أوباما وأزمة مصطلح "الإسلام الراديكالي"

العالم
نشر
7 دقائق قراءة
أوباما وأزمة مصطلح "الإسلام الراديكالي"
Credit: BRENDAN SMIALOWSKI/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم محمد المنشاوي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN 

يرفض الرئيس الأمريكي باراك أوباما وصف "تنظيم الدولة" و"تنظيم القاعدة" بالإسلام، وذلك على العكس مما تذهب إليه معظم الدوائر البحثية والإعلامية الأمريكية. ويرى أوباما أن تصنيف هذه الجماعات ووضعها في خانة "الإسلام" حتى لو كان "الراديكالي" منه يضفي عليها شرعية دينية لا تستحقها.

ويؤمن الرئيس الأمريكي أن هذه التنظيمات الإرهابية اختطفت الإسلام ولا تعبر عنه، ومن هنا فهو يكرر مقولة "أمريكا ليست في حرب ضد الإسلام، أمريكا في حرب ضد تلك التنظيمات التي تستغل وتشوه    الإسلام،" يؤمن أوباما كذلك بأن هذه التنظيمات تتطلع وتتمنى أن تصنف كتنظيمات إسلامية تدافع عن الإسلام وأن تظهر وكأن مقاتلوها يجاهدون في حرب دينية مقدسة، وأنه إذا تم وصفها بالإسلام سيسهل ذلك كثيرا من جهود تجنيد وجذب المزيد من المقاتلين وسيستغل كذلك في حملات الدعاية التي تقوم بها هذه التنظيمات. من هنا تصمم الإدارة الأمريكية الحالية من جانبها وبشدة الابتعاد عن استخدام مصطلحات على شاكلة "إسلامي" أو "جهادي" أو "ديني" في  وصفها للجماعات الارهابية.

ولا يغرد أوباما وحده بقناعاته السابقة، فقد كرر وزير الأمن الداخلي، جاي جونسون، رؤية رئيسه في حواراته، وذكر في لقاء تليفزيوني يوم الأحد الماضي أنه لا ينبغي أن نشير إلى الإرهابيين بكونهم مسلمين راديكاليين، وهم أنفسهم  يستدرجوننا لأن نصنفهم كإسلاميين، لكننا لن نقوم بذلك. وقال جونسون "إن وصفهم بأنهم أحد أوجه الإسلام يمنحهم احتراما لا يستحقونه".

وخلال الأسبوع الماضي شهدت واشنطن على مدار ثلاثة أيام مؤتمرا نظمه البيت الأبيض كان عنوانه "مكافحة التطرف العنيف Countering Violent Extremism" ولم ينصع البيت الأبيض لضغوط الجمهوريين والقوى اليمينية المطالبة بضرورة الاشارة "للإرهاب الإسلامي" أو "الجهاديين" في عنوان المؤتمر وفي جلساته وفي الخطاب الرسمي الأمريكي.

لم يترك أعداء أوباما هذه النقطة تمر مرور الكرام، وبالنسبة للجمهوريين، فإن ما قاله باراك أوباما يبين أنه لا يدرك مدى حجم التهديد الذي يمثله "الإسلام الراديكالي". واتهم الجمهوريين أوباما بغض الطرف عن الجرائم التي يقوم بها بعض المسلمين اندفاعا من طريقة إيمانهم بتعاليم دينهم. ويضيفون كذلك أن نظرة إحصائية بسيطة على ما شهده العالم مؤخرا يدلل باليقين أن أغلبية الهجمات الإرهابية حول العالم قام بها مسلمون. ويستشهد الجمهوريون كثيرا باستطلاع للرأي أجراه معهد بيو منتصف عام 2013 في 11 دولة أغلب سكانهم من المسلمين أظهر أن هناك تأييدا تصل نسبته إلى 13% لتنظيم القاعدة، و26% لحزب الله، وترتفع النسبة لتصل إلى 32% لجماعة حماس. ويستغل هذا الاستطلاع في التأكيد على وجود بيئة اجتماعية وثقافية حاضنة لهذه الأفكار المتطرفة في دول إسلامية عدة (يصنف القانون الأمريكي تنظيم حماس وحزب الله منظمات إرهابية). 

