من دمشق إلى إسطنبول.. هكذا عاش السوريون ليلة اهتزاز "عرش السلطان"

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
تقرير محمد الأزن
من دمشق إلى إسطنبول.. هكذا عاش السوريون ليلة اهتزاز "عرش السلطان"
صورة أرشيفية لأردوغان خلال زيارته إلى بشار الأسد في دمشق عام 2010 Credit: GETTY IMAGES

دمشق، سوريا (CNN)-- أعطى المشهد السياسي التركي المتوتر، بعد محاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة ضد حكومة حزب العدالة والتنمية، مؤشراً جديداً حول عمق الانقسام بين السوريين الذين يعيشون مرارة اللجوء والشتات، ويوميات الحرب القاسية بالداخل، فأزيز الرصاص في شوارع اسطنبول وأنقرة ليلة 15 تموز/ يوليو 2016، تردد صداه كثيفاً بدمشق وعدة مدن سوريّة، حينما أمطر عدد كبير من حملة السلاح ضمن مناطق سيطرة الحكومة، رصاصاً غزيراً ابتهاجاً، بلحظة إعلان الأنباء الأوليّة عن سقوط نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وتسبب هذا الرصاص بسقوط ضحايا أبرياء وفقاً لما تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي، حيث رصدت صفحة "يوميات قذيفة هاون" عبر "فيسبوك" وصول عشرة إصابات إلى مستشفيين بدمشق وجرمانا، ونقلت أنباء (غير مؤكدة) عن مقتل شخص في أحد شوارع العاصمة الرئيسية، حينما تصادف مروره أثناء استعار البهجة التي لم تكتمل، كما انتشر صباح الأحد صورة نعي الطفل (جعفر إبراهيم راعي- 9 سنوات) باللاذقية، وقيل إنّه: "توفي وهو نائم على سطح منزله بعد أن اخترقت الطلقات جسده الطاهر التي أطلقها مبتهجو خبر انقلاب تركيا."

كذلك تحولت صفحات "السوشيال ميديا" إلى منابر لتصفية الحسابات، والشماتة المتبادلة بين أبناء الوطن الواحد، حيث تعجّل الشامتون بأردوغان لإعلان انتصارهم الساحق على عدّوهم دون أن يكون لديهم يدٌ في إسقاطه الذي لم يحدث، ونالوا نصيبهم صباح اليوم التالي من شماتة أنصار أردوغان، الذين لم يوفرا الفرصة لشتم أعدائه، واحتلت صوره صفحات بروفايلاتهم.

 هكذا كان للسوريين نصيبٌ وافر من تداعيات الحدث التركي الساخن، خاصّةً المقيمين بتركيا، وترصد لكم CNN بالعربية فيما يلي بعض ملامح "ليلة الرعب" الطويلة التي عاشوها هناك، ففي اسطنبول اعتاد كثيرون منهم السهر إلى وقتٍ متأخر من ليالي عطل نهاية الأسبوع على البحر أو بالحدائق والشوارع والميادين المعروفة مثل "تقسيم، الاستقلال، والسلطان أحمد..."، بعد ساعات عملٍ طويلة، قد تصل إلى 16 ساعة يومياً.

وبحسب الصحافي قصّي عمامة الذي تصادف وجوده في قلب الحدث تلك الليلة، بدأوا يلاحظون: "ارتباك الأتراك وتدافعهم لسحب مبالغ مالية بكثافة من الصراّفات الآلية، وإغلاق المحال التجارية، وخاصة السورية الشهيرة في شارعي (الفاتح) و (اكسراي)، وانقطاع المواصلات العامّة تقريباً ببداية الأمر، وتحليق المقاتلات العسكرية في الجو، وحركة السفن غريبة."

تابع قصي شهادته لـ CNN بالعربية قائلاً: "بدا الأمر مقلقاً وعصيّا على الفهم بالنسبة للسوريين الذين لا يجيد معظمهم اللغة التركية، وبقيوا قرابة الساعة في الشوارع دون أن يفهموا شيئاً، حتى بدأت الأخبار عن انقلاب عسكري تصل إليهم بالعربية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي."

