معصوم مرزوق: الحكم بمصرية تيران وصنافير أنقذ مصر والسعودية من ورطة

الشرق الأوسط
نشر
13 دقيقة قراءة
معصوم مرزوق: الحكم بمصرية تيران وصنافير أنقذ مصر والسعودية من ورطة
Credit: Mohamed El Raai/Anadolu Agency/Getty Images

أجرى الحوار: وليد الحسيني

القاهرة ، مصر(CNN) -- حذّر معصوم مرزوق، السفير السابق وعضو فريق الدفاع عن مصرية جزيرتي تيران وصنافير، الحكومة المصرية من الاستمرار في طريقها لما وصفه بـ"منح السعودية جزيرتي تيران وصنافير،" معتبرا أن حصول ذلك سيكون "رصاصة رحمة على النظام المصري بأكمله، لأنه وقتها سيؤكد عدم احترام الحكومة للقانون والدستور."

وقال مرزوق، في حواره معCNN بالعربية، إن حكم المحكمة الإدارية العليا "أنقذ مصر والسعودية من ورطة،" ورأى أن على الجميع احترام أحكام القضاء وأن الحكم الأخير أخذ من شرعية النظام المصري مع أمور أخرى على مدار الفترة الماضية. وطالب مرزوق مجلس النواب المصري بعدم التصدي لاتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية بعد الحكم النهائي والبات، لأنه لو فعل ذلك "فسيكون معرضا للحل بتهمة انتهاك الدستور" وسيتبع ذلك خلق صراع سلطات في مصر .

وكان هذا نص الحوار:

كيف ترى الحكم النهائي بمصرية جزيرتي تيران وصنافير؟

أشعر بسعادة كبيرة في الشارع، والناس بذلت مجهودا كبيرا سواء من شباب خرجوا للتظاهر ضد قرار الحكومة، وقبض عليهم، ومجموعة المحامين الذين أثبتوا أن المصريين يمكنهم العمل في فريق عمل ناجح، حتى الشرطة المصرية كانت رائعة في تعاملها مع الناس أمام المحكمة وعناصرها كانوا فرحين.

هل راودتك الشكوك حول الحكم النهائي قبل صدوره؟

إطلاقا، لكن كنت خائفا من حدوث مفاجآت، وكان لدي يقين بأن الحكم سيصدر لصالحنا، وكان لدي شعور يشبه شعوري قبل العبور يوم 6 أكتوبر 1973، كان لدي ثقة في الله وثقة في القضاء وقضاء مجلس الدولة المحترم، فقد بذلنا مجهودا كبيرا مع آخرين جمعوا وثائق عديدة نزلت علينا كالمطر من مواطنين مصريين تثبت مصرية الجزيرتين.

لماذا أخذت السلطات والحكومة هذا الموقف؟

هذا سؤال بمليون جنية، منذ بداية القضية وفي أول مرافعة لي أمام مجلس الدولة قلت أني لن أتهم أحدا ببيع أرضه إلا إذا كنت متيقنا من ذلك، وهذا كلام لا أرضاه على أي مصري ولا أتخيله على أي شخص ارتدى الزي العسكري وحارب به ويعرف شرف الأرض، ولكن يمكن القول أن هناك سوء حساب وسوء تقدير، سوء الحساب عندما قيل إن الملك سلمان قال إنه لن ينزل من طائرته لمصر في شهر أبريل الماضي، إلا إذا انتهى موضوع الجزيرتين، فاضطرت الدولة أن تنهي الأمر قبل أن ينتهي فريق العمل من عمله، بسبب الضغط عليه ببيروقراطية الدولة.

قد يهمك أيضا.. نجل القرضاوي: تيران تحاصر السيسي ولنحتفل كأننا فزنا بكأس أفريقا

حدث سوء حساب آخر عندما تصورا أن الشعب المصري ممكن أن يقبل الأمر ويوافق على أي كلام يقوله الرئيس، بالإضافة الى أنهم اعتمدوا على أن المصاعب الاقتصادية التي يعاني منها الشعب المصري ممكن أن تمرر الأمر، هذه الأخطاء صححها الحكم القضائي في أول درجة، وكان من المفروض لو أن هناك عقلا سياسيا يدير المسألة أن يدرك أن هناك خطأ في الحسابات بأن الناس ستصمت ولا تطعن في الحكم.

الأرض لا يجب أن يكون لها حسابات سياسية أو اقتصادية، وأقول: "تجوع الحرة ولا تأكل بجزيرتيها"، الخطأ الحسابي حدث من الجانب السعودي والجانب المصري، الجانب السعودي تعامل مع القضية بمنطق الكفيل، على اعتبار إنه وقف بجانب نظام 30 يونيو ، وله ولاية على النظام السياسي، ولكن الدولة أكبر من ذلك، على الجانب الأخر حدث خطأ بتصور أن المصريين يمكنهم القبول بالتنازل عن أرضهم، فحدود الدولة المصرية حددت منذ آلاف السنين.

