عام 1990.

وبعد ذلك، كان القائمون على الإعلام العراقي يحرصون دائماً على أخذنا إلى مستشفيات البلد المحطمة والمزدحمة ليرونا الأطفال الرضع وهم يعانون ويموتون من سوء التغذية والمرض.

01:42
بالفيديو: الجيش العراقي يتجه نحو معركته الأخيرة ضد داعش.. الموصل

تقدر الأمم المتحدة أن أكثر من نصف مليون طفل لقوا مصرعهم نتيجة للعقوبات. يمكننا مناقشة الأسباب، لكن الأثر بالنسبة لملايين العراقيين العاديين كان مدمراً.

في بعض الأحيان كنا نتلقى دعوات لتغطية جنازات مروعة للأطفال الرضع ينظمها النظام.

كان خط من سيارات الأجرة المتهالكة والمطلية بالأبيض والبرتقالي يسير نحو مركز بغداد، بتوابيت خشبية صغيرة مربوطة بأسطحه وعليها لافتات خشبية تحمل اسم الطفل الميت مكتوبا بخط اليد، ملقية لوم موتهم على العقوبات.

على جانب الطريق، كانت النسوة يعمدن للندب وصفع وجوههن بشكل ايقاعي، وكان أطفالهن بجانبهن يشاهدون في صمت. في المرة الأولى، كنت متشككاً في المشهد وأصريت على فتح أحد التوابيت. بالداخل، وجدت جثة هامدة لطفل رضيع، ملفوفة بملاءة بيضاء.

ويلات سنوات العقوبات والعنف والاضطراب - التي تبعت غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة – تركت حقاً جرحا عميقا في جيل من العراقيين، الجيل الذي تقدم الآن في السن ووفر العديد من المجندين المستعدين للالتحاق بتنظيم داعش.

الثمار المرة للربيع العربي

غرف التعذيب في العالم العربي هي أكثر ازدحاما وانشغالا من أي وقت مضى. فبعدما هز ما أسميناه يوماً "الربيع العربي" بتفاؤل الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة بصورة مؤقتة (يرأس العديد منها "أصدقاء" للغرب)، الدرس الذي تعلمه الآخرون من الرحيل الدرامي للدكتاتوريين "الأكثر اعتدالا،" مثل رئيس مصر السابق حسني مبارك، هو أنه لا يمكن تحمل حتى أقل هامش من المعارضة.

فقد رحلت بهجة الحرية والتحرر السريع، وأصبحت ذكرى بعيدة تتلاشى. ويضحك الإدراك المتأخر على سذاجتنا. وكانت ثمرة الربيع العربي حالة من الفوضى والحرب وتشريد الملايين وسفك الدماء والطائفية وتجدد القمع.

اتجه أحد الشباب الثوريين في القاهرة، والذي عرفته منذ سنوات، إلى الحشيش والفن التجريدي. وقال لي مؤخرا: "الناشط الميت عديم الفائدة."

وجاء البعض الآخر باستنتاج آخر. أثبت فشل الربيع العربي والقمع المضاعف الذي تبعأن النظام السياسي في العالم العربي غير قابل للإصلاح، وأن أكثر الحلول تطرفا، وهو قيام خلافة بائسة ليست موجودة على أرض الواقع بالفعل، هو الحل. هذا هو المستقبل كما يتصوره داعش.

الذين يبحثون عن دلائل لعدم شرعية الدولة كما هي اليوم في العالم العربي لا يحتاجون أن يبحثوا كثيرا ليجدوا اثباتات.

المرض نفسه لا يزال موجوداً

نعم، قد يقول متفائل إن داعش يتراجع أو إن التصدي للتحدي جارٍ على الأقل. 

في العراق، قوات الجيش والقوى شبه العسكرية المؤيدة له، طردت داعش من تكريت وبيجي والرمادي، وتضرب المتطرفين في الفلوجة.

02:25
بالفيديو: ما مدى قرب داعش من السيطرة على النفط الليبي واكتساح سوقه السوداء؟

وفي ليبيا، دفعت قوات الحكومات المتنافسة في الشرق والغرب داعش إلى مشارف مدينة سرت. قبل أكثر من شهر بقليل، كان المتطرفون يتحكمون بحوالي 200 كيلومترا من الساحل الليبي.

وفي سوريا، استعادت قوات بشار الأسد تدمر بمساعدة القوة العسكرية الروسية، وفي الشمال، القوى الديمقراطية السورية المدعومة من الولايات المتحدة تثبت أقدامها بصورة منتظمة. ويقال إن داعش تعاني من حالات فرار وتصفيات داخلية ونقص بالأموال وضعف الروح المعنوية.

داعش، من أعراض مرض القمع العميق الجذور، وهو في طريقه إلى التدمير. ولكن المرض نفسه، لا يزال موجوداً