رأي: مصر.. حراك العمال والموظفين بين 2013 و2016

الشرق الأوسط
نشر
12 دقيقة قراءة
تقرير عمرو حمزاوي
رأي: مصر.. حراك العمال والموظفين بين 2013 و2016
Credit: MOHAMED EL-SHAHED/AFP/Getty Images

هذا المقال كتبه عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وهو يعبر عن رأيه ولا يعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.

القاهرة، مصر (CNN)-- بين 2013 و2016 لم تتوقف الاحتجاجات العمالية في الشركات والمصالح ذات الملكية العامة وتلك ذات الملكية الخاصة وفي قطاع الخدمة المدنية (بين موظفي الإدارات الحكومية من قطاعات النقل العام والصحة إلى الوحدات المحلية) وفي المهن الحرة متوسطة وصغيرة الحجم، وتواكب تصاعد الحراك العمالي مع التدهور المستمر في الظروف المعيشية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأغلبية المصريات والمصريين.

أما مطالب الحراك العمالي، وفقا للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (http://ecesr.org/)، فقد تنوعت تقليديا بين: 1) مطالب مالية تشمل الحصول على أجور متأخرة وصرف حوافز والضغط من أجل زيادة الأجور، 2) مطالب ترتبط ببيئة العمل وجوهرها تحسين شروط العمل والضمانات المقدمة للعمال، 3) مطالب متعلقة بالعقود المبرمة بين أصحاب العمل (قطاع عام وقطاع خاص وإدارات حكومية) وبين العمال ومحددات تعيين وتثبيت العمالة والأمان الوظيفي، 4) مطالب بالتوقف عن الممارسات العقابية بحق العمال والمتمثلة خاصة في النقل التعسفي والفصل التعسفي، 5) مطالب بمحاربة الفساد والمحسوبية في أماكن العمل ومحاسبة المسئولين عنها، 6) مطالب بصون الحق في التنظيم ومقاومة قمع السلطات لممارسة العمال والموظفين لذلك الحق الأصيل، 7) مطالب برفع كفاءة الشركات والمصالح المعنية وتحسين قدراتها الإنتاجية.

وتعددت الأدوات المستخدمة من قبل العمال والموظفين من تقديم الشكاوى والبلاغات والتجمهر والوقفات الاحتجاجية وحملات جمع التوقيعات وحملات المقاطعة إلى التظاهر والاعتصام والإضراب عن العمل والإضراب عن الطعام - علما بأن تنظيم الوقفات الاحتجاجية ظل الأداة الأكثر استخداما من قبل العمال والموظفين متبوعا بالإضراب عن العمل.

مجددا وفقا للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بلغ عدد الاحتجاجات العمالية في 2014 ، 1655 احتجاجا. تصدرت الاحتجاجات لمطالب مالية الواجهة بنسبة 49 بالمائة من إجمالي الاحتجاجات، متبوعة باحتجاجات بيئة العمل بنسبة 16.9 بالمائة، ثم الاحتجاجات على الفصل والنقل التعسفيين بنسبة 15.1 بالمائة، والاحتجاجات المتعلقة بالعقود بين أصحاب العمل والعمال والتعيين والأمان الوظيفي بنسبة 12.6 بالمائة، والنشاط الاحتجاجي رفضا للفساد والمحسوبية بنسبة 4.2 بالمائة، واحتجاجات الحق في التنظيم بنسبة 1.3 بالمائة، وأخيرا الاحتجاج بسبب سوء الكفاءة ومحدودية الإنتاجية بنسبة 0.9 بالمائة. في 2015 بلغ إجمالي الاحتجاجات العمالية 933 احتجاجا، توزعت مئويا بين احتجاجات مالية بنسبة 26.7 بالمائة، والاحتجاجات المتعلقة بالعقود والتعيين والأمان الوظيفي بنسبة 13.8 بالمائة، واحتجاجات بيئة العمل بنسبة 13.6 بالمائة، والنشاط الاحتجاجي رفضا للفساد والمحسوبية بنسبة 11.6 بالمائة، والاحتجاجات بشأن الفصل والنقل التعسفيين بنسبة 11.3 بالمائة، واحتجاجات ذات صلة بالحق في العمل والتوظيف بنسبة 2.3 بالمائة، واحتجاجات من قبل ذوي الحق في المعاشات والتأمينات الاجتماعية والصحية بنسبة 1.2 بالمائة، واحتجاجات بسبب سوء الكفاءة ومحدودية الإنتاجية بنسبة 1.1 بالمائة، وأخيرا الاحتجاجات المتعلقة بالحق في التنظيم بنسبة 0.3 بالمائة.

