في جذور الصراع بغرداية.. هل تعود الأسباب إلى المذهب والعرق أم إلى مصالح سياسية؟

العالم
نشر
8 دقائق قراءة
في جذور الصراع بغرداية.. هل تعود الأسباب إلى المذهب والعرق أم إلى مصالح سياسية؟
Credit: FAROUK BATICHE/AFP/Getty Images

الجزائر (CNN)-- بعدما كانت مدينة غرداية الواقعة على بعد 600 كلم جنوب غرب الجزائر، تعرف بهدوئها ويشهد لها القريب قبل البعيد بكرامة شعبها وشهامة رجالها، انقلبت صورتها الهادئة في السنوات الأخيرة إلى بؤرة للتوتر وصراع ومواجهات شرسة في حواضر القرارة بريان وغرداية بين مجموعات من السكان المنتمين إلى قبيلة الشعانبة العربية المالكية، والسكان المنتمين إلى بني ميزاب الأمازيغ الإباضيين أسفر عن مقتل 25 شخصا وحرق ونهب وفرار لعديد من العائلات لمدن أخرى.

هناك من فسر القضية أنها طائفية تعود إلى عقود من الزمن، بل أياد خارجية تحركها وما فشل في إعلانه من ربيع عربي في الشمال سيتحول إلى ربيع أمازيغي في الجنوب، في حين هناك من فسرها على أنها تناطح مصالح مادية تجارية خلقت خطابًا طائفيًا غذاه فساد سلطات محلية توزع الريع من دون عدل، وأمام هذا وذاك أبت "CNN" إلا أن تنقل لمتابعيها خلفيات الأحداث، والأسباب التاريخية والسياسية وراء نزاع المالكيين مع الإباضيين، وماهو المذهب الإباضي وما هي حقيقة ما يجري في مدينة "بني ميزاب".

المذهب الإباضي الذي يتبعه الأمازيغ في غرداية، وهو مذهب أتى به علماء من البصرة ببغداد نحو شمال إفريقيا حيث استقروا بمدينة "تيهرت" غرب الجزائر صارت اليوم تعرف باسم "تيارت" وأسموها "الدولة الرستمية" مطلع القرن العاشر الميلادي، بينما الطرف الثاني وهم عرب يطلق عليهم أسماء مختلفة مثل شعابنة، المرازيق والمذابيح ويتبعون المذهب المالكي سكنوا غرداية من القدم لكن ازداد عددهم وتضاعف أكثر إثر حركة التمدن الكثيفة التي تلت وصول سكان جدد، خصوصا في العشرية السوداء، ما أخل بالتوازن الديموغرافي الذي كان يميل كثيرا إلى المزابيين (الأمازيغ) الذين شكلوا دائما الأغلبية في غرداية.

 وحسب الحاج سعيد محمد رئيس جمعية خدمة التراث بغرداية فهو يُعرف المذهب الإباضي لـ"CNN" بالعربية: "هو مدرسة من المدارس الإسلامية عامة، وهو أول مذهب أنشأ بعد قضية التحكيم إثر مقتل الإمام علي في البصرة، ليأتي بعدها مذهب مالك، مذهب أبو حنيفة، المذهب الشافعي وأخيرا مذهب أحمد بن حنبل".

وأما عن طريقة عيشهم فأحسن ما نذكره هو قول المفكر الراحل مالك بن نبي عما عاشه في مدينة غرداية لجريدة الثورة الإفريقية الصادرة بالفرنسية بالجزائر في مايو 1968 :"لم أر شخصا واحدا أُخِذَ بجريرة السُّكر في أزقة (غرداية) – على سبيل المثال – هذه المدينة الأكثر تفتحا باعتبارها تستقبل مختلف الأجناس ولم أر أية علامة للانحطاط الأخلاقي الاجتماعي، كأن يكون المرء في رحمة السؤال وطلب الصدقة، أني لم أر متسوِّلا واحدا طيلة إقامتي".

وبالعودة لخلفيات ما يحدث في غرداية فلابد من العودة إلى ما عاشته المدينة بعد الفيضانات التي ضربت "وادي ميزاب" سنة 2008 والتي جعلتها تعيش مأساة حقيقية، لتبدأ الهزات والارتدادات بين المزابيين والمالكيين بسبب العقار والأراضي  وطريقة توزيعها وأبرز تلك الأحداث ما عاشته مدينة بريان في الثاني من يوليو/تموز سنة 2008 والتي أسفرت عن جرح 10 أشخاص وتوقيف 10 آخرين وخسائر مادية معتبرة.