حكم القضاء الإداري قدم دلائل دامغة أن هذه الأرض مصرية، ولو تحدث أحد الآن سواء من سياسيين أو إعلاميين بغير أن الأرض مصرية سينطبق عليه جريمة موصوفة في المادة 77 من قانون العقوبات بأن من تسبب عمدا في المساس بأي جزء من الأراضي المصرية يحكم عليه بالإعدام.

برأيك كيف سيتصرف النظام المصري الآن؟

أتمنى أن يعتبرها "تخليصا من ورطة، ولو كنت مكلفا بإدارة هذه الأزمة سأشير على رئيس الدولة بقبول الأمر، لأن رد الفعل الشعبي لن يتوقف، ولم يكن لأحد أن يتخيل ما حدث، وقد عاهد رئيس الدولة شعبه على احترام أحكام القضاء، وهذا هو حكم القضاء والدولة ملزمة باحترام أحكام القضاء، وقتها سيحترمه الجميع، لأن احترام القضاء ينعش الاقتصاد والسياحة، فأي مستثمر يرى دولة تحتقر مؤسسة رصينة ولها تراث مثل مجلس الدولة سيتخوف من الاستثمار فيها.

كذلك.. السيسي: هذا هو وقت التماسك مع السعودية ويجب السيطرة على الإنجاب بمصر

كيف كان التعامل قانونيا مع القضية؟

للأسف الشديد قاضي الأمور المستعجلة أصدر حكما بوقف تنفيذ حكم أول درجة، ومن عُرض عليه الحكم لم يكتف بوقف التنفيذ، بل علق على الحكم وقال "حيث أن مجلس الدولة غير مختص نهائيا بالنظر في تلك القضية، وأنها من أمور السيادة"، ولا بد وأن ينظر مجلس القضاء الأعلى في مثل هذه الأمر، لأنه من العيب أن يعلق أحد على حكم 6 من شيوخ قضاة مجلس الدولة الذين نفخر بهم في العالم، ولهم أحكام تدرس في المعاهد القانونية الدولية ولهم احترامهم ووزنهم، والوثائق التي أصدروها في حكمه وثائق من ذهب.

هل قدمت الحكومة المصرية أي مستندات لإثبات سعودية الجزيرتين؟

الحكومة المصرية لم تقدم سوى خطاب بين وزير الخارجية المصري الأسبق عصمت عبد المجيد، ووزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل، وقد فندت هذا الخطاب أمام المحكمة وقلت أن هذا الخطاب لا يمثل اتفاقا دوليا، ولكنه خطاب نوايا أرسله سعود الفيصل.. بالإضافة الى خطاب أرسله الملك عبد العزيز إلى وزيره المفوض بالقاهرة، لا يدعي فيه بسعودية الجزيرتين.

هل ساورك الشك في أي لحظة بسعودية الجزيرتين؟

يقيني من أول يوم أن هذه الأرض مصرية خالصة، لو أن إسرائيل تعرف أن هذه الأرض سعودية ما كانت قد أعادتها إلى مصر بعد العدوان الثلاثي 1956 وبعد نكسة 1967، وعلى مدار التاريخ لم تطلب السعودية هذه الأرض، والسعودية كانت تنتقد جمال عبد الناصر بأن السفن الإسرائيلية تمر من مضيق تيران ولا يفتح فمه، وهو ما أثار عبد الناصر وأغلق مضيق العقبة، والقانون الدولي يشير الى أن صمت على حقه لفترة من 25 – 30 عاما، تعتبر الأرض ملكا لم يضع يده على تلك الأرض، وهناك أحكام دولية بذلك.

و.. سياسيو مصر يعلنون سقوط اتفاق الحدود مع السعودية ويطالبون باستقالة شريف

قيل إن حكم الإدارية العليا يتعلق بالشق المستعجل ومازال هناك شق آخر بالقضية فما حقيقة ذلك؟

غير صحيح، الحكومة قدمت طعنا على حكم أول درجة، فلو قبلت المحكمة طعن الحكومة بشقيه الشكلي والموضوعي لكانت ستحولها لمحكمة موضوع مرة أخرى، لكن المحكمة رفضت الطعن شكلا وموضوعا، ما يعني أن الأمر انتهى لو أن الناس تحترم القانون والدستور.

لكن البعض يرى أن هذا الأمر من أعمال السيادة؟

هذا الكلام عفى عليه الزمن، وفندنا هذا الكلام أمام المحكمة، الفقه الدولي أنهى هذا الأمر منذ سنوات طويلة، كما أن دستور 2014 أنهى هذه النظرية وأطلق عليها رصاصة الرحمة، ولا توجد سلطة في مصر تدعي أن لها سيادة، والسيادة للشعب الذي يفوض الحكومة للإدارة فقط وليس للتنازل عن أرضه.

بعد الحكم .. هل تتوقع أن يستمر إحالة الأمر لمجلس النواب؟

الحكومة أحالت بالفعل قرارها لمجلس النواب، ورئيس مجلس النواب قال إنه سيرسلها للجنة التشريعية بالمجلس لدراستها، ومفروض أن الحكم الأخير يلزم كل السُلطات، أحكام القضاء الإداري سبق لها وأن حلت البرلمان نفسه، فسلطة القضاء سلطة نظام عام.