أما الفترة الممتدة بين يناير وأبريل 2016 فحدث بها 493 احتجاجا عماليا توزعت مئويا على الاحتجاجات المالية بنسبة 27 بالمائة، متبوعة بالاحتجاجات المتعلقة بالعقود والتعيين والأمان الوظيفي بنسبة 12 بالمائة، والاحتجاجات بشأن النقل والفصل التعسفيين بنسبة 5.2 بالمائة.

بين 2013 و2016، تعاملت السلطوية الجديدة مع الاحتجاجات العمالية معتمدة على مزيج تقليدي من الأدوات الإدارية والقانونية والأمنية اتجهت مجتمعة إلى استيعاب قليل من المطالب المرفوعة واستبعاد أغلبيتها وإنزال العقاب برافعيها. سوت وزارة القوى العاملة بعض الشكاوى والبلاغات المقدمة فرديا وجماعيا من عمال وموظفين وأحالت العدد الأكبر منها إلى المحاكم العمالية المختصة بعد تعذر التسوية إن مع صاحب العمل العام أو الخاص. على سبيل المثال وبحسب مؤسسة مؤشر الديمقراطية  (http://demometer.blogspot.com/)، في الربع الأول من 2016 سوت الوزارة 1392 شكوى فردية من إجمالي 5322 شكوى و303 شكوى جماعية من إجمالي 1561 وأحالت البقية إلى المحاكم أي أن الجهة التنفيذية صاحبة الاختصاص لم تتمكن سوى من تسوية 26 بالمائة من الشكاوى الفردية و19.4 بالمائة من الشكاوى الجماعية. وكعادتها المتوارثة عبر سلطويات مصر المتعاقبة، عمدت وزارة القوى العاملة أيضا في مراحل تصاعد النشاط الاحتجاجي إلى استرضاء بعض القطاعات العمالية صغيرة العدد عبر تقديم مساعدات مالية استثنائية ومؤقتة وغيرها من المسكنات اللحظية.

غير أن قوة الحراك العمالي من جهة ونزوع السلطوية الجديدة إلى استسهال التوظيف العقابي للقانون واستخدام القمع لإخضاع المواطن وإحكام سيطرتها على المجتمع دفعا بالأدوات القانونية والأمنية إلى قلب مشهد التعامل الحكومي مع الاحتجاجات العمالية التي لم تتجاوز في المجمل شروط السلمية.

 بين 2013 و2016 ألقت السلطات القبض على عشرات العمال والموظفين بسبب التظاهر أو الدعوة إلى التظاهر، ولم تمنع الفصل التعسفي في القطاعين العام والخاص لعشرات العمال والموظفين بسبب الاحتجاج. استخدمت السلطوية سيطرتها الكاملة على الاتحاد العام لنقابات عمال مصر وحركته لتفخيخ الحراك العمالي من الداخل وممارسة تكتيك فرق تسد المعهود.

في 2015 توجهت قيادات الاتحاد العام، وهي لا تصل إلى مواقعها إلا بموافقات أمنية، بمقترح إلى رئيس الجمهورية بإصدار قرار رئاسي بقانون يجرم الإضراب عن العمل لمدة عام وأعلنت توجهها إلى تشكيل "لجان من العمال" لمقاومة الإضرابات والاحتجاجات العمالية المنصوص في الدستور والقوانين المعمول بها على الحق في تنظيمها.

 في 2016 كررت قيادات الاتحاد العام ذات المقترحات والممارسات بصورة فجة، دون اعتبار لتصاعد الحراك العمالي ولأسبابه الحقيقية المرتبطة بتدهور الظروف المعيشية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأغلبية الناس وبقصور السياسات الحكومية. وألحقت ذلك، ومعها وزارة القوى العاملة وجهات تنفيذية أخرى، بتعقب قضائي للنقابات والاتحادات العمالية المستقلة التي تكون بعضها قبيل ثورة يناير 2011 (أبرزها نقابة الضرائب العقارية) واكتسب وجودها شرعية قانونية وفقا لإعلان الحريات النقابية الذي أصدرته الحكومة المصرية في 2011. وتمثلت أبرز خطوات التعقب في دعوى قضائية حركها أمام القضاء الإداري رئيس النقابة العامة للعاملين بالضرائب والمالية والجمارك وطالب بها بنزع الشرعية عن النقابات والاتحادات المستقلة وأحالها القضاء الإداري في يونيو 2016 إلى المحكمة الدستورية العليا للبت في دستورية وجود النقابات المستقلة وفقا للنصوص الدستورية والقيمة الدستورية للاتفاقات الدولية التي وقعت عليها مصر.

