محمد أنيس سالم يكتب: تآلفات عربية أم معالم شرق أوسط جديد؟

الشرق الأوسط
نشر
12 دقيقة قراءة
تقرير محمد أنيس سالم
محمد أنيس سالم يكتب: تآلفات عربية أم معالم شرق أوسط جديد؟
جسر تم تدميره من قبل داعش مع تقدم المقاتلين الأكراد والعرب المدعومين من الولايات المتحدة الى معاقل التنظيم في منبج، بشمال سورياCredit: DELIL SOULEIMAN/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم محمد أنيس سالم، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، والآراء الواردة أدناه تعكس وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

انشغل الفكر الاستراتيجي علي مر التاريخ بفكرة الصراع بين الكيانات السياسية (قبائل ومدن ودول إلخ)، وما يرتبط بذلك من سعي كل طرف لتعزيز موقفه عبر التقارب مع طرف أو أكثر في تحالفات تتفق في أهداف محددة، قد تكون طويلة المدي أو مؤقتة، وقد تكون علنية أو سرية، كما قد تكون رسمية مكرسة في وثيقة أو أكثر، أو تكون ضمنية أو شفوية.

ويمكن القول بأن فكرة التحالف تتضمن وجود تعاون بين دولتين أو أكثر في المجال الأمني بحيث يعكس ثلاثة عناصر: أولها: هدف أو عدة أهداف واضحة، وثانيها: وجود التزام من جانب طرف واحد أو أكثر (مثلاً الالتزام بالتشاور أو بالدفاع المشترك) وثالثها: وجود طابع مميز للتحالف (عسكري أو دبلوماسي). باختصار فإن "التحالف" شكل من أشكال التعاون الأمني الصريح أو الضمني بين دولتين أو أكثر.

أما "التآلفات"، فيلاحظ الطابع المؤقت أو المدة الزمنية القصيرة نسبياً التي تعيشها هذه الترتيبات، ويرتبط بذلك ضعف أو غياب الجانب المؤسسي فيها، مع غلبة الطابع العسكري، وجنوحها لضم عدد كبير من الدول.

تجربة الحلف العربي

بعد الحرب العالمية الثانية، مرت المنطقة العربية بصراع حول مواقف دولها من الأطروحات الغربية الساعية لتكوين أحلاف عسكرية لتطويق الاتحاد السوفيتي (حلف بغداد، الحلف المركزي)، وبالمقابل طرحت تجربة التنظيم الإقليمي (جامعة الدول العربية) وبالأخص معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول جامعة الدول العربية (17/6/1950)، والتي ألحق بها برتوكول إضافي عام 1951 يقضي بتكوين هيئة استشارية عسكرية من رؤساء أركان حرب الدول المتعاقدة.

ويمكن لأي مراجعة سريعة لتجربة السبعين عاماً الماضية أن تخلص إلى تعثر كلا المقاربتين لتعزيز الأمن الإقليمي: فالمبادرات الغربية تحطمت على صخرة الحركة القومية العربية، بينما تعثرت اتفاقية الدفاع العربي المشترك أمام تعقيدات الصراع العربي– الاسرائيلي.

ورغم فشل المنظومة العربية في القيام بدور عسكري مؤثر في معظم  الأزمات التي مرت بالمنطقة، لا تزال الدول العربية تبحث عن آليات جديدة لتفعيل معاهدة الدفاع المشترك. ففي عام 2015 قرر مؤتمر قمة شرم الشيخ تكوين "قوة عربية عسكرية مشتركة للتدخل السريع"، وما لبث أن وضع رؤساء الأركان مشروع برتوكول لإنشاء هذه القوة، غير أن الموضوع "تأجل" في اللحظة الأخيرة بناء علي طلب سعودي سانده عدد من الدول الأعضاء (الكويت، الامارات، البحرين، قطر، العراق).

بالمقابل لابد من التوقف عند نموذج آخر للعمل العربى المشترك هو مجلس التعاون لدول الخليج العربية (تأسس عام 1981) الذى أنشأ العديد من آليات التكامل بين الدول الأعضاء فى المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية مع الاتجاه للعمل العسكرى المشترك فيما بعد عبر قرار إنشاء قوة مشتركة ("درع الجزيرة") مكونة من 10 آلاف عسكرى (عام 1984) ما لبثت أن ارتفعت إلى 30 ألف فرد. وفى مؤتمر قمة المجلس الثالث والأربعون (2013) تم الاتفاق على تكوين قيادة عسكرية موحدة لدول المجلس تتبعها قوة من 100 ألف عسكرى. ونذكر هنا تجربة مجلس التعاون لتكوين قوة مشتركة مع مصر وسوريا فى أعقاب حرب تحرير الكويت ("مجموعة إعلان دمشق") غير أن المشروع لم ينفذ، كما يلاحظ الاتجاه لجذب المغرب والأردن للمشاركة في مجلس التعاون ووجود مقترح بضم اليمن في مرحلة قادمة.

