تحليل: ترامب سيفرض على العرب التوجه لتركيا في مواجهة إيران.. ومصر والسعودية سترحبان بعدم تدخله في شؤونهما الداخلية

الشرق الأوسط
نشر
8 دقائق قراءة

مقال لآرون ديفيد ميلر، المحلل ونائب رئيس مركز "وودرو" الدولي لشؤون المبادرات الجديدة، وكاتب كتاب "نهاية العظمة: لماذا لا تستطيع أمريكا (ولا تريد) رئيسا عظيما آخر." وكان ميلر مفاوضاً في شؤون الشرق الأوسط في الحزبين الجمهوري والديمقراطي. المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي CNN.

أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- جميع الرؤساء يشبهون موعد لقاء حميمي أول مع غريب، حسبما كتب الصحفي، جوناثان أتلر. وبما أنه لا توجد مدرسة لتدريب القادة التنفيذيين، لا أحد يعلم ما سيحصل عليه مع رئيس جديد.

في حالة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، تبرز هذه المشكلة في السياسة الخارجية. وأكبر الشكوك تحوم ما قال (أو لم يقل) إنه يخطط لتنفيذه في الشرق الأوسط. تسلط مجموعة من وجهات نظر السيد ترامب عن الشرق الأوسط – أو بالأحرى مجموعة من ميوله ونزعاته – الضوء على خمسة عناصر أساسية في نهجه.

العمل مع فلاد السيء

ومن الواضح أن تحسين العلاقات مع رئيس روسيا فلاديمير بوتين يبدو أنه محور مفاهيم السيد ترامب حول إدارة فوضى الشرق الأوسط. إذ لا يبدو أنه معجب فقط بقوة وسلطة بوتين، إثبات أن باستطاعته إعادة العلاقات مع موسكو سيرسم تناقضاً حاداً مع فشل سلفه. وقول السيد ترامب إنه سيعمل مع موسكو لتدمير أي عدد من الجماعات الإرهابية في سوريا هي استراتيجية أفضل بكثير من أي نهج آخر اتبعته إدارة (الرئيس الأمريكي الحالي باراك) أوباما: دعم الجماعات المعارضة أو محاولة التخلص من نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد.

في عقل السيد ترامب، التعاون مع بوتين - قائد حقيقي لدولة حقيقية - ستغني عن الحاجة إلى تعميق انخراط الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة. وإنشاء مناطق آمنة (والتي لم يقل قد قال السيد ترامب شيئا عن ستحمي تلك المناطق) من شأنه أن يلغي، أيضا، تدفق اللاجئين إلى أوروبا وأمريكا. في الواقع، عمل مع بوتين في الأساس من شأنه أن يسمح للولايات المتحدة بقتل الإرهابيين ومنع وصولهم إلى أمريكا.

طمأنة الحلفاء وتجاهل تصرفاتهم السيئة

خلال سنوات أوباما، توترت العلاقات مع أهم ثلاثة شركاء لأمريكا في الشرق الأوسط. لا يبدو أن السيد ترامب يمانع ذلك كثيراً عندما يتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية، إذ هدد بوقف شحنات النفط إذا لم تساهم الرياض بشكل أكبر في مكافحة الإرهاب.

وبالمقابل، يهتم ترامب بإسرائيل، إذ دعا بالفعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المدينة في "أول فرصة". وبينما قد تكون هناك توترات على الطريق، ستتحين العلاقات مع نتنياهو. في الواقع، نظرا لنفور السيد ترامب من التدخل في الشؤون الداخلية للدول ونفوره من صفقة إيران (النووية)، من المرجح أن تتحسن العلاقات مع هؤلاء الثلاثة. إذ أشار مستشارو السيد ترامب بالفعل أن المستوطنات الإسرائيلية ليست عقبة في طريق السلام. وقد يخفف نفوره من صفقة إيران بعض التوترات مع المملكة العربية السعودية. ويحتمل أن السيد ترامب لن يضغط على مصر فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان أو الإصلاح السياسي.

بناء الأمم يبدأ من الداخل

خلال حملته الانتخابية، أعلن السيد ترامب أنه يريد أن يبدأ "بناء الأمم" من الداخل وسينهي عصر بناء الدول في الخارج. إذ قال إن استراتيجية العمل الخارجي فشلت في العراق بتكلفة التريليونات من الدولارات وزعزعت استقرار الشرق الأوسط. ولكن السيد ترامب اتهم أوباما أيضاً بالانسحاب من العراق بسرعة كبيرة جدا، وترك مساحة لتنظيم "داعش" لملء الفراغ.