"رعب كبير على المستقبل" بهذه العبارة لخصّ الصحافي الفلسطيني السوري، ما لمسه من السوريين، بينما كانت الأخبار تتوالى بأنّ "قضي الأمر، والانقلاب أصبح أمراً واقعا." وزاد من تعقيد الأمر: "الظهور الملتبس لأردوغان على التلفزيون في مقابلة عبر اتصال هاتفي بالفيديو، حيث اعتقدوا أنّه هرب، وربطوا سقوط حزب العدالة والتنمية، بالحملات التي انطلقت عبر السوشيال ميديا قبل أيّام لطردهم من تركيا، وهذا يعني أن فرصة الأمان الأخيرة قد تبخرّت، حيث لم يعد هناك إمكانية لوصولهم إلى أوربا، وبدأت المخاوف الحقيقية تداهمهم حول مصائر تبدو سيئة لهم بكل الأحوال."

فرغت الشوارع من المارّة، ولاذ السوريون ببيوتهم، وسط حساسيتهم الكبيرة تجاه أوضاعهم غير القانونية بتركيا، إلى أن: "حمل فجر السبت لهم أملاً جديداً، بعد أن اطمأنوا لأنّ محاولة الانقلاب فشلت."

لكن هذا الاطمئنان: "مؤقت، كجرعة مسكّن جديدة قد لا تكون مديدة التأثير، وسط الأوضاع غير المستقرة بالنسبة للسوريين في تركيا"، بحسب ما قال الصحافي السوري عدنان نعوف المقيم بإسطنبول أيضاً، والذي عاش رعباً مماثلاً تلك الليلة، هذا الرعب دفعه لإعادة التفكير جديّاً بـ "بدائل للمستقبل" تكفيه مخاوف القلق المستمر، منذ وصوله للإقامة هنا قبل عامٍ تقريباً، وتسلل الخوف إلى أهله بسوريا الذين لا يعيشون أوضاعاً أفضل، ولم تتوقف اتصالاتهم للاطمئنان عليه منذ بدأت الأخبار تتوالى عن "الانقلاب"، وكان أكثر ما خشيه ليلتها: "اندلاع حرب أهلية بين الأتراك، قد يقال لاحقاً إنّ السوريين تسببوا بها، وكأّن هذا ما كان ينقصنا."

شهامة الراس ربّة منزل سوريّة مقيمة مع عائلتها بتركيّا منذ عامين، قالت لـ CNN بالعربية إنّ مشاعرها كانت مختلفة نوعاً ما، ووصفت حالة الترقب التي عاشوها قائلةّ: "بالنسبة لي كنت مطمئنة لقوة العلاقة بين الحاكم والشعب التركي، وإصرار الأتراك على التمسّك باستقرار أسلوب حياتهم، لكّن بعض مظاهر القلق غزت وجه زوجي حول مستقبلنا المرتبط بوجودنا في تركيا خلال المرحلة المقبلة، أما أبنائي الثلاثة فسيطرت عليهم ملامح الدهشة وهم يتابعون الأخبار، وبلغت ذروتها حينما ظهر أردوغان على بعض الشاشات التركية، وطلب من الشعب النزول إلى الشوارع."

وأضافت شهامة: "سرت القشعريرة في أبداننا ونحن نتابع ثورة شعب أعزل بمواجهة الانقلاب متحديّا الآليات العسكرية، والجوامع تهلل بالأدعية والصلاة، كانت مشاعرنا مختلطة بين الإعجاب بعظمة الشعب التركي، والحسرة على حالنا نحن السوريين، فكل ما حدث لم يكلّف الأتراك سوى ساعتين من الإصرار على قول لا، قبل أن يبزغ صباح اسطنبول هادئاً، وكأن شيئاً لم يكن، كنّا ندعو من القلب لهم بأن يتمكنوا من حماية بلدهم، ونجحوا في تجاوز الامتحان الدقيق الذي واجههوه."

 وختمت السيدة السوريّة شهادتها لنا بالقول: "بعد تلك الليلة الطويلة جلسنا على الشرفة صامتين، وقد تملكّنا الشوق لبلادنا، إلى أن خرق صمت التعب سؤال أصغر أبنائي الذي لازال يتردد في مسامعي: لماذا أنهى الأتراك حربهم في ساعتين، ونحن لسّا ما خلصنا؟!!".