كذلك استغلت السلطوية الجديدة في 2015 الصلاحيات التشريعية لرئيس الجمهورية لتمرير قانون الخدمة المدنية (القانون رقم 18 لسنة 2015) دون حوار مجتمعي يشرك المعنيين من عمال وموظفي الجهاز الإداري للحكومة (أكثر من 5 ملايين عامل وموظف) في مناقشة مواد القانون، وهو ما استتبع العديد من الاحتجاجات العمالية. وفي 2016، استغلت السلطوية هيمنتها على المجلس التشريعي (مجلس النواب) لتعديل بعض أحكام قانون النقابات العمالية (القانون رقم 35 لسنة 1976 وجاءت التعديلات في القانون رقم 61 لسنة 2016) متجاهلة لمبدأ حرية التنظيم النقابي ولوجود النقابات المستقلة بالامتناع عن النص على أي منهما ولتعيد التمكين للقيادات العمالية المتقدمة في العمر وصاحبة "الخبرة الطويلة" في التنسيق مع الأجهزة الأمنية لكي تسيطر على النقابات العمالية والاتحاد العام لنقابات عمال مصر بإلغاء القرار بقانون الذي أصدره رئيس الجمهورية في 2012 (القرار بقانون رقم 97 لسنة 2012) ونص على منع من بلغ الستين من الانتخاب أو الترشح للنقابات العمالية. كذلك صدرت أحكام بالسجن على عمال بسبب الاحتجاج، وأحكام تقضي بإحالة الموظفين إلى المعاش حال ثبوت مشاركتهم في اعتصامات أو إضرابات عن العمل.

كذلك لم يجنب العمال والموظفون سطوة أدوات القمع المباشر للسلطوية الجديدة. بين 2013 و2016، تحركت الأجهزة الأمنية لفض وقفات احتجاجية وتظاهرات واعتصامات وإضرابات عن العمل واستخدمت في بعض الحالات القوة المفرطة (الرصاص الحي وطلقات الخرطوش) وألقت القبض على بعض العمال والموظفين المحتجين وجهت لهم اتهامات مطاطية شملت البلطجة وقطع الطريق العام وتعطيل المواصلات العامة والخاصة والامتناع عن العمل والتظاهر دون ترخيص وعدم تمكين المؤسسات والمصالح الحكومية من الاضطلاع بوظائفها وتكدير الأمن العام. على سبيل المثال، فضت قوات الأمن في سبتمبر 2014 وقفة احتجاجية لعمال شركة الإسكندرية للغزل والنسيج (شركة حكومية) كانت مطالبها صرف رواتبهم المتأخرة واستخدمت الشرطة الرصاص الحي وطلقات الخرطوش مما رتب إصابة بعض العمال وألقت القبض على 14 من العمال المحتجين كان بينهم بعض المصابين. وفي 24 مايو 2016، أحالت السلطات 26 عاملا بشركة الترسانة البحرية بالإسكندرية إلى المحاكمة العسكرية بلائحة اتهامات تشتمل على الامتناع عن العمل والتظاهر بدون ترخيص. وكان العمال قد احتجوا سلميا دون تورط في عنف ومن خلال وقفات احتجاجية متكررة، مطالبين بحقوق مالية وبأمان وظيفي وبالسلامة المهنية والوقاية من أخطار وإصابات العمل وبتطوير وتحسين الإنتاج والتشغيل. طالب العمال أيضا بتنفيذ أحكام قضائية قد صدرت لصالحهم، غير أن إدارة الشركة رفضت كافة المطالب العمالية واستغلت عدم تبعية الشركة (منذ 2007) لولاية قطاع الأعمال الحكومي والشركة الحكومية القابضة للصناعات الهندسية منذ 1993) لاستدعاء الشرطة لفض الوقفات الاحتجاجية للعمال وإلقاء القبض على 14 من العمال وإحالتهم ومعهم 10 آخرين غيابيا إلى القضاء العسكري.

على الرغم من استخدامها "لترسانتها" الواسعة من أدوات الإخضاع والاستيعاب وأدوات التعقب القانوني وأدوات القمع القضائية والأمنية، لم تتمكن السلطوية الجديدة لا من القضاء على الحراك العمالي ولا من احتواءه ولا من الحد من حضور الساحة العمالية كساحة رئيسية لمقاومة سياساتها وممارساتها.

  • عمرو حمزاوي
    أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
نشر