التآلفات

يمكن القول بأن التآلفات التى تضم دولاً تمتلك النية على القيام بعمل ما coalitions of the willing  قد أصبحت واقعاً يفرض نفسه على حساب نمط الأحلاف القديمة. والملاحظة الرئيسية هنا هى أن ظاهرة التآلفات قد تكاثرت بسرعة فى منطقة الشرق الأوسط.

 يلاحظ وجود عدة تآلفات صاعدة حالياً بين دول الشرق الأوسط أهمها.

.       التآلف الدولى ضد داعش: فى 11/9/2014 انضمت عشر دول عربية إلى هذا التآلف الذى تقوده الولايات المتحدة (السعودية، البحرين، مصر، العراق، الأردن، الكويت، لبنان، عمان، قطر، الإمارات العربية المتحدة). ويلاحظ المرونة الفائقة لهذا التآلف: ففى اجتماع المجموعة الذى عقد بتاريخ (2/6/2015) لم تحضر سوى 24 دولة من مجموع الأعضاء آنذاك (60 دولة)، وقيل أن هناك 9 دول فقط تأخذ هذا التحالف بجدية.

.       تآلف "عاصفة الحزم": فجر 24 مارس 2015، أعلنت السعودية والإمارات والبحرين وقطر والكويت أنها قررت "ردع عدوان الحوثى استجابة لطلب الرئيس اليمنى". وكانت عمليات "عاصفة الحزم" قد بدأت قبل ذلك بساعات بمشاركة الدول الخليجية الخمسة ومعها مصر والأردن والسودان والمغرب وباكستان، مع وجود تصريحات ورسائل إعلامية تشير لوجود مساندة أمريكية وبريطانية للعمليات العسكرية. وعاد البرلمان الباكستانى فاعترض على الانضمام لهذا التآلف وتمسك بالحياد.

.       التآلف الأمريكى – الخليجى: اجتمع الرئيس الأمريكى مع ممثلى مجلس التعاون فى كامب دافيد (14/5/2015) حيث عبروا عن التزامهم "بالشراكة الاستراتيجية" التى تجمعهم وأكدت الولايات المتحدة على سياساتها باستخدام جميع عناصر القوة لتأمين المصالح الحيوية ومواجهة أى عدوان خارجى ضد حلفائها، كما عبرت عن الاستعداد للعمل مع دول مجلس التعاون فى حالة أى عدوان أو تهديد لتحديد الإجراءات المناسبة بما فى ذلك استخدام القوة العسكرية. ومضى البيان الختامى للاجتماع فأشار لقيام "شراكة استراتيجية جديدة لتقرير التعاون الأمنى فى مجالات التسليح ومحاربة الإرهاب والأمن البحرى والدفاع الصاروخى والأمن الإلكتروني. ونص البيان على أن الأطراف سوف تعارض وتعمل سوياً للرد على "أنشطة إيران لبث عدم الاستقرار فى المنطقة".

.       تآلف 4+1:  تم الاتفاق على إنشاء هذا التآلف فى سبتمبر 2015 حيث يضم روسيا وسوريا وإيران والعراق مع انضمام حزب الله فيما بعد. ويهدف هذا التآلف إلى تبادل المعلومات حول "داعش" عبر غرفتى عمليات أحدهما فى دمشق والأخرى فى بغداد، ومع ذلك فمن الواضح أن التنسيق بين هذه الأطراف يتعدى هذا النظام ليشمل العمليات العسكرية التى يقومون بها على المسرحين السورى والعراقى.

.       التآلف الإسلامى ضد الإرهاب: أعلنت السعودية يوم 15/12/2015 إنشاء تحالف إسلامى لمحاربة الارهاب بمشاركة 34 دولة. ولوحظ أن هذه المبادرة قد شملت دولاً أسيوية مثل إندونيسيا وماليزيا وباكستان كما شملت دولا افريقية مثل نيجيريا بالإضافة لتركيا وعدد كبير من الدول العربية، مع إغفال دول مثل إيران والعراق وسوريا والجزائر وعمان وأفغانستان. وسرعان ما اتضح أنه لم يتم التشاور مع عدد من الدول التى تم إدراجها فى المبادرة (مثلا: باكستان، لبنان، ماليزيا، إندونيسيا).

.       اتفاقيات ثنائية: بالتوازى مع ظاهرة التآلفات، شهدت المنطقة العربية سلسلة متلاحقة من الاتفاقيات الاستراتيجية مع الدول الكبرى، نذكر منها على سبيل المثال.

       الاتفاق البريطانى–البحرينى (5/12/2014) لتطوير ميناء سلمان بحيث يعمل كقاعدة بريطانية بكلفة حوالى 22,5 مليون دولار، تتحملها البحرين.

       الاتفاق الروسى–السورى (26/8/2015) بخصوص استخدام روسيا لقاعدة "حميميم" قرب اللاذقية. وفى فبراير 2016 ألمحت منظمة معاهدة الأمن الجماعى عن استعدادها لضم سوريا إليها.

       الاتفاق السعودى–التركى (29/12/2015) الذى أنشأ مجلساً للتعاون الاستراتيجي بين الطرفين لتناول القضايا المشتركة فى مجالات الأمن والدفاع والاقتصاد والتجارة والطاقة والاستثمار. ويلاحظ أن قطر وتركيا كانا قد اتفقا على إقامة آلية مماثلة (يوم 19/12/2015) كما تم توقيع اتفاق للتعاون العسكرى بين الجانبين وأعلن عن إقامة قاعدة عسكري تركية فى قطر مع إمكانية إنشاء قاعدة قطرية فى تركيا.

خلاصة صورة التآلفات الجديدة فى المنطقة العربية تشير إلى.

.       تراجع دور التحالف العربى المركزى (جامعة الدول العربية) بما يعكس تقلص مساحة التوافق بين الدول العربية، وفقدان مصداقية العمل العربى المشترك، وتصاعد عدد الدول الفاشلة التى تعانى من حروب أهلية.

.       تعمق حالة عدم الاستقرار فى الإقليم، وتعدد المنازعات فيه، وتباين مواقف الدول العربية والإقليمية بما يعقد ويطيل من هذه المنازعات، بما ينعكس على تعدد التآلفات وتقاطعاتها وطابعها التكتيكى المرتبط بموقف أو نزاع محدد ولمدة معينة.

.       التوسع في تدويل قضايا المنطقة العربية بدخول أطراف دولية وشرق أوسطية كلاعبين رئيسيين وخاصة فى شئون الأمن والدفاع.

.       توجد أنماط للتكامل والتنافس بل الصدام فيما بين مجموعة التآلفات الجديدة التي نشأت في العالم العربي والمؤسسات القائمة في إطار النظام الاقليمي العربي. ففكرة إيجاد تآلف إسلامي ضد الإرهاب قد تبدو مكملة للتآلف الدولي ضد داعش غير أنها تنافس التنظيم الإقليمي المركزي (جامعة الدول العربية) بل الفكرة العربية نفسها. ويمكن القول بأن التعاون التركي – القطري، والتركي – السعودي يصطدما بتآلف 4+1 والاتفاق الروسي – السوري.

.       يمكن رصد عدد من الجوانب الفنية أو الوظيفية فى نمط التآلفات الجديدة، حيث من الواضح تركيزها على الجوانب العسكرية، والاتجاه نحو الجوانب العملية للتعاون (مثلاً مشتروات سلاح، التدريب) مع ضعف فى الجانب المؤسسى (مثلاً لا توجد أمانة عامة، أو مفاهيم أمنية security concept  أو مجالس مشتركة تنعقد على فترات متقاربة، إلخ.)

 التنظيم الإقليمي العربي مطالب بدراسة هذه التطورات، وتحليل أسبابها، والتحرك لمعالجتها فى المدى المتوسط والطويل، وتعزيز أطر التعاون العربى داخل منظومة الجامعة العربية. وبالمقابل، فإن تداعيات عدم النجاح فى هذا المسعى يمكن أن تسهم فى تبلور نظام إقليمى فى إطار "الشرق الأوسط الجديد" يضم أطرافاً غير عربية، وينتظم طبقاً لقواعد جديدة، وربما يحتاج لتنظيم إقليمى مختلف.