خبير بالاقتصاد السياسي المصري يكتب: مصر ورهانات التعافي الاقتصادي الخاطئة

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
خبير بالاقتصاد السياسي المصري يكتب: مصر ورهانات التعافي الاقتصادي الخاطئة
Credit: KHALED DESOUKI/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم عمرو عادلي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكةCNN 

ليس خافيا أن إستراتيجية الحكومة المصرية منذ 2014 تحديدا ترتكز على محاولات جذب استثمارات أجنبية لمصر، وأنه في هذا السبيل جرى عقد مؤتمر شرم الشيخ في مارس 2015، وجرى تعديل عدد كبير من القوانين ذات الصلة من أجل تهيئة مناخ أفضل للمستثمرين العرب والأجانب المفترض أن يأتوا بأموالهم الدولارية ليضخوها في الاقتصاد المصري الذي يعاني من مختلف أنواع الاختلالات. وقد يكون جذب الاستثمارات الأجنبية هو الحل من الناحية النظرية لبلد يعاني من خمس سنوات من التباطؤ الاقتصادي وتراجع معدلات التشغيل من ناحية، مع تفاقم الوضع المالي للعجز في الموازنة والدين العام (الذي تخطى نسبة 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي طبقا لبيانات المركزي انطلاقا من 87 في المائة في 2010، وهو معدل نمو شديد التسارع) كما أن الاستثمارات الأجنبية ستكون أرخص وسيلة لإعادة بناء الاحتياطيات الدولارية وسد العجز في ميزان المدفوعات مقارنة بالاقتراض، وفي ظل تراجع المساعدات والمنح من الخليج. ولكن النظر إلى تاريخ مصر الاقتصادي المعاصر يقلل كثيرا من جدوى الرهان على تدفقات استثمارية ضخمة في المدى القصير.

لم يكن الاقتصاد المصري يوما منذ بدء تجربة الانفتاح الاقتصادي في منتصف سبعينيات القرن الماضي محط جذب لتدفقات ضخمة من الاستثمارات الأجنبية، فعلى الرغم من أن الانفتاح قد بدأ فعليا بإعداد قانون للاستثمار استهدف المستثمرين العرب والأجانب بغرض جذب رؤوس الأموال الدولارية إلا أن مصر لم تنجح في تحقيق زيادة كبيرة في معدلات التدفق، وطبقا لبيانات البنك الدولي فإن نصيب صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة (وهي النوع المستهدف من قبل الحكومة باعتباره الأكبر عائدا من ناحيتي التشغيل والنمو) نصيبه كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي كانت أقل من 1 في المائة كمتوسط في السنوات بين 1980 و2004، وقد ارتفع هذا النصيب في السنوات بين 2005 و2009 ليقترب من 5 في المائة من الناتج المحلي لينهار مرة أخرى مع الأزمة المالية العالمية ثم أزمة الديون السيادية في أوروبا ثم ثورة يناير وما تلاها من اضطرابات سياسية وأمنية وهروب لرؤوس الأموال. فهل يمكن التعويل على معدلات تبدو هي الاستثناء الذي يثبت القاعدة دون النظر إلى المتوسط الذي غلب طيلة عقود؟، والذي يؤشر للقيود المؤسسية والتشريعية والهيكلية التي طالما واجهت قدرة الاقتصاد المصري على جذب الاستثمار الأجنبي، وعلى رأسها ضعف قدرة الاقتصاد المصري على المنافسة اللهم إلا في قطاعات تقليدية وعلى رأسها البترول والغاز الطبيعي، والذي استحوذ تقليديا على ما يربو عن ثلثي إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر منذ الثمانينيات وحتى يومنا هذا.