 تكرّر بعدها السيناريو يوم 19 مارس/آذار 2009، وأسفر عن سقوط عشرات الجرحى والقتلى وهجرت عشرات الأسر خوفا من الوضع المتأزم، ليتم توقيع اتفاقية بين أعيان المنطقة في 31 من نفس الشهر للخروج بحل للأزمة لكنها فشلت بعد أسبوعين وتتجددت المواجهات لتتدخل قوات الامن لرأب الصدع وإعادة الهدوء، إلا أن أبريل/نيسان 2012 شهد مواجهات جديدة في قصر بني يزقن بسبب خلاف حول قطعة أرض سقط فيها جرحى، لكن هذه المرة في "القرارة".

وفي السابع من من يوليو/ تموز 2015 اندلعت موجة عنف مفاجأة في منتصف الليل امتدت ليومين وأسفرت عما يزيد عن 25 قتيل، ما دفع برئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة يشكل خلية أزمة ويعقد اجتماع طارئ في قصر المرادية ويقدم تعليمات صارمة لتدخل الجيش.

يقول جمال زيان خبير في الشأن السياسي لـ"CNN" بالعربية :"الأمازيغ الإباضيون تاريخيا أناس مسالمون، ويؤمنون بالتجارة والتعايش السلمي ونظرا لنجاحهم من الناحية الإقتصادية والتجارية، فقد حملهم العرب المالكيين مسؤولية فقرهم. بينما يرى الإباضيون أن الدولة الجزائرية تعطي كل الامتيازات للعرب من حيث الوظائف الإدارية والصفقات العمومية، وهو ما خلق حالة توتر بين الطرفين".

وإذا كانت بعض الأصوات ترى أن الصراع في غرداية هو صراع مذهبي فإن الدكتور والإعلامي عبد العالي رزاقي يرى عكس ذلك من خلال قوله :"الصراع هو اجتماعي وليس له علاقة بالمذهب، كوننا نرى أن الخلافات التي ظهرت في المنطقة تتركز بالأساس على أملاك بين العرب والأمازيغ الإباضيين، رغم أن الطرفين معروف عليهما تعايشهما السلمي في المنطقة منذ قرون".

وفيما ينظر إليها البعض على أنها صراع طائفي فإن المتابع للشأن السياسي والمحامي عبد الرحمن حديبي يرى أن منطقة غرداية ليست وحدها من تشهد مثل هذه الاضطرابات، فالجزائر تسجل في كل يوم عشرات الحركات الاحتجاجية، متحدثًا أن الصراع ليس عرقيًا أو طائفيًا أو مذهبيًا، إذ إن الشعب الجزائري يتميز بالتنوع الثقافي مثل غيره من الأمم والشعوب في منطقة البحر الأبيض المتوسط ".

وسياسيا حاولت بعض الأصوات داخل النظام الجزائري تحميل المسؤولية لـ"جهات أجنبية" لم تسميها بالاسم مدعية أن الهدف هو زعزعة استقرار الجزائر، وهذا ما تشهده اتهامات رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي والموالي للنظام، أحمد أويحيى أطراف خارجية بمحاولة زعزعة استقرار الجزائر، بقوله إن هناك تمويل مشبوه وضخ لأموال تصل إلى 5 ملايين سنتيم يوميا للمشاغبين، وإن هناك أطراف تستغل ورقة الأقلية لمنح حجة التدخل الأجنبي.

بيدَ أن الأستاذ رياض هويلي، سخر عبر صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي عن كلام أويحيى بقوله :"إذا كانت السلطة ترى وتعلم ما يحاك هناك فلماذا تأخرت في التدخل؟ ولماذا لا تكشف للراي العام عن هذه المعطيات منذ البداية وتنتظر حتى سقوط ضحايا كثر؟".

وعلى خلاف تصريحات أويحيى في المؤتمر الصحفي الذي عقده السبت، فإن المعارضة ترى المشكل في نظام الحكم الذي لم يعرف كيف يسيطر على الأوضاع ما دفع لخضر بن خلاف رئيس جبهة العدالة والتنمية المعارض و المحسوبة على التيار الإخواني لاعتبار أن ما حدث بالمهزلة ، حيث قال: "إنها مهزلة في ظل غياب السلطة التي لم تتمكن من الوفاء بوعودها من قبل، ونحن ندين ما يحدث بشدة ونأمل أن تحل الأمور بشكل سريع". فيما حمل علي بن فليس رئيس الحكومة الأسبق والمرشح الخاسر في رئاسيات 2014 مسؤولية ما حصل لما وصفه بـ "الفراغ في السلطة" و"عدم شرعية المؤسسات وافتقادها للمصداقية وعدم ثقة المواطنين بها".