ماذا لو استمر إحالة الأمر لمجلس النواب ووافق ؟

هذا سيكون تحديا لسلطة القضاء، ولا يجب أن يتحداها البرلمان، وإذا قرر القيام بذلك سيكون هناك إنهيارا دستوريا حقيقيا للدولة بشكل عام، وسينتهي النظام السياسي، وعلى الدولة أن تحدد موقفها الآن، إما إنها دولة قانون أو إنها دولة فوضى، فإذا كانت دولة قانون انتهى الأمر والحكم مُلزم للجميع بداية من رئيس الجمهورية، أما لو تجرأ أحد سواء برلمان أو غيره على ذلك فلن نصمت وربما نطالب بحل البرلمان نفسه لأنه سيكون قد انتهك الدستور .

هل هناك درجات للتقاضي أمام الدولة؟

حكم المحكمة الإدارية العليا نهائي وبات يلزم كل سلطات الدولة، إلا إذا كان هناك من يفكر في هدم الدولة المصرية وإحداث أزمة دستورية لن يخرج منها أحد سالما، مثل الأزمة التي حدثت في أعقاب الإعلان الدستوري للإخوان المسلمين في نوفمبر 2012 ، ورحل محمد مرسي بسبب هذا الإعلان الدستوري، والآن أكرر هذا الكلام .

لكن هناك من يقول أن الأمر برمته سيحال للمحكمة الدستورية ؟

موضوع الإتفاقية موجود في القضاء ومجلس النواب، لخلق تنازع قانوني، والبعض ادعى أن هذا التنازع تحله المحكمة الدستورية، ولكن قاضي المحكمة الإدارية العليا رد على ذلك يوم صدور الحكم، وقال إن هذا الأمر لا يدخل في هذا الإطار، والمحكمة الإدارية مختصة إختصاص ولائي كامل، ولم يترك شيئا من هذه الألاعيب دون أن يسده ، ولو أن هناك رجلا رشيد في الإدارة المصرية لابد وأن يتوقف عن الإستمرار في هذا العبث ، لأنه سيدفع الأمور الى مزيد من الصدام والانهيار و"البلد مش ناقصة"، ويكفي التخريب الذي تم في الإقتصاد والأمن وحياة المصريين الذين لا يجدون الدواء وغير قادرين على الحياة. الحكم أخرج مصر والسعودية من ورطة بسبب البروقراطية التي كانت ستدفع الشعب المصري في يوم ما لحرب مع السعودية من أجل تحرير الجزيرتين، أما إذا حاول أحد اللعب في هذا الأمر مرة أخرى فستكون قد جنت على نفسها براقش .

أيضاً.. "مصرية تيران وصنافير".. أيمن نور: انتصارنا ليس على السعودية

البعض كان يتشكك في صدور حكم الإدارية العليا في هذا التوقيت ؟

كان لدي يقين إننا سنفوز بالمعركة القانونية، وربنا هو الحق والعدل، وليس من الحق والعدل ما فعلته الحكومة المصرية، هذه الأرض مصرية منذ أيام الفراعنة، وكنت أتخوف من أن يسلم هذا الجيل أرضه للأجيال القادمة منقوصة .

ما هى خسائر النظام من هذا الحكم؟

الخسارة الكبرى تتمثل في ما سيفعله النظام الحالي مع السعودية بعد هذا الحكم، لأن السعودية أخذت إتفاقية إعادة ترسيم الحدود وحُوّلت لمجلس الشورى وحصلوا منه على قرار، وأخذوا هذا القرار الى الأمم المتحدة، وهذا غير قانوني، والأمم المتحدة لن تبالي بهذا الكلام، لأن هذا النوع من الإتفاقات لابد وأن يكون هناك تبادل وثائق بين البلدين، وهو أمر لم يحدث في سذاجة واضحة، والعلاقات بين مصر والسعودية ليست على ما يرام. السعودية في أشد الحاجة لمصر أكثر من احتياج مصر لها من الناحية الإستراتيجية، ومستقبل السعودية صعب بعد هبوط سعر البترول وقانون جيكا الأمريكي، وقد تكون نهاية حكم آل سعود، لذا فالسعودية في حاجة لمساندة مصر لها، وعليهم مراجعة أنفسهم ، وخسائرهم الإستراتيجية ستكون أكبر من خسارة جزيرتين حتى لو كانوا مقتنعين بأحقيتهم فيهما .

هل أخذ حكم المحكمة من رصيد شرعية النظام؟

لاشك أن حكم المحكمة الادارية العليا إقتطع جزءا من شرعية النظام ، ولكن ليس حكم جزيرتي تيران وصنافير فقط من سحب من رصيد النظام، فقد سبقه وعود لم تصدق وسياسات فاشلة في الإقتصاد والتعليم والصحة ، فالغالبية من الشعب المصري لم يعد مستورا الآن، علماً أنه مرّت أوقات صعبة على هذا الشعب حينما كان إقتصاد الدولة موجه للمجهود الحربي، كان الشعب المصري مستوراً .