محمد المنشاوي في مقاله.. "جدول حول موقف أوباما والسيسي من التطرف في الدين"

العالم
نشر
7 دقائق قراءة
محمد المنشاوي في مقاله.. "جدول حول موقف أوباما والسيسي من التطرف في الدين"
Credit: OLI SCARFF/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم محمد المنشاوي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN 

خمسة أسابيع فصلت بين خطابين هامين ألقاهما على التوالي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي باراك أوباما تناولا فيها سياسات هامة ترتبط بالأفكار والعقائد المقدسة في الإسلام والمسيحية.

وجاءت الخطابان في وقت تشتعل فيه منطقة الشرق الأوسط بأعمال عنف وقتل تصل لحد التوحش من جانب حكومات وجماعات وميلشيات وجيوش مختلفة. وفي وقت لم تتوقف فيه الهجمات التي تشنها واشنطن بلا توقف عن طريق الطائرات بدون طيار على أشخاص وأهداف تحددها داخل اليمن وباكستان وغيرهما، وفي وقت لم يغلق فيه بعد معتقل جوانتانامو. وفي وقت تشتد فيه الجرائم البشعة لتنظيم الدولة "داعش" داخل العراق وسوريا.

خلال خطابه في الأول من يناير بمناسبة المولد النبوي الشريف، تحدث السيسي عن أهمية الخطاب الديني وضرورة تجديده. وذكر السيسي أننا بحاجة لما وصفها بثورة دينية للتخلص من أفكار ونصوص تم تقديسها على مدى قرون وباتت مصدر قلق للعالم كله. وقال السيسي في كلمته إنه "ليس معقولا أن يكون الفكر الذي نقدسه على مئات السنين يدفع الأمة بكاملها للقلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها". وأضاف أن هذا الفكر "يعني أن 1.6 مليار مسلم حيقتلوا الدنيا كلها التي يعيش فيها سبعة مليارات عشان يعيشوا هم". وذكر أنه يقول هذا الكلام أمام شيوخ الأزهر الذين خصهم بالحديث لما يقع على عاتقهم من مهام ينتظرها العالم أجمع. وقال السيسي لعلماء الأزهر "والله لأحاجكم به يوم القيامة"، وطالبهم بإعادة قراءة هذه النصوص بفكر مستنير، وقال موجها كلامة لشيخ الأزهر "محتاجين ثورة دينية فضيلة الإمام، الدنيا كلها منتظرة منكم ثورة دينية، الدنيا كلها منتظرة كلمتكم، الأمة دي بتمزق الأمة دي بتدمر الأمة دي بتضيع وضياعها بأيدينا إحنا تلك الامانة".  

وأكد الرئيس السيسي أن الخروج من هذا الفكر يقتضي ثورة دينية وتدقيقا والاطلاع عليه من الخارج لأنه "لا يمكن أن يكون داخلك وتحس به".

أما الرئيس الأمريكي وخلال حفل الإفطار الديني السنوي والذي أقيم الأسبوع الماضي وحضره ممثلون عن مختلف الديانات السماوية وغير السماوية، فقد رفض أن يوجه سهامه إلى أي دين وأن يستبعد أديان أخرى. نعم شن الرئيس أوباما باراك أوباما هجوما عنيفا على تنظيم "داعش"، وقال إن أعماله لا صلة لها بالدين الإسلامي. وقال "هذه أعمال همجية لا يمكن أن توصف باسم الدين.. إنها ليست غير عصابة قتل شريرة ووحشية". واستطرد بذكر أمثلة مختلفة للجرائم التي تقترف باسم الأديان "ها نحن نرى الحرب الطائفية في سوريا. وها نحن نرى قتل المسلمين والمسيحيين في نيجيريا. وها نحن نرى الحرب الدينية في جمهورية أفريقيا الوسطى، وها نحن نرى صعود معاداة السامية وجرائم الكراهية في أوروبا، التي كثيرا ما تنفذ باسم الدين".  إلا أن أهم ما قاله أوباما تعلق برفضه أن ينسب القتل إلى جهة محددة، أو بقعة معينة من العالم، وإغفال غيرها. وقال "تذكروا أنه خلال الحملة الصليبية ومحاكم التفتيش، ارتكب الناس الكثير من الفظائع باسم المسيح، وفي بلدنا، كانت هنالك عبودية وقانون جيم كرو (الفصل العنصري ضد السود)، وكلها كانت كثيرا ما تبرر باسم المسيح".

استشاط الجمهوريون اليمينيون غضبا من حديث أوباما. وشن قادتهم هجوما قاسيا ضد الرئيس باراك أوباما على جمعه بين إرهاب تنظيم الدولة "داعش" والتطرف الذي حمله الأوربيون خلال الحملات الصليبية، معتبرين أن تلك المقارنة التي أبداها "غير لائقة" ومهينة لمن وصفوا بـ"المؤمنين المسيحيين".  وذكرت دوائر اليمين الأمريكي الإعلامية مثل صحيفة واشنطن تايمز وشبكة فوكس الإخبارية أن تصريحات الرئيس خلال صلاة الإفطار تعتبر أكبر هجوم من أي رئيس أمريكي على المسيحية. "لقد أساء أوباما إلى كل مسيحي مؤمن في الولايات المتحدة، وربما يدل هذا على أن أوباما لا يؤمن بأمريكا أو القيم التي يتشارك فيها الأمريكيون،" كما أشار أحد الكتاب اليمينيين في موقع قناة فوكس.

على العكس من الهجوم على أوباما، لاقت دعوة السيسي بشأن "الثورة الدينية داخل الإسلام" ترحيبا كبيرا من نفس الدوائر التي هاجمت ما قاله الرئيس أوباما. وعلى سبيل المثال فقد رأت صحيفة واشنطن تايمز أن الرئيس المصري هو الوحيد والأول بين كبار زعماء العالم الذي يبدو على استعداد للظهور أمام كبار رجال الدين والقول إن الفكر المتطرف في الإسلام يدفع الإرهابيين لقتل الناس في جميع أنحاء العالم. ورأى فريق تحرير الصحيفة أن خطاب السيسي منح الأمل ليكون بداية لحملة من الإصلاح يقودها المسلمون المعتدلون على صعيد الخطاب الديني وتجاه المتطرفين من الدعاة.

استمرار التركيز على أن الإسلام، دون غيره من الديانات السماوية الأخرى، يشجع على العنف لا يقدم جديدا لحل المعضلات الأمنية الكبرى. ما قامت به إسرائيل من قتل مئات الأبرياء في عدوانها الأخير على قطاع غزة لم يصنف كسلوك نابع من الديانة اليهودية، في الوقت الذي لا يربط فيه أحد بين اليهودية وفظاعة واستمرار الاحتلال الإسرائيلي ككل. وما يجري يوميا من قتل لكثير من الأبرياء من خلال الطائرات بدون طيار لا يصنف كعمليات قتل مسيحية، ولا يذكر أحد أن من أنشأ وأدار وعذب داخل معتقل غوانتانامو لا ينتمون للمسيحية.  منذ انهيار الاتحاد السوفيتي صنع الغرب من راديكالية بعض المسلمين عدوا جديدا، وكان لوقوع احداث 11 سبتمبر أثره في تأكيد العداء الذي تخطى الراديكالية وامتد لتوريط أمريكا في أطول حروبها في التاريخ سواء في أفغانستان أو العراق. وكان الخطاب اليميني الأمريكي أحد دعائم التعبئة المستمرة للحروب بخلقه لحالة الهيستيريا التي يغذيها تطرف البعض وجهل آخرين.