تحسس السيد ترامب من "بناء الأمم" قد يوضع محل الاختبار مع هزيمة داعش في الموصل وتشغيل المرافق: ما يحدث بعد طرد "داعش" من الرقة؟ منع التنظيم من إعادة البناء في أماكن أخرى في العراق سيتطلب ثلاثة مشاريع ضخمة: إعادة الإعمار بعد الصراع، ونشر مزيد من الأمن، وتوفير الحكم الرشيد. العراقيون فقط يمكنهم القيام بهذه المهمة. لكنهم سيكونون في حاجة إلى يد العون بشكل كبير من الولايات المتحدة. وترامب يبحث عن دور مناسب للولايات المتحدة، وقال إنه سيكون من الحكمة أن نتذكر أنه لا ينبغي أن تحاول أن تفعل أكثر من اللازم، لأن وجود أمريكا في العراق هو للمساعدة وليس للفوز بالنيابة عنهم.. نحن نفشل بشكل ذريع في "بناء الأمم"، على حد قول ترامب.

نهج "اصنعه بيدك"

مثل (الرئيس الأمريكي الأسبق) ريتشارد نيكسون في نهجه، قال السيد ترامب إن حلفاء وأصدقاء أميركا يجب أن يتحملوا مسؤولية أكبر فيما يتعلق بأمنهم. وقال إنه لا ينبغي المساواة في التعامل مع حلفائنا العرب الأغنياء كما نفعل مع الحلفاء في أوروبا وآسيا - العرب الأثرياء ينفقون الكثير من العملة الصعبة الباردة للدفاع عن أنفسهم، ولكن كانت لديهم صعوبة في التخلص من عادة الطلب من واشنطن خوض المعارك (انظروا إلى سوريا واليمن).

مستعيراً صفحة من نهج نيكسون، يبدو أن السيد ترامب يتجه نحو نهج أقل تدخلا في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، ويذكرنا ترامب بنيكسون، الذي كان واقعياَ للغاية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، عند قوله إنه من صالحنا أن ننتهج المزيد من ضبط النفس في ممارسة القوة العسكرية الأمريكية عندما لا يخدم ذلك المصالح الأمنية الحيوية للولايات المتحدة. ولعل السيد ترامب بالتالي، سيفرض على أصدقائنا العرب الذهاب لتركيا يريدون منا أن نعمل كوكلاء إقليميين في نزاعهم الدموي مع إيران.

نهاية قضية الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان

لا تبدو رؤية السيد ترامب لدور أميركا في الشرق الأوسط أنها تشمل الالتزام بنشر الديمقراطية ودعم حقوق الإنسان. إذ أعرب خلال حملته الانتخابية، عن اشتياقه لأيام الطغاة الأقوياء الذين كانوا قادرين على الحفاظ على الاستقرار والنظام. وسخر من إنفاق المال في الشرق الأوسط إلا إذا كان مرتبطا بشكل مباشر بالأمن القومي الأمريكي.

وتوافقاً مع هذه الآراء، قال إنه من المرجح أن يخفض تمويل الولايات المتحدة لتحسين الديمقراطية والحكم في المنطقة. ولن يكون لذلك قائدة عملية تذكر. إذ كانت الديمقراطية والمساعدة الحكومية غير فعالة في معظم دول الشرق الأوسط، وخاصة مصر، حيث تسبب ذلك أيضا بضغوط خطيرة في العلاقات المصرية الأمريكية.

أصدقاء أمريكا الاستبداديين في الخليج ينظرون للديمقراطية على أنها تهديد وجودي، إذ ليس لديهم أي استخدام لمزيد من الخطب الأمريكية حول فضائل الديمقراطية. لم يظهر السيد ترامب اكتراثاً لتعزيز حقوق المرأة والأقليات والفئات المهمشة في الولايات المتحدة؛ فمن غير المرجح أنه سيظهر المزيد من الدعم لهذه الجماعات في الخارج. الأرجح من ذلك هو أن كلاً من الحكومتين المصرية والسعودية سترحب بنفوره من دفع الإصلاحات الداخلية.

كل ذلك سيؤدي إلى نظرة قومية ونيو-انعزالية للعالم، ستُجنبه الأعباء والتشابكات الخارجية. ما إذا كان الرئيس ترامب سيلتزم بكل ذلك أو بعض منه لا يزال في علم الغيب.