ثم نال مقال نشرته مجلة "أتلانتيك" الشهرية بعنوان "ماذا تريد داعش" what ISIS really wants"" في عددها الأخير اهتماما كبيرا، وذكر كاتبه غرام وود أن تنظيم الدولة "يضم الكثيرين من المضطربين نفسيا، إلا أنه أيضا يضم الكثيرين من الملتزمين دينيا وإسلاميا"، وأن "الدولة الاسلامية (في العراق وسوريا) في النهاية هي إسلامية، وأن كل ما تنادي به وينادي به شيوخها يعبر عن أحد مدارس تفسير تعاليم الإسلام". 

يرى أوباما أنه من الأفضل أن يواجه المسلمون مشاكلهم بأنفسهم، لذا يتحدث كثيرا ويذكر ضحايا الإرهاب من المسلمين. ويمس هذا الأسلوب وترا حساسا لدى أغلبية المسلمين ممن يزعجهم وقوع ضحايا أبرياء على يد هؤلاء المتطرفين. كما لم ينس أوباما أن يمتدح المسلمين ممن ضحوا بحياتهم أو خاطروا بها من أجل حماية كنائس مسيحية أو معابد يهودية، ووقفوا في وجه المتطرفين وإن كانوا مسلمين. في كلمته أمام قمة مكافحة التطرف، شكر أوباما الشاب المالي المسلم، لاسانا باتيلي، الذي ساعد اليهود في الاختباء خلال حادثة احتجاز الرهائن في سوبر ماركت في باريس الشهر الماضي، وشكر كذلك الشرطي المسلم أحمد المرابط الذي فقد حياته في حادث شارلي إبدو، قائلا "لقد سمع العالم الكثير عن الهجمات الإرهابية ضد تشارلي إبدو في باريس، ولكن يجب على العالم أيضا أن يتذكر الشرطي الباريسي، أحمد مرابط، المسلم الذي لقي حتفه بسبب محاولته التصدي للإرهابيين".

ورغم الموقف الإيجابي الذي تبناه الرئيس الأمريكي، إلا أن أوباما ومنتقديه ينشغلون بقضية تلهينا إلى حد كبير عن طرح أسئلة جوهرية هامة. هم يتجاهلون النظر لتزايد العنف والراديكالية كأحد مظاهر فشل نموذج الدول القومية في استيعاب تطورات المجتمعات المختلفة عن النموذج الغربي، في زمن طغت فيه مظاهر عولمة وتواصل معلوماتي غير مسبوق. هم يتجاهلون عامل الاستبداد ودوره الرئيسي في تهيئة بيئة يترعرع فيها التطرف ويخلق بيئة خصبة لتجنيد مقاتلين لا يعرفون من الدين ولا حتى أبجدياته. هم يتجاهلون لماذا لم يخرج تنظيم الدولة إلا من رحم النظاميين العراقي والسوري، اللذين عرف عنهما خلال العقود الأخيرة أنهما أشد النظم استبدادا. هم يتجاهلون لماذا ينضم مئات وربما آلاف لتنظيم الدولة من الأوربيين والأمريكيين وغيرهم ممن ليس لهم أي علاقة من قريب أو بعيد بأي عقائد سماوية أو روابط شرق أوسطية. يتجاهلون ذكر مسؤولية الاحتلال الأمريكي للعراق فيما آلت إليه خريطة الشرق الأوسط من تدهور وفوضى، ويتجاهلون استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في عرض صورة مستمرة من الظلم والإهانة والقتل لشعب لا يريد إلا حريته. يتجاهلون انتقاد ظلم القانون والنظام الدوليين اللذين يعطيا  للقوى على حساب أصحاب الحقوق والمظلومين حول العالم. يتجاهلون ذكر أن استمرار العلاقات الوثيقة بين واشنطن ونظم استبدادية أخرى في المنطقة لن يساعد إلا على انتاج أجيال جديدة من المتطرفين الشباب، ممن ينغلق أمامهم الآن فضاءات الحرية والأحلام والحق في التغيير.