إن القيود الموضوعية هذه لا تزال في محلها، ولا تبدو الحكومة اليوم أقدر من سابقاتها على علاجها بشكل جذري خاصة فيما يتعلق بحجم ونطاق عمل البيروقراطية الحكومية، والتي تعتبر أحد أهم العوائق أمام جذب الاستثمار الأجنبي، وقد وجهت محاولات تمرير قانون الخدمة المدنية بمقاومة شديدة أثبتت فاعليتها، ويضاف إلى هذه العوائق التقليدية مشكلات جديدة تتعلق باستمرار الاضطراب المالي العالمي منذ ديسمبر 2008، وانكماش الاقتصاد العالمي على وقع التباطؤ في الصين، وانخفاض أسعار النفط بما يقلل من قدرة بلدان الخليج على ضخ استثمارات ـ وكذلك مساعدات ـ لمصر في المدى المباشر، فهذه جميعا عوامل مستجدة تضيف للعوائق التقليدية التي طالما جعلت نصيب مصر من الاستثمارات الأجنبية محدودا مقارنة ببلدان مثل الصين والبرازيل وتشيلي والمكسيك والتشيك.

إذن فأغلب المؤشرات تفيد بأن الرهان على استثمارات أجنبية كحل لمعضلات الاقتصاد المصري الحالية ليس له ما يبرره، وأنه قد يكون الوقت قد حان للتفكير في مصر خارج مستقرات النيوليبرالية للتنمية والتي وضعت في التسعينيات ودارت حول جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتوسع في التصدير، بالنظر لوضع الاقتصاد العالم، فما هي البدائل تحديدا؟

أعتقد أن الحكومة بحاجة للنظر لمناخ الاستثمار الكلي، وليس فحسب الاستثمار الأجنبي، إذ أن صورة رئيسية من صور التدفق الدولاري على مصر هي تحويلات العاملين بالخارج، والتي ضوعفت كقيمة مطلقة منذ 2011، وبلغت نحو ٢٠ مليار دولار (أي أربعة أضعاف دخل قناة السويس سنويا) في 2015، وهذه الأموال تعتبر مصدرا بالفعل شديد الأهمية للتقليل من العجز في ميزان المدفوعات وربما التخفيف من أزمة العملة، إلا أن استخدامات هذه الأموال وفيم تنفق تعد أسئلة شديدة الأهمية، وبكل أسف لا نملك عنها أي إجابات لندرة الدراسات الاقتصادية أو السوسيولوجية، والراجح أن هذه الأموال الدولارية إما تستخدم لتمويل الاستهلاك العائلي أو لتمويل أشكال استثمارية معينة خاصة عقارية (مباني وشقق أو أراض)، ولعل النظر في إمكانية تهيئة مناخ أكثر مناسبة لاستخدامها استثماريا في مشروعات قد ترفع عائدات النمو والتشغيل يمكن أن يكون شاغلا مناسبا للحكومة لتعظيم الاستفادة الكلية من مثل هذه التدفقات بدلا من أن تذهب لتغذية مضاربات عقارية أو أن تظل قابعة في حسابات خاصة بالبنوك التجارية دون استخدام، هذا علما بأن شبكات المقيمين بالخارج والمهاجرين كانت قد لعبت دورا جوهريا في التحرير الاقتصادي في الصين منذ نهاية السبعينيات، ولم يقتصر دورها على التمويل فحسب بل امتد لنقل التكنولوجيا والمعلومات والمهارات.

ويتصل بالنقطة السابقة أن ثمة حاجة لمقاربة الاستثمار الأجنبي والمحلي على حد سواء من زاوية أشمل تضم القطاعات ذات الأولوية تبعا لمخططات التنمية، والتي من شأنها أن تجيب على قضايا مثل تنويع الاقتصاد المصري، وتوجيه الاستثمار صوب قطاعات تصنيعية أو زراعية بعيدا عن الاستثمار العقاري واقتصاد المضاربات المرتبط به، والذي رسم صورة التنمية في مصر في العقدين الماضيين دون نجاح كبير في ملفي التشغيل أو تنافسية الاقتصاد المصري